بلاغ للديوان الملكي حول ترؤس الملك محمد السادس لجلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    أخبار الساحة    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة        تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهد من ديترويت أو عندما تجتاح مظاهر الفقر والمخدرات أجمل المدن الأمريكية
نشر في المساء يوم 16 - 01 - 2011

وجدت في ديترويت بهجة لدى بعض زعماء الجالية العربية الأمريكية بعد توقيع حاكمة الولاية على ما أصبح يعرف ب«قانون عامر» نسبة إلى أسرة عامر
التي حاربت لسنين طويلة بهدف استصدار القانون الجديد.
الى مشا الزين يبقاو حروفو
كلما زرت هذه المدينة الأمريكية الكئيبة كلما تذكرت المثل المغربي الذي يفيد بأن «الجمال حتى وإن ذهب تبقى حروفه «لكن جمال هذه المدينة ذهب مع انهيار صناعاتها وتحول بعض أحيائها إلى خراب يشبه مناطق حرب مهجورة.
شبح الفقر بدأ يغير ملامح معظم المدن الأمريكية، لكن أمسك بمعظم أجزاء هذه المدينة التي كانت في وقت من الأوقات جوهرة الصناعة في أمريكا والعالم.
اجتزت مع المصور أحياء كاملة تحولت إلى منازل أشباح بعد أن تركها أصحابها لمروجي المخدرات ومستعمليها والذين يقتلون بعضهم البعض في ليالي المدينة شديدة البرودة.
في إحدى اللحظات ظهرت على المصور الأبيض بعض علامات القلق بعد أن «توغلنا» في الأحياء السوداء الموحشة قبل أن يعلن بحزم واضح «أريد أن اشتغل لكنني لا أريد أن أقتل»، في حديث مع أحد أساتذة الاقتصاد في جامعة المدينة أكد أن ميشيغان فقدت العديد من سكانها في الإحصاء الأخير وأن أكبر تجمع للطلبة القدامى لجامعة ميشيغان يوجودون حاليا في مدينة شيكاغو في ولاية الينوي المجاورة.
الخبير الاقتصادي أكد أيضا أن ولايته تنفق حاليا على السجون أكثر مما تنفق على التربية والتعليم، وهو خلل خطير ربما ينسحب على أكثر من ولاية بسبب معاناة ميزانياتها المحلية من عجز غير مسبوق.
الفرق المخيف بين فقراء وأغنياء أمريكا أوضح في هذه المدينة أكثر من غيرها وإذا كانت الإحصاءات القومية تفيد بأن حوالي واحد في المائة من الأمريكيين فقط يسيطرون على ربع الثروة القومية تقريبا، لكنها تبدو أسوأ هنا على ضفاف البحيرات الكبرى.
معرض دولي للسيارات
في المعرض الدولي للسيارات الذي تحتضنه المدينة كل عام جاء جيش من الصحفيين من مختلف أنحاء العالم، خاصة من الدول المنافسة ربما لتسجيل لحظة الاحتضار الأخيرة للمدينة. لكن مشاعر كثيرة من التفاؤل خيمت على معظم القائمين على صناعة السيارات الأمريكية، ربما لأن بعضها «تعلم الدرس» من المنافسة القاتلة وتحول إلى صناعة سيارات أصغر حجما وأكثر تصالحا مع البيئة.
الأمريكيون الذين يؤجلون مشروع شراء سيارة جديدة مع الإطلالات الأولى للأزمة الاقتصادية مازالوا معرضين عن السيارات الصغيرة وخاصة الصديقة للبيئة، لأن معظمهم يشعر أن الحصول على بنزين بأسعار رخيصة حق سماوا في حين تعتبر السيارة امتدادا للذات في حجمها وفخامتها.
التفاؤل الكبير في أروقة المعرض قد يواجه أيضا نسبا مرتفعة من البطالة وصعوبة الحصول على القروض بعد أن «تعلمت البنوك» دروسها أيضا من مرحلة ليبرالية القروض.
وسائل الإعلام الأمريكية تنازلت عن تغطية المعرض لوسائل الإعلام الأجنبية وركزت على المذبحة الجماعية في ولاية أريزونا والتي استهدفت نائبة ديمقراطية في مجلس النواب، أصيبت برصاصة اخترقت دماغها لكنها لم تقتلها، في حين قتل ستة أشخاص وأصيب عشرون آخرون بجراح مختلفة.
عملية القتل الجماعية أعادت إلى النقاش العام-أو النقاش المقنن- مسألتي السلاح وتسمم النقاش السياسي حول القضايا ذات الاهتمام العام.
النقاش ولو حول القضايا العامة أصبح مقننا، لأن الأمريكيين أصبحوا إعلاميا كاللبنانيين كل طائفة تتابع أخبارها على قناتها الخاصة حتى لا تسمع ما لا يعجبها.
الليبراليون يقرؤون «النيويورك تايمز» ويشاهدون «ام ايس اين بي سي» في حين يقرأ المحافظون «الوولستريت جورنال» ويشاهدون طبعا «فوكس نيوز».
الجهات اللبيرالية حملت المحافظين ولغتهم المسمومة والمحرضة مسؤولية المذبحة الجماعية في حين اتهم المحافظون- عبر وسائل إعلامهم طبعا- الليبراليين بتوظيف المذبحة لأغراض سياسية.
المحافظون يكرهون طبعا الحديث عن تقنين السلاح ويعتبرون أي حديث من هذا القبيل خيانة وطنية من الدرجة الأولى ويوظفون في ذلك ثاني أقوى لوبي في أمريكا بعد اللوبي الإسرائيلي لخنق أي حديث عن مراقبة السلاح ومن يشتريه.
في مناظرة تلفزيونية أجريت قبل بضعة أسابيع في نادي الصحافة القومي لاختيار الأمين العام القادم للحزب الجمهوري لم يطرح سؤال واحد عن برامج الحزب الاجتماعية أو في السياسة الخارجية، لكن المرشحين سئلوا إن كانوا يمتلكون أسلحة.
الرئيس باراك أوباما وجد نفسه في الموقف نفسه، الذي واجهه سلفه الديمقراطي بيل كلينتون بعد تفجير المبنى الفدرالي في أوكلاهوما، والجمهوري جورج بوش بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر لمواساة أمة مكلومة ومرشحة لتعميق جراحها أكثر سبب الهوة السحيقة بين يمينها ويسارها وفقرائها وأغنيائها.
لكن أمريكا ستعود قريبا إلى عاداتها القديمة بعد انقضاء أيام الحزن، الذي يتمنى البعض لو طال أيضا ضحايا أمريكا وضحايا أسلحتها في مختلف أنحاء العالم.
أمريكا حزينة هذه الأيام لدرجة تناسيها «النجاح» الذي حققته في تقسيم السودان وعملها الحثيث على تفجير الأوضاع في لبنان لكن قلب واشنطن مكسور، كما قال «جون بينير» الرئيس الجمهوري الجديد لمجلس النواب.
«قانون عامر»
في ديترويت أيضا وجدت بهجة لدى بعض زعماء الجالية العربية الأمريكية بعد توقيع حاكمة الولاية على ما أصبح يعرف ب»قانون عامر» نسبة إلى أسرة عامر التي حاربت لسنين طويلة بهدف استصدار القانون الجديد.
لكن أسرة آل عامر دفعت ثمنا يصعب على الناس الأسوياء تصور وقوعه في ولاية أمريكية ويحافظ ضحاياه على تماسكهم العقلي.
القانون يفرض على المصالح الاجتماعية في الولاية، في الحالات التي تجد نفسها مضطرة لأخذ الأبناء من ذويهم، أن تعطي الأولوية لأقرباء الأبناء من أعضاء الأسرة الكبيرة حتى ينشؤوا في نفس البيئة الدينية والاجتماعية.
زرت السيدة رحاب عامر وزوجها السيد أحمد في بيتهما في إحدى ضواحي الطبقات الوسطى في ديترويت، حيث استمعت إلى رحلة العذاب التي بدأت قبل أكثر من خمسة وعشرين عاما.
السيد أحمد متقاعد من أحد مصانع شركة فورد للسيارات، جلبته كالعديد من عرب المدينة أيام الازدهار في صناعة السيارات وتزوج من ابنة بلده رحاب التي كانت تسكن في الحي نفسه في سبعينيات القرن الماضي.
بدأ أحمد ورحاب أسرتهما الصغيرة وبعد فترة وجيزة على الزواج قررت رحاب وضع الحجاب احتراما لدينها الإسلامي ومذهبها الشيعي وقررت التفرغ لتكوين أسرة عوض الخروج إلى سوق العمل رغم تكوينها الجامعي.
ومع حلول عام 1985 كبرت الأسرة الصغيرة بعد أن رزقت بثلاثة أبناء محمد علي كان في الثالثة من عمره والطفلة سهير أكملت عامها الأول بينما كان سمير في شهوره الثلاثة الأولى.
كان الأب أحمد ينام بالنهار للتعويض عن السهر في مصنع فورد والاستعداد لليلة أخرى للنفقة على أسرته المتزايدة، وكانت الأم تسهر على تربية الأبناء موفرة قدرا ضروريا من الهدوء للزوج لينام دون ضجيج.
وفي أحد أيام نونبر من عام 1985 كانت الأم تغسل صغارها الثلاثة في حمام البيت وبعد أن انتهت من تنظيف محمد علي وسهير بدأت تغسل جسم سمير الصغير حينما رن الهاتف.
في تلك اللحظة قامت رحاب بخطوة روتينية ستدفع ثمنها غاليا حينما قررت الهرع إلى المطبخ لترد على التليفون حتى لا يوقظ رنينه زوجها النائم فإذا بها تسمع صوت شيء يسقط في الحمام فرمت التليفون وهرعت إلى الحمام لتجد صغيرها سمير في حالة إغماء.
حاولت رحاب مساعدة صغيرها على التنفس في حين أفاق زوجها المذعور على صراخ زوجته وبادر إلى الاتصال برقم النجدة وسط بكاء وصراخ الجميع.
كان أول سؤال طرحه رجال الإسعاف: هل أغمي على الطفل غرقا أم سقط لوحده أم ضربه أحد أفراد الأسرة؟ لكن تأكيد رحاب أن أيا من تلك الاحتمالات لم يقع لم يمنع عامل الإغاثة من تبليغ المستشفى لاسلكيا أنهم «أمام حالة ضرب أو حالة غرق».
كان حديث السيدة رحاب في وقت سابق من هذا الأسبوع حول رحلة عذابها قادرا على تليين أكثر القلوب قسوة، ونجح قلب الأم في الاحتفاظ بكل تفصيل مهما كان دقيقا ومهما مرت عليه السنون.
تحكي رحاب وقد أجهشت بالبكاء أن الطفل الصغير سمير فارق الحياة بعد بضعة أيام نقل خلالها إلى أكثر من مستشفى دون أن يسترجع الوجه الصغير أيا من علامات الحياة.
منذ ذلك اليوم الأسود خسرت أسرة عامر الصغيرة كل شيء الأولاد وحوالي مليون دولار من أتعاب ثمانية عشر محاميا جندتهم لأكثر من عقدين في معارك قانونية فازوا ببعضها وخسروا معظمها، لكن خسارة الأولاد كانت أفدح.
رجال شرطة
بعد أيام قليلة على مفارقة سمير الحياة جاء موظفو المصالح الاجتماعية للولاية معززين برجال الشرطة ودخلوا البيت ليجدوا الطفلين محمد علي وأخته سهير في رعاية جدتهما التي لم تكن تعرف شيئا من اللغة الانجليزية ولم تجد وسيلة للاستعطاف سوى الارتماء على أرجل المقتحمين ليتركوا الطفلين إلى حين عودة والديهما.
استعطاف السيدة المسنة التي فارقت الحياة بعد مدة قصيرة على الحادث غما وكمدا- لم تفلح في إقناع موظفي الولاية الذين لم يتأثروا أيضا ببكاء الطفلين وتعلقهما بتلابيب جدتهما العجوز.
وإذا لم يكن «اختطاف» الولاية للطفلين المسلمين الصغيرين كافيا فقد لجأت مصالح الخدمة الاجتماعية في ولاية ميشيغان لوضعهما في رعاية أسرة أصولية مسيحية تؤمن بواحد من أكثر الاتجاهات المسيحية تطرفا وإلغاء لكل من خالفها في المذهب قبل الدين.
مثل هذه الأسر تضع نفسها «في خدمة» المصالح الاجتماعية في مختلف الولايات لاستضافة الأطفال الذين تبحث لهم حكومة الولاية عن ملجأ لأسباب لاهوتية لاعتقاد تلك الأسر بأنها تقوم بخدمة رسالة سماوية كما تقوم «بالتطوع» لأسباب أرضية أيضا كالحصول على خمسة آلاف دولار شهريا عن كل طفل ترعاه.
مصالح اجتماعية
وبعيد انتهاء المصالح الاجتماعية لولاية ميشيغان من إخلاء البيت نهائيا من الأطفال بعد أن غيب الموت ثالثهم جاءت المصالح الجنائية لتوجيه تهمة القتل للأم الثكلى.
المحاكمة التي جرت أطوارها عام 1986 استمرت لشهور طويلة كلفت الأسرة الصغيرة أموالا طائلة من أتعاب المحامين والخبراء ولم يستطع خلالها الادعاء العام تقديم دليل واحد يؤكد تعرض الطفل الصغير لأي أذى كما أن جسمه الصغير كان خاليا من أي نذوب أو علامات تعذيب.
هيئة المحلفين التي لم تستغرق مداولاتها أكثر من عشر دقائق عادت وأعين معظم أعضائها دامعة لتعلن براءة الأم من دم ابنها، كما أوصت بعودة الطفلين لرعاية أبويهما الطبيعيين.
هناك إجماع بين كل من تتبعوا هذه القضية منذ بدايتها على أن كون الأسرة الصغيرة تدين بالإسلام كان السبب الرئيسي إن لم يكن الوحيد في إصرار المصالح الاجتماعية على تحدي الجميع في الإصرار على تشتيت الأسرة العربية حتى في وجه قرارات صادرة عن المحكمة.
الفاجعة ستصل مداها بعد أربعة أشهر من قرار البراءة، حينما وضعت رحاب طفلة في مستشفى المدينة أسمتها زينب وجد الممرضون صعوبة في فحصها بسبب تعلقها الهستيري بصدر والدتها.
المصالح الاجتماعية للولاية وكأنها تجندت بكل طاقتها لاستهداف آل عامر أوفدت موظفيها مرة أخرى معززين برجال الشرطة المسلحين لانتزاع زينب الصغيرة من أحضان والدتها داخل المستشفى!
قضت زينب سنتين في رعاية أسرة مسيحية معتدلة أو كما قالت رحاب «كانت أسرة تخاف من ربنا» فعاملتها معاملة جيدة إلى أن نجحت الأسرة المسيحية المتطرفة في إقناع الحكومة بجمع الإخوان الثلاثة لديها خدمة لتعاليم الرب كما تفسرها، وأيضا لإضافة خمسة آلاف دولار شهريا إلى ميزانيتها.
الأسرة المسيحية المتطرفة في معاداتها لباقي المسيحيين قبل المسلمين واليهود أقدمت على عملية غسل دماغ شاملة للأطفال الثلاثة بزرع كراهية الإسلام في قلوبهم كما غيرت اسم محمد علي إلى «ادم لي» وأقنعتهم بأن أمهم قتلت أخاهم الصغير.
الأسرة المتبنية للأطفال أقنعت المحكمة أيضا بأن الأطفال يخافون من أبيهم وأمهم لأنه «عاينوا» عملية القتل مما أدى إلى حرمان الوالدين حتى من التواصل عن بعد مع فلذات أكبادهم.
اهتمام الإعلام الأمريكي بهذه القضية أدى إلى تعاطف الرأي العام مع محنة الأسرة الصغيرة، لكنه تعاطف وإن لم ينجح في تغيير الوضع القائم فقد نجح في مساعدة الأسرة على تبرئة سمعتها بشكل نهائي وقاطع.
أحد الخبراء الأوربيين علم بمحنة الأسرة الصغيرة عن طريق إحدى محطات التلفزيون الأمريكية وسافر إلى ديترويت على حسابه الخاص ليساعد على انتشال جثمان سمير الصغير وإعادة تشريحه ليتأكد مع باقي الخبراء بأن الطفل المتوفى كان يعاني من مرض نادر في العظام وهو المرض نفسه الذي تعاني منه أخته الصغيرة.
تغيير شهادة الوفاة رسميا لتعكس الحالة المرضية سببا للوفاة وليس الأسباب الجنائية كما كان في السابق لم يشفع لأسرة عامر في استعادة أبنائها الثلاثة أو حتى التواصل معهم.
حالات التواصل القليلة تمت عن طريق طرف ثالث، كما حصل حينما اكتشف احمد أن ابن زميل له في المصنع يذهب إلى المدرسة نفسها التي يذهب إليها محمد علي الذي أصبح «ادم لي».
وعلى الرغم من أن عملية التواصل تلك اقتصرت على بطاقة تهنئة بعيد الميلاد إلا أن الأسرة المتبنية غضبت بشدة وبلغت عن آل عامر إلى المصالح الاجتماعية التي هددت رحاب وأحمد بالسجن. حيطان بيت رحاب وأحمد تحولت إلى البوم حزين للغاية لأطفال يلعبون بشقاوة طفولية بريئة وأخرى التقطت لهم في سرية، لكن كانت صور أعياد الميلاد الأكثر تأثيرا.
دأبت رحاب وأحمد على الاحتفال بأعياد ميلاد أطفالهما الثلاثة كل عام بشراء الحلوى والشموع ووضع صور الأطفال الغائبين فوق الحلوى وكأنهم يحتفلون بذكرى مفقودين في الحرب.
المصالح الاجتماعية رفضت طلبا تقدم به عم الأطفال وكان يقيم في ولاية فلوريدا على الرغم من كونه كان مؤهلا من الناحيتين الاجتماعية والمالية بدعوى «خوف» تلك المصالح من تسليمه الأبناء إلى أبيهم الطبيعي.
المسؤولة ذكرت في حيثيات قرارها قصة مواطن يميني كان يعيش في ديترويت سلم بناءه إلى أحد أقربائه من طرف السلطات الاجتماعية لكن المواطن اليمني استخرج لهم جوازات سفر يمنية وعاد بهم جميعا إلى بلده اليمن في رحلة من اتجاه واحد.
حمل ودموع
مع بداية عام 1991 شعرت رحاب أنها حامل مرة أخرى واختلطت لديها فرحة الأمومة الغريزية برعب فقدان المولود القادم بسبب إرهاب مصالح اجتماعية حكومية كان من المفترض أن تحمي الأطفال في المقام الأول.
تحكي رحاب والدموع تنهمر من عينيها السوداوين اللتين زادهما الألم جمالا وبريقا كيف هامت بنفسها في كل من لبنان وسوريا ومصر في انتظار زمن الوضع، لكنها اضطرت للرجوع إلى ديترويت قبل أن يحل الزمن الموعود.
ولأن ديترويت على مرمى حجر من كندا قررت رحاب عبور الجسر الوحيد الذي يفصل ميشيغان عن كندا لتضع هناك مولودها الخامس والأخير والذي أسمته حسين.
كان على حسين منذ أيامه الأولى التعايش في ظل عذاب الأسرة، خاصة أن خوفها عليه دفعها للتظاهر بأنه ابن أخيها يعيش مؤقتا في رعاية عمته وزوجها على الرغم من معرفته بالحقيقة.
كان على حسين الصغير تحمل قساوة الأطفال في المدرسة وتعليقاتهم اللاذعة لكونه يعيش مع امرأة قاتلة.
مع مرور الوقت والتأكد شرعا من وفاة سمير بسبب مرض نادر تجرأت الأسرة على إعلان صلتها البيولوجية بحسين الذي أراد التعرف على باقي إخوته، خاصة أنه كان يتكلف بإطفاء شموع أعياد ميلادهم.
مرت الأيام وزادت مناسبات التواصل لاسيما بعد تجاوز محمد علي أو «ادم لي» سن الثامنة عشرة وأصبح حرا إلى حد ما في تحركه، لكنه أصبح شخصا مختلفا تماما عن الطفل الذي أخرج باكيا من بيته.
أصبح محمد علي أصوليا مسيحيا قضى شهورا طويلة من مراهقته وشبابه الأول في اديرة تابعة للكنيسة المتطرفة والمنعزلة في كل من تكساس وألمانيا بهدف إعداده لكي يصبح راهبا.
وعلى الرغم من أن محمد علي كان أكثر انفتاحا من أختيه على أبويه البيولوجيين بالحديث أو حتى الزيارة النادرة إلا أنه أصبح إنسانا غريبا عن بيئته وتنشئته الأولى من طفل مسلم يحب التبولة وورق العنب وباقي المأكولات اللبنانية إلى رجل دين مسيحي متطرف.


تعصب حكومي
تذكر رحاب أن أقسى ما سمعته من ابنها ذات مكالمة هاتفية إعرابه لها عن شكره الله لأن أخاه سمير مات حتى يفسح المجال «لإنقاذه» من الإسلام واكتشاف طريق الخلاص الحقيقي.
تقول رحاب إنها على الرغم من تدينها وإيمانها العميق فإنها لا تحمل أي ضغينة للدين المسيحي بل على العكس، فإن النبي عيسى عليه السلام من أنبياء الله أيضا، لكنها تتحفظ وتشعر بالألم لكون أبنائها أصبحوا ضحايا تعصب الحكومة وتطرف الأسرة التي رعتهم.
سألت رحاب كيف استطاعت تحمل كل هذه الآلام عبر كل هذه السنين ومع ذلك فكرت في الضغط على حكومة الولاية لتغيير القانون رغم ما ألحقته بها وبأسرتها مصالح الولاية نفسها.
أجابتني رحاب بفصاحة وتلقائية لم ينل منهما قلبها المكلوم أن «حبي لأبنائي جعلني أنسى نفسي وانتبه لآلامي لأنني كنت أشعر دائما بأنني إذا نظرت إلى الداخل وركزت على مشاعري فإنني سأنهار وسيؤثر انهياري على أطفالي وهذا ما لن أسمح به كأم تحب أبناءها».
على الحائط ووسط غابة الصور العائلية لمشروع أسرة لم يكتمل أبدا لاحظت صورة لحسين الابن الوحيد المتبقي وهو يلاعب طفلا صغيرا سألت السيد أحمد عن الطفل الصغير، فقال إنه ابن محمد علي الذي تزوج وأنجب طفلا قبل أن يفترق عن زوجته.
وفي محاولة للتخفيف من آلام الرجل العجوز، الذي يتعامل مع ألمه بصمت عميق، قلت له «مازال هناك أمل في عودة الأبناء خاصة أن أحدهم أصبح أبا وقد يشعر ببعض الحب والألم الذي قد يصاحب تجربة الأبوة فرد علي أحمد بصوت عميق وحزين وكأنه استسلم لأقداره بعد ربع قرن من الجحيم «اعتقد أن الوقت قد فات يا أخي محمد.. الأبناء كبروا في بيئة مختلفة تماما ولهم ذكريات وتجارب صنعت منهم أفرادا مختلفين، كما أن غسل أدمغتهم بشكل صارم جعلهم على دين آخر بل مذهب مختلف حتى عن المسيحية الشائعة في أمريكا».
الحاج أحمد الذي كتب وصيته قبل أن يذهب إلى الحج، كما قال إذا «ما أراد ربنا يفتكرنا» استبعد «ابنه» محمد علي من الوصية وحينما سأل هذا الأخير عن السبب أجابه الحاج احمد» يمكنني مساعدتك إذا ما كنت في حاجة كما أن البيت بيتك إذا ما أردت العودة للحياة معنا حتى مع أسرتك الصغيرة لكن مادمت على دين آخر فإن الشيوخ أفتوا بحرمانك من الإرث».
قانون عامر أصبح الآن ساري المفعول في ولاية ميشغان بعد أن وقعته حاكمة الولاية «جينيفر غرانهولم» بعد أن بكت حينما سمعت بقصة رحاب وأحمد. القانون أبرز نجاح زوجين عربيين في استصدار قانون يحمل اسمهما على مستوى واحدة من أهم الولايات الأمريكية إلا أنه لن يعوض ولو عن جزء من معاناة دامت ربع قرن وستبقى معهما إلى أن يلتحقا برضيعهما سمير.
الأمر المثير في هذين الشخصين أن كل هذا الألم وكل هذه المرارة لم ينالا من إنسانيتهما وكرمهما وأخلاقهما العالية، كما لم يتم النيل من إيمانهما بتجنيب كل عائلات ولاية ميشغان المصير نفسه، كما أنهما أصبحا وجهين حاضرين في كل المسيرات والمظاهرات وفي كل أنحاء أمريكا دفاعا عن المظلومين والمضطهدين قريبين كانوا أم بعيدين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.