قدم وزير الثقافة الفرنسي السابق جاك لانغ، الذي حضر إلى منتدى أصيلة، في كلمة حفل الافتتاح التي ألقاها، الدليل الصريح والواضح على نزاهة الفكر الفرنسي وعلى الأقل على القوة الاقتراحية التي يتحلى بها مثقف من عيار لانغ، لا تلهيه الكلمات الكبيرة عن النظر إلى جوهر الأشياء وإلى الخلفيات. وقد كان جاك لانغ حادا في انتقاده للنموذج الأمريكي الذي يهيمن على العالم، ويوجهه، واعتبر أن ندوة تحالف الحضارات أساسية في الوقت الراهن، لكن لا يجب أن تلهينا عن واقع الحال ولا عن الهيمنة الأمريكية على العالم، والحروب التي تشعلها في العديد من بقاع العالم، في العراق وفي فلسطين وفي العديد من مواقع التوتر العالمي التي تساهم أمريكا في إذكاء نزاعاتها. وقال لانغ: «يجب أن نكون واضحين بهذا الخصوص ولا مجال للأوهام، أو للأوطوبيات الجميلة، فأمريكا اليوم تعشق الدم وتثير الانقسام. والحوار بين القوى في العالم لا بد أن يتخذ له شكلا وإطارا آخرين». واعتبر أن المدخل الأساسي لتحالف الحضارات لن يتحقق من خلال تكريس النموذج الأمريكي، ولكن عن طريق احترام الشعوب، وأن علينا الآن ألا نكتفي بمجرد الكلام حول هذه الأشياء ولكن يجب علينا أن نبرهن يوميا على حصول هذا الأمر. وبصدد علاقة الغرب بالعالم العربي، ضرب جاك لانغ المثل الساطع بجاك بيرك، والذي أشار من خلال دراساته التي أنجزها حول الإسلام وأوروبا إلى النموذج الأندلسي أو الحلم الأندلسي، والذي يمكن أن يجسده اليوم الأندلسيون الجدد، وهو النموذج الساطع لحوار الثقافات ولتحالفها والذي أنجز واقعيا قبل أكثر من ستة قرون. جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي السابق، شكر بن عيسى على شجاعته في المضي قدما بالمنتدى إلى الأمام، من خلال الطرح المتواصل لمثل هذه القضايا الشائكة. واعتبر في كلمته أن تحالف الحضارات يجب أن لا تلهينا عن الواقع العالمي الذي يعيش صراع حضارات أكثر من حوار أو تحالف حضارات. كلمة لانغ كانت محرجة جدا للضيوف لأنها هاجمت بشكل مباشر النظام العولمي الذي تقوده أمريكا، والذي يرسي المزيد من الاحتكار الأمريكي ومن زحف القطبية. لجاك لانغ مواقف سابقة ومثيرة للجدل، سواء من النظام الدولي الجديد أو من أمريكا أو من إيران، التي اعتبر غير ما مرة أن من حقها أن تمتلك برنامجا نوويا سلميا. ولعل آراءه في قضية إبادة الأرمن من القضايا الأساسية التي عرف بها لانغ، وأيضا من خلال دعوته إلى مشاركة الأرمن في الانتخابات الفرنسية. ويرى لانغ أنه «قانون يفتقر إلى إخلاص النية من ورائه، وتمت صياغته فقط لكسب أصوات ذوي الأصول الأرمينية في الانتخابات المقبلة». ويرى آخرون أن الهدف من هذا القانون إرضاء من يعارض ضم تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يرى كثير من السياسيين في فرنسا أنه لا مكان لدولة إسلامية مثل تركيا في الاتحاد. ولكن هناك وجه آخر للقضية، فكثير من السياسيين في فرنسا يعتقدون بصحة وقوع حملة إبادة جماعية تركية ضد الأرمن، وأنها تماثل حملة هتلر ضد اليهود.