أثارتني خلال، هذه الأيام الأخيرة من السنة التي نودعها، وصلة تبث على إحدى المحطات الإذاعية الوطنية الخاصة، تدعو المستمعين إلى برامجها إلى اختيار شخصية سنة 2010، من خلال طلب تصويتهم على واحد من الأسماء المسجلة على القائمة المقترحة من قبل المحطة. والحقيقة أنني لم أعثر على أي علة معقولة تبرر التصويت على كل الشخصيات الواردة أسماؤها في القائمة (أو البعض منها على الأقل) مع احترامي الكامل لكل الأسماء المقترحة، ووجدتني مندفعا، وبشكل تلقائي، إلى التفكير في ترشيح مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، على اعتبار أنه الرجل الذي استجاب لنداء العقل والمصلحة واختار، عن طواعية، الانحياز إلى مشروع الحكم الذاتي، إدراكا منه لواقعية المقترح بعيدا عن الغوغائية وأبواق التهريج، غير آبه لما يمكن أن يطاله جراء موقفه الشجاع هذا، ولاسيما أن الرجل كان يتحمل مسؤوليات أمنية حساسة في الكيان الانفصالي. وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه من ولد سلمى أن يختارَ، بعد تسجيل موقفه الشجاع هذا، المكوثَ في وطنه الأم «المغرب» أو، على الأقل، أن يطلب اللجوء إلى دولة أخرى تضمن أمنه، آثر العودة إلى مخيمات تندوف، غير متراجع عن أقواله ولا متزحزح عن مواقفه، ليكرر داخلها ما قاله في العيون، ويؤكد بالتالي أن قناعاته هذه، قد اختارها «عن حب وطواعية»، وحتى الاختطاف والتعذيب اللذان تعرض لهما من طرف الكيان الوهمي -كما كان متوقعا- لم يزيداه إلا إصرار واقتناعا بأن مشروع الحكم الذاتي هو الحل التاريخي لقضية مفتعلة، لا يمكنها أن تدوم إلى ما لا نهاية. لا يهم الآن المكانُ الذي سيحط فيه مصطفى سلمى رحاله، بل الأهم -في تقديري- هو الموقف الذي سجله والضربة الموجعة التي صفع بها فريق الخصم المفاوض، لكن ما يقلق حقا هو موجة التشكيك التي بدأت تطال ذمة الرجل، والريبة التي أخذ البعض يغلف بها نظرته إلى الموقف الذي اتخذه مصطفى سلمى، والدفع في اتجاه فكرة المؤامرة والفبركة وغيرهما من الاتهامات الجاهزة. إننا الآن في موقع تفاوضي، والتفاوض يفترض طبيعيا أن تقنع خصمك بطرحك أو يقنعك هو بطرحه، وهذا هو المأمول في الواقع من أي عملية تفاوضية جادة. فهل من العقل، إذن، التشكيك في موقف مفاوضِي إذا أبدى استعدادا لتقبل فكرتِي وقبول عرضِي؟ إذا كان الأمر كذلك، فلم التفاوض إذن؟ إن المغرب قد طرح فكرة الحكم الذاتي على طاولة التفاوض، وهو طرح شجاع ومسؤول بشهادة أممية، ووجد في الطرف الآخر بعض العقول التي استجابت له وقبلت به رغم المحن التي تعرضت لها. وتقديرا من المغرب لموقف الرجل واعترافا بنبل المسعى، هوى بكل ثقله وشحذ كل إمكاناته التنديدية، مؤازرا بكل قواه الحية، من أجل ضمان حماية ولد سلمى وفك أسره. أعتقد أن هذا ما يجب أن نثمنه ونرسمله خدمة لقضيتنا العادلة، أما غير ذلك فهو مجرد خوض في ماء عكر ووسوسة من الشيطان ليس إلا، إذ الواقع أن الحكم الذاتي، هو فعلا كذلك، حل عادل وواقعي لا غالب فيه ولا مغلوب، بموقف مصطفى سلمى أو بدونه. إننا لا نرافع عن مصطفى سلمى بقدر ما نرافع من أجل قضية المغرب العادلة، ولا نرضى الترويج للإشاعات المغرضة الرامية إلى إفراغ كل مكتسباتنا التفاوضية من محتواها، وما نعتقده هو أن مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، بتبنيه الطرح المغربي، يكون قد اعترف بأحقية هذا الأخير في بسط سيادته على الصحراء كما كان دائما عبر مراحل التاريخ، كما كان قبل أن يكون مواطنا مغربيا صحراويا، مدافعا من أجل نماء وازدهار المنطقة الصحراوية التي ينحدر منها، وفقا لمقتضيات الحكم الذاتي التي ستسودها، وفي إطار من الولاء التام لله والوطن والملك. من أجل كل ذلك، واقتناعا بموقف المواطن مصطفى سلمى، أرشحه، بكل تجرد، ليكون شخصية 2010. أستاذ جامعي رشيد لبكر