قريبا سوف يصبح بإمكان المغاربة أن يشاهدوا، في بعض الساحات الكبرى لبعض المدن، تماثيل منصوبة من الأحجار لبعض الشخصيات المغربية، وذلك حسب تصريحات وزير الثقافة بنسالم حميش الذي دعا، خلال الملتقى الوطني الخامس للوكالات الحضرية، إلى نصب التماثيل لعظماء المغرب بالشوارع والساحات العمومية المغربية، مثل علال الفاسي. المشكلة أن وزير الثقافة سوف يدخل الأحزاب المغربية إلى معركة جديدة هي معركة الحجارة، لأن إقامة تمثال لزعيم الاستقلاليين سوف يدفع الاتحاديين بالضرورة إلى الدعوة إلى إقامة تمثال للمهدي بن بركة، المختطف الشهير الذي ينهض كل عام من قبره ويتصدر أخبار الصحف. ولأن الاتحاديين منقسمون، مثل كل مرة، فسيظهر جناح يطالب بإقامة تمثال لعبد الرحيم بوعبيد، وجناح ثان سوف ينظم وقفة احتجاجية تحت تمثال بوعبيد مطالبا بإقامة تمثال لعمر بن جلون، لأن هذه التماثيل سوف تكون تماثيل سياسية، وسوف نرى بدون شك الأحزاب تقيم التجمعات الخطابية في الانتخابات تحت تماثيل زعمائها، وهكذا ستتكاثر لدينا النصب والتماثيل في كل مكان، لأن جميع الأحزاب ستسعى إلى إقامة تماثيل لزعمائها، إذ ليس من الديمقراطية أن تكون هناك تماثيل لزعماء بعض الأحزاب دون الأحزاب الأخرى. وزير الثقافة برر دعوته إلى إقامة تماثيل في المغرب باستشارة منحها إياه محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل، الذي قال له إنه ليس هناك أي حالة تناف بين الشرع والتماثيل. لكن حميش نسي أن المغرب يتوفر على هيئة عليا للإفتاء، كان قد نصبها الملك، تابعة للمجلس العلمي الأعلى، من أجل محاربة أي تسرب للفتاوى الأجنبية إلى المغرب، وبالتالي فالجهة الوحيدة التي بات عليها أن تصدر الفتاوى بالمغرب هي هذه الهيئة التي تم إنشاؤها بعد الزوبعة التي أثارها يوسف القرضاوي حول فتوى القروض البنكية. وإلى حد الآن، لم يصدر أي موقف عن هذه الهيئة تجاه تصريحات حميش التي استندت إلى فتوى مصرية، كأن وزير الثقافة أصبح سلفيا يقتبس الفتاوى من المشرق ويتجاوز علماء المغرب. قضية نصب التماثيل في المغرب طرحت لأول مرة في بداية القرن الماضي مع محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، أحد علماء المغرب، الذي أعيد إليه الاعتبار اليوم كأبرز المصلحين بعد أن كان قد اتهم بالخيانة ونقل قبره من فاس إلى الرباط، عندما رأى في كتابه «الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي» أن إقامة التماثيل من التحسينات لا من الحاجات أو الضرورات، ثم قال: «فتلك أبواب لا مجال للمصالح فيها، لكن بشرط ألا نصادم نصا ولا إجماعا، ومثاله ما تقدم لنا من نصب التماثيل للعظماء في الشوارع». وبعد وفاة الملك الراحل محمد الخامس في ستينيات القرن الماضي، طرحت المسألة من جديد، حيث اجتمعت الحكومة آنذاك وقررت إجراء مباراة دولية لأشهر النحاتين في العالم لإقامة تماثيل للملك الراحل في بعض الساحات الكبرى ببعض المدن المغربية، تقديرا لبطولته وكفاحه واستجابة لرغبة بعض المجالس البلدية التي أرادت نصب تلك التماثيل في عدد من المدن، ولما انتشر الخبر اجتمع عدد من العلماء المغاربة وأصدروا فتوى تحمل توقيع ثلاثة وعشرين عالما، نشرت وقتها في جريدة «التحرير» التي كان يصدرها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، تشرح فيها حالة التنافي بين الشرع وإقامة النصب والتماثيل، وعندما وصل نص تلك الفتوى إلى الملك الراحل الحسن الثاني أوقف كل شيء، ونقل عنه أنه قال: «إذا كان العلماء لا يريدون ذلك، فإذن لا أفعله».