أدى اعتقال شابين قاصرين داخل شاحنة لنقل البضائع في ميناء طنجة المتوسطي، قبل يومين، إلى تفكيك شبكة تعمل في مجال تهريب القاصرين إلى أوروبا، إذ تم اعتقال 12 شخصا، بينهم تسعة قاصرين مرشحين للهجرة السرية، فيما ما يزال البحث جاريا عن متزعم الشبكة وأربعة أشخاص يعملون معه، بعدما سلّم الشخص الخامس نفسه للشرطة. وقادت التحقيقات الأمنية مع الشابين، اللذين صرحا بأنهما يسكنان في منزل في قرية القصر الصغير، التي لا تبعد إلا بكيلومترات قليلة عن ميناء طنجة المتوسطي، إلى اكتشاف مجموعة أخرى من القاصرين موزعين على منزلين في نفس القرية، فيه في انتظار أوامر متزعم الشبكة، الذي يحدد الأسماء المرشحة للهجرة. وتقول المصالح الأمنية إنها عثرت على الأطفال القاصرين في وضعية وصفتها بالصعبة والمزرية، خصوصا في أجواء برد قارس تشهدها القرية الواقعة على مرمى حجر من البحر، دون أغطية ولا ملابس كافية تقيهم قسوة البرد. وتضيف نفس المصادر أن هذه الشبكة تعمل على إخفاء المرشحين للهجرة في قاطرة الشاحنات وتخفيهم بطريقة يصعب معها اكتشافهم، تساعدهم على ذلك بنيتهم الجسدية الضعيفة. وفي الوقت الذي ما زالت الأبحاث جارية عن «رأس» الشبكة الذي يتحدر من منطقة ورززات، فإن جميع القاصرين الذي تم إلقاء القبض عليهم يتحدرون من مناطق الراشيدية وقرى ببني ملال وزاكورة ومناطق أخرى مجاورة. وتشير التحقيقات الأولية إلى أن متزعم الشبكة كان يزور عائلات الضحايا ويقنعهم بأنه سيعمل على تهريب أبنائهم إلى أوروبا، وأن المبلغ الذي سيتقاضاه مقابل ذلك (يتراوح ما بين 2 إلى 5 ملايين سنتيم) لن يتسلمه منهم إلى بعد أن يتصل بهم أبناؤهم ويطمئنونهم بأنهم وصلوا بسلام إلى إسبانيا. واستغل زعيم الشبكة، الذي كان يستعين في القيام بعملية تهريب الأطفال بخمسة أشخاص آخرين، أحدهم سلم نفسه أول أمس إلى المصالح الأمنية، استغل رغبة القاصرين في الهجرة وفي التخلص من أوضاع الفقر التي يعيشونها وسط أسرهم، كما استغل أيضا تجربته في هذا الميدان، إذ له سوابق عديدة في تهريب الأطفال إلى الخارج ونجح في أغلب العمليات التي كان ينفذها. ونجح متزعم شبكة تهجير القاصرين في استمالة عدد كبير من الأطفال من المناطق المذكورة، وتتراوح أعمارهم ما بين 14 و16 سنة، وأغلبهم تخلوا عن مقاعدهم الدراسة، رغبة منهم في الحصول على عمل في الضفة الأخرى. وقد اعتقلت المصالح الأمنية صاحب المنزل الذي كان يقطن فيه القاصرون المرشحون للهجرة، منهم بتهمة التستر على عملية الهجرة السرية، بينما البحث جار عن عقل هذه الشبكة المدبر وعن العناصر الأخرى التي تشتغل معه في عملية التهريب. ويفيد عدد من شهادات القاصرين أن رئيس الشبكة كان يسافر بهم نحو مدينة طنجة، عن طريق حافلة نقل، ثم بعد ذلك يقتادهم إلى المنزل الذي اعتقلوا فيه، كما أنهم كانوا يستفيدون من الأكل والشرب طيلة المدة التي قضوها في المنزل، والتي لم تتجاوز 20 يوما قبل أن يتم اعتقالهم. وكان هؤلاء القاصرون شبه محتجزين داخل المنزل المذكور، إذ يمنع عليهم الخروج أو التحدث إلى أي أحد. وتنطلق عمليات الهجرة، وفق نفس الشهادات، كل يوم في ساعات متأخرة من الليل، إذ يتوجهون نحو الميناء المتوسطي رفقة عناصر من الشبكة الذين يتربصون بالشاحنات المتجهة في تلك الليلة إلى ميناء الجزيرة الخضراء ويعملون في غفلة من سائقها على إخفاء المرشحين، الذين لا يتجاوز عددهم اثنين في كل ليلة، في قاطرة الشاحنة، حتى لا يتم اكشافهم بواسطة جهاز «السكانير». ويأتي تفكيك هذه الشبكة في الوقت الذي تراجعت في عمليات التهجير السري المنظم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، إذ كان الأمر يقتصر فقط على مرشحين «عاديين» سرعان ما يتم اكتشافهم وتسليمهم للشرطة. وتبدو أساليب عمل هذه الشبكة مختلفة عن الأساليب المعتادة في مجال الهجرة المنظمة التي تختار التوقيت والمكان المناسبين لتنفيذ عملية تهريب جماعي للمرشحين، وليس على شكل دفعات، كما حصل مع هؤلاء القاصرين.