«ليستحوا. حان الوقت لأنْ ندعهم وشأنهم، ليعملوا حسب ترتيب أفضلياتهم ويعايشوا آثار ذلك»، هكذا أوصى توماس فريدمان، محلل صحيفة «نيويورك تايمز» عظيم التأثير، في مقالة نشرها خلال الأسبوع الماضي. وفي مقالة يتوجها فريدمان بالعنوان التشخيصي «وقف تزويدهم بالكراك»، يقترح فريدمان وقف منح إسرائيل والفلسطينيين مساعدة وهدايا لإقناعهم بأن يُحادث بعضهم بعضا. يستطيع فريدمان أن يطمئن في هذه الأثناء، فلا هدايا ولا محادثات. فقد عادت مسيرة السلام إلى وضعها الطبيعي، السكتة القلبية. ومع ذلك كله، وقع خطأ كبير في الوصفة الطبية التي يقترحها فريدمان. فالوقف في الحال لتزويد المدمن بالمخدرات يُسبب «كريزا»، إذا لم يكن مصحوبا بعلاج فطام منظم، وبخاصة إذا كان الحديث عن زبون ظل هناك من يزوده عشرات السنين، ولم يُبين له أخطار الاحتلال، وعامله مثل طفل يجوز له فعل كل شيء، وابتسم في حرج فقط عندما ركل زبونه كل اقتراح أو وثيقة أو مبادرة. بيد أن «الكريزا» التي ستحدث ستعرض الولاياتالمتحدة خاصة للخطر. إن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين هو في الحقيقة مصلحة إسرائيلية وفلسطينية، لكن استمرار الصراع الإسرائيلي العربي، الذي قلبه في فلسطين، هو تهديد للمصالح الأمريكية لا يقل عن الحرب في أفغانستان ومكافحة حصول إيران على القدرة الذرية أو مستقبل العراق ولبنان. إن حل الواحدة لا يضمن حل الأخرى، لكن لها قاسما مشتركا واحدا هو أن الولاياتالمتحدة مشاركة فيها حتى العنق، وكل يُعرِّف مكانتها في العالم وقدرتها بكونها قوة عظمى قادرة على دفع دول في الاتجاه الذي تريده. الولاياتالمتحدة تُجري منافسة خفية لروسيا والصين في التأثير، والصراعات هي حلبة ممتازة لهذه المنافسة. تعلمت واشنطن منذ زمن أن المساعدة الخارجية، مثل العقوبات أيضا، ليست ضمانا للطاعة السياسية. فإيران فُرضت عليها عقوبات حوالي ثلاثين سنة، وظل العراق تحت عقوبات اثنتي عشرة سنة، لم توفر عليه الحاجة إلى الحرب، والمساعدة العسكرية السخية لباكستان لم تجعلها مُحبة للولايات المتحدة، والمليارات المُنفقة على أفغانستان لم تجعلها ديمقراطية غربية، كذلك مساعدة لبنان لم تجعله أكثر أمنا واستقرارا. إن التخلي عن الصراعات، كما يقترح فريدمان، هو جزء من التجربة المأساوية التي جمعتها الولاياتالمتحدة. بعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان نسيت الولاياتالمتحدة وجودها وتركت طالبان تحتلها. وبعد المحاولة القصيرة الفتاكة في الصومال، انسحبت قواتها، وتسيطر على هذه الدولة اليوم عصابات مسلحة متطرفة تنشر الإرهاب. إن مقاطعة سورية ومعاملة الولاياتالمتحدة الرخوة للبنان ساعدتا إيران على التمسك بهاتين الدولتين. اعتمد السلام بين إسرائيل ومصر، في الحقيقة، على رزمة مساعدة ضخمة لهاتين الدولتين. حظيت الولاياتالمتحدة أيضا مقابل هذا الاتفاق الذي أصبح حجر الزاوية في التصور الأمني لمصر وإسرائيل، بمنزلة لا نظير لها في الشرق الأوسط هي منزلة وسيطة لا ينجح أمر من غيرها. يقترح فريدمان التخلي عن هذه المنزلة. يجب عليه أن يعلم أنه عندما يختفي تاجر «كراك» يأتي آخر كان ينتظر الفرصة. عندما يحتضر الجهد الأمريكي، تعترف دول في أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية، وتعرض دول أوربا على الفلسطينيين اعترافا كهذا، ويحث زعماء سابقون في أوربا الاتحاد الأوربي على فرض قطيعة على إسرائيل. إن قرار مجلس النواب على أمر الإدارة بفرض الفيتو في الأممالمتحدة على اعتراف بالدولة الفلسطينية قد يسر القلب الإسرائيلي، لكنه قد يضع الولاياتالمتحدة في مسار مجابهة مع أوربا وربما مع روسيا والصين أيضا. إن المشاركة الأمريكية الكثيفة والثخينة والضغط الذي لا ينقطع، لا العقوبات ولا الهدايا بل سلوك القوة العظمى الذي يعرف أن مصالحها في خطر، هو الأمر الأمريكي الضروري الآن. لا تجميد للاستيطان مدة ثلاثة أشهر بل خطة سياسية شاملة. ولا مسرح دُمى تستضيف فيه على حساب إيهود باراك أو نتنياهو كي يفهما الرمز بل تقديم الاعتراف الأمريكي بدولة فلسطينية. إن الشعار الذي يقول إن الولاياتالمتحدة لا تستطيع أن تريد السلام أكثر من الطرفين كاذب ببساطة. فالولاياتالمتحدة مُحتاجة إلى السلام أكثر من الطرفين. عن ال«هآرتس»