تقدم العيد إلى إحدى «الشوافات» بنواحي تازة، وطلب منها أن تفصح له عن هوية من سرق24 رأسا من أغنامه، مخبرا إياها بأنه سبق له أن تقدم إلى المصالح الأمنية بتاوريرت وسجّل لديها شكاية ضد مجهول. بعد حسابات ب«الكارطة» وتخطيطات في الرمل، أشارت «الشوافة» إلى خيط يقود إلى ابن عم زبونها، «الشفار قريب من الدار، واللي كانت في الزريبة راها عندو ترعى وتتربى، واللي دّالك من لَحْمكْ ودمّكْ ماشي ولد خالك يمكن يكون ولد عمّك». ثارت ثائرة العيد وأرغى وأزبد وصمم على الاقتصاص من ابن عمه وأقسم على استعادة قطيع أغنامه... استيقظ العيد، وهو فلاح يبلغ من العمر 50 سنة ويتوفر على قطيع من رؤوس الأغنام بضواحي مدينة تاوريرت المعروفة بتربية الماشية، وتوجه نحو الزريبة لتفقد أغنامه وهي كل رأسماله. انتصب العيد مثل عمود كهربائي، بمجرد الخطوة الأولى التي خطاها نحو الزريبة، وعجز عن التحرك، بل حتى عن التفكير واستيعاب المشهد الذي كان أمامه، إذ كانت صدمته قوية بعد أن وجد الإسطبل فارغا وبابه مشرعا على مصراعيه. التفت يمينا وشمالا في محاولة لتكذيب الواقع الذي كان أمام عينيه، وتَمْنِية النفس بأن القطيع يوجد وسط الحقل أو بمقربة منه، وظن أنه ربما يكون قد نسي أن يغلق باب الإسطبل، فخرجت الأغنام ترعى أو ترتوي. هرع إلى صهريج الماء ثم إلى مخزن الحبوب والكلأ، وبعدها شرع في الركض داخل محيط الحقل وخارجه، لكنه لم يعثر على شاة واحدة، ليتأكد له أن الأغنام تبخرت وأنه كان ضحية سرقة 24 رأسا من الأغنام. عرافة تدين ابن العمّ لم يستوعب العيد ما وقع له، وسارع إلى تقديم شكاية في الموضوع إلى مصالح الأمن بتاوريرت، التي فتحت تحقيقا وباشرت تحرياتها في القضية، التي يتطلب حلّها مجهودات متعددة ومختلفة من طرف جميع المصالح الأمنية بالإقليم وبالجهة الشرقية، التي تعرف مثل هذه العمليات التي يذهب ضحيتها مربو الماشية، والتي غالبا ما يصعب الاهتداء إلى مرتكبيها. كان العيد يعاني مما وقع له ولم يكن ليتقبل بسهولة سرقة قطيعه، كما نفد صبره، ولم تكن له القدرة على انتظار تحقيقات أمنية قد لا تفضي إلى شيء في الوقت الذي سيتمكن السارق من بيع القطيع وحيازة المال. فكر وقدر، واهتدى إلى طريقة سريعة وفعالة قد تكشف له عن هوية السارق قبل أن يتمكن من التخلص من القطيع. تقدم إلى إحدى «الشوافات» أو «الكزانات» بنواحي تازة، وطلب منها أن تفصح له عن هوية السارق، مخبرا إياها أنه سبق له أن تقدم إلى المصالح الأمنية بتاوريرت وسجّل لديها شكاية ضد مجهول. بعد تمحيص وتفكير وتأملات وحسابات ب«الكارطة» وتخطيطات في الرمل، أشارت «الشوافة» إلى خيط يقود إلى ابن عم زبون الشوافة، «الشفار قريب من الدار، واللي كانت في الزريبة راها عندو ترعى وتتربى، واللي دّالك من لَحْمكْ ودمّكْ ماشي ولد خالك يمكن يكون ولد عمّك». ثارت ثائرة العيد وأرغى وأزبد وصمم على الاقتصاص من الفاعل وأقسم على استعادة قطيع أغنامه. عاد «العيد» إلى حقله وبمجرد أن التقى بابن عمه، فاتحه في الموضوع واستفسره عن أسباب سرقته لأغنامه وطالبه بإعادتها له، «كيف تجرؤ على سرقة أغنامي وأنت ابن عمي.. لقد تأكد لي ذلك وعليك إعادتها لي وإلا سترى مني ما لم يره أحد... ألا تخاف من الله يا عدوّ الله؟». لم يفهم ابن عمه ولم يستسغ التهمة المجانية الموجهة إليه، «متى كنت سارق أغنام، وكيف تتهمني يا ابن عمّي بما ليس في، وكيف لك أن تعتقد أنني أتجرأ يوما ما على مدّ يدي لشيء ليس في ملكي، بل لست في حاجة للسرقة وقد منحني الله من الرزق والقناعة ما يعفيني ويصونني مما تتهمني به، اتق الله يا أخي وعُدْ لرشدك؟». لم تنفع الكلمات ولا العبارات والمؤاخذات في إنهاء تبادل التهم، ودخل القريبان في ملاسنة تحولت إلى شجار ثم صراع، خرج منه صاحب الماشية المسروقة غالبا بعد أن نجح في إسقاط ابن عمه المتهم بالسرقة، حسب الشوافة، بضربة وجهها له «العيد» مستعملا عصا، واقتاده إلى مكان بعيد بوسط أحد الحقول بحي لمحاريك الهامشي في مدينة تاوريرت. وبعد تقييده، باشر معه عملية استنطاق عنيفة بالضرب والجرح على مستوى الجسد والوجه بهدف إرغامه على الاعتراف بعملية السرقة التي استهدفت ماشيته، قبل أن يتخلى عنه عندما لم يعد يقوى على الإجابة بعد أن دثره بغطاء... وبعد عودته إليه في صباح اليوم الموالي، اكتشف أن ابن عمه قد أصبح جثة هامدة، ليتقدم بعدها إلى مقر مصالح الشرطة القضائية التابعة للأمن الإقليمي بمدينة تاوريرت ويخبر بوقائع جريمته.
اعتراف بالجريمة مباشرة بعد ذلك، انتقلت عناصر الشرطة القضائية إلى مسرح الجريمة لمعاينة الجثة، وطوقت المكان وسط جموع غفيرة من المواطنين، وباشرت تحرياتها وفتحت تحقيقا في الجريمة للإحاطة بجميع ملابساتها، قبل نقل جثة الهالك إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي بتاوريرت قصد إخضاعها للتشريح من أجل تحديد أسباب الوفاة... كانت علامات الاستغراب وصعوبة استيعاب أسباب وقوع الجريمة بادية على وجوه عناصر الشرطة القضائية خلال البحث مع الجاني حيث لم يقفوا على قضية مثل تلك التي بين أيديهم... سأله المحققون: «لماذا فعلت بقريبك ما فعلت به؟»، فأجابهم بأنه سرق منه 24 رأسا من الغنم، لكن عندما سُئل عن دليله وعن إمكانية وجود شهود، فاجأهم بالنفي. وطبعا ما كان عليهم إلا أن يسألوه عن الطريقة التي «اهتدىّ بها إلى أن السارق هو ابن عمه. وكانت المفاجأة الثانية أكبر من سابقتها عندما رد عليهم: «الشوافة شافتو ملّي سرق الغنم، وملّي سوّلتها أكدت لي عملية السرقة، وهو السارق ما فيهاش الكذوب...» وأضاف أن الشوافة توجد بنواحي تازة... هنا كان التعقيب في محله عندما سأله المحققون في سؤال استنكاري: «ألم تشر عليك هذه الشوافة العارفة بكلّ شيء إلى هذه النهاية المأساوية لابن عمك، وتخبرك أنك ستصبح مجرما بجناية قتل في حقّ قريبك وتنهي حياتك في السجن؟».
الإحالة على العدالة كانت عينا «العيد» حمراوين من شدة البكاء ولم يجد جوابا لأسئلة رجال الشرطة القضائية ووضع رأسه بين يديه المرتجفتين، وكان ينهال ينهال عليه بالضرب ويوجه صفعات لوجهه من شدة الندم، وكان يحاول أن يفجر ما بدواخله بعبارات أو كلمات الحسرة، لكن كانت تخرج مبهمة ومبعثرة، ولم يكن يفهم منها إلا «يا ربّي يا ربّي... ما نسمحلهاش...ما نسمحلهاش... يا ربّي يا ربّي...ضاع كلشي...ضاعت الدنيا والدين...كلشي ضاع...». أحالت عناصر الأمن الإقليمي التابعة لمصالح الشرطة القضائية الجاني على استئنافية وجدة من أجل الضرب والجرح المفضيين إلى الوفاة، في الوقت الذي أصبحت «الشوافة» موضوع بحث من لدن المصالح الأمنية بتاوريرت بحكم تورطها في الجريمة بعد أن اتهمت الضحية بالسرقة بغير علم ولا معرفة ولا أدلة وتسببت في جريمة قتل.