اختتم مهرجان مراكش السينمائي دورته العاشرة وفاز الفيلم الكوري الجنوبي «مذكرات ميوزن» بالجائزة الكبرى. ولم يفز الفيلم المغربي «أيام الوهم» ضمن المسابقة الرسمية بأي جائزة. إنه «فيلم» دون المستوى ولا يصلح لا داخل المسابقة الرسمية ولا خارجها، ونعتقد أنه فرض على المهرجان، كما هي الحال كل عام تقريبا، بعد اللهث المضني خلف الحصول على فيلم مغربي لحفظ ماء الوجه والدعاية الرخيصة. وأسوأ من ذلك أن هذا الفيلم يشهد بأن السينما المغربية معطوبة مشلولة ولا تحظى بالقدر الثقافي الذي يتناسب وحجمها، كما أنه بيّن أنها تتسم بضعف الإرادة وأن كل ما ينمو في داخلها يوحي بالعجز والنقص. لكن العجيب في الأمر هو أن يحاول البعض تزييف الحقائق عن طريق الدعاية والتضليل في ظل هذا الكساد. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات نور الدين الصايل، نائب الرئيس المنتدب للمهرجان ومدير المركز السينمائي المغربي، التي تمجد «قيمة مهرجان مراكش الدولية الكبيرة على مستوى الشكل والمضمون...» وتحوله إلى «مهرجان حقيقي». وتابع مؤكدا أن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المغرب «أصبح بلدا فيه صناعة سينمائية... وبلدا يبدع وينتج... أكثر من 18 فيلما روائيا ومائة فيلم قصير سنويا». وفي ظل هذا الوضع، حسب الصايل دائما، فإن الفيلم المغربي الآن له الصدارة الجماهيرية، وهو ما «لم يكن موجودا من قبل»، وأضاف نائب الرئيس المنتدب للمهرجان ومدير المركز السينمائي المغربي أن الهدف من مهرجان مراكش السينمائي هو تأكيد أن المغرب بلد فيه «صناعة سينمائية»، وكل هذا يساعد على استقطاب المخرجين العالميين للتصوير في المغرب. هذا الخطاب لدغات مليئة بالغرور الشخصي وتأكيد تبدد «الأنا» والمبالغة في المدح والخداع والتضليل وذر الرماد في الأعين لإخفاء الحقيقة المرة. وعلى ما يبدو، فإن لجنة التحكيم لا تتفق مع الصايل، حيث فضلت الأفلام الواقعية التي تحمل رسائل إنسانية ومسحة جمالية وكافأتها على ذلك. وفي نفس الوقت، تجاهلت الأفلام -مثل «أيام الوهم»- التي تبعث على القيء من تفاهتها وسخافتها وانحطاطها وعدم لياقتها حتى بأبناء الشوارع لدرجة ما تضمنته من قلة الأدب وسوء اللفظ الذي يأكل من أوساخ لسانها الوقح، يبصقها المغاربة وتهبط إلى قاع سلال الحثالة. الحقيقة المرة يظهر للعيان، بشكل جلي، أن المهرجانات السينمائية العربية هي، في أغلبها، مجرد موسم كرنفالي تهتم بالمظاهر الاستعراضية وتتحمل سداد تكاليف دسمة تتلاشى في الفضاء ولا تعود بالجدوى على السينما على المدى الطويل ولا تخدم أي رسالة، حضارية كانت أو ثقافية أو فنية، عن البلد والمجتمع. كما أن المشاركة الوطنية تبقى هامشية، إن على صعيد الأفلام أو التسيير أو التنظيم، ولا تحقق أية فائدة فكرية أو فنية أو إبداعية تذكر. إنها ليست أكثر من كونها همزة وصل لخدمة جذب البشر إلى رفاهية بورصة السياحة أو الاستثمار العقاري، وهذه عملية سلبية تضعنا بعيدا عن الأهداف التي نأمل تحقيقها لصناعة سينما وطنية. هكذا مسخت المهرجانات السينمائية العربية قدرة الفن السابع ووظيفته الاجتماعية والثقافية والفكرية التي تجعل من التفكير أداة بناءة وإبداعا ثقافيا يرتقي بذوق الإنسان إلى أداة ممتعة ومسلية حصرا. ولن ينفع السينما المغربية القول «إنها بخير» أو إنها «شاركت في ثمانين تظاهرة دولية» أو إن مهرجان مراكش السينمائي أصبح له شأن عظيم، لأن الواقع أقسى بكثير مما يتفوه به البعض. الكل يدرك أن السينما المغربية في أزمة وأن التغريد ب«المستقبل الزاهر» ما هو إلا خرافة. والكل يعي، بالدليل القاطع، أن السينما المغربية في خطر بالنظر إلى التراجع الملحوظ في عدد القاعات السينمائية التي تعتبر البنية التحتية للترويج والرفع من مستوى الإنتاج السينمائي المغربي. كما أن تقلص جمهور القاعات السينمائية من 11 مليونا سنة 2002 إلى 2.5 في سنة 2006 ما هو إلا دليل على هذه الأزمة وهذا الخطر. وازداد الجمهور تقلصا مع الزمن إلى مستوى يبعث على الخوف، متمثلا في أقل من مليوني شخص! أما عدد القاعات السينمائية المغربية فقد هبط إلى درجة يرثى له في أقل من سنة، من 59 قاعة إلى 36 قاعة سنة 2009! فكفى من أخلاقيات خرافة الكلام الكاذب والخطاب الأجوف والمتناقض الذي يحاول من ورائه البعض أن يبيعنا الوهم، حيث صرح مرارا بأن المغرب ينتج ما بين 12 و15 فيلما في السنة وقفز العدد فجأة إلى «أكثر» من 18 فيلما بين عشية وضحاها، في الوقت الذي لا ينتج فيه المغرب إلا 9 أفلام! ليست وظيفة المهرجان السينمائي أن يروج لهذا الهراء والاكتفاء في نشاطاته بدعوة الضيوف الأجانب وإقامة الحفلات الصاخبة وهدر الأموال الطائلة بدون فائدة، بل الغرض أن يكون وسيلة لإنجاز إنتاجات مشتركة والدفع بعملية تعاون أوثق مع المهرجانات الأخرى وتبادل للآراء على المستوى العالمي يتحول معه إلى ظاهرة فنية عالمية، بحيث يستقبل بلدانا لها خبرة في التوزيع والإنتاج وصناعة السينما وتبادل الأفلام الهامة المنتجة محليا إذا كان هناك أي فيلم يستحق الاحترام. لكن مع الأسف، فضلت المهرجانات العربية الطابع السياحي ومجال الكسب، مثلها مثل مشروعات المضاربة على العقارات، وابتعدت عن الرسالة الأساسية وهي النهوض بصناعة السينما العربية والترويج للإنتاج السينمائي العربي والمساهمة في خلق المجال الحي للفيلم العربي. والمؤسف في الأمر هو تطاير الكلمات والتنميق والتزلف في الصحافة المحلية والدولية على السواء لهذه المهرجانات بالرغم من رداءتها وهزالتها، ربما خوفا على فقدان الإغراءات المادية وحسن الضيافة، من إقامة بالفنادق الفخمة والأكل الذي يسيل له اللعاب بألوانه وروائحه المختلفة وأصنافه المتعددة، وارتشاف أقداح الشراب، وحضور سهرات من صنف ألف ليلة وليلة لا علاقة لها بالسينما. ولهذا السبب، تجد الكثير من الصحفيين والمدعوين يتغزلون في سحر جمال مراكش وجبال الأطلس وهلم جرا! مهرجان الاستعراض إن أخطر شيء هو أن يدخل الساهرون على مهرجان مراكش السينمائي في متاهات العروض المظهرية والاستعراضية والإبهار والدعاية والحرص على استدراج المشاهير وحفلات البذخ وإسقاط القضية الأساسية من الحساب، ألا وهي معالجة نمو الحركة السينمائية. فمهمة المهرجان أولا وقبل كل شيء هي التفرد بصفات وخصائص معينة للتأثير في الإنتاج السينمائي وجمهور السينما والثقافة السينمائية وليس الدعاية التسويقية الاستهلاكية الترويجية باللفظ العقيم للأفراد والبلدان بوعي زائف ومغالط للواقع وبمبالغ مالية خيالية بعيدا عن الدور الحقيقي للمهرجانات والمتمثل في التقاء الثقافات والخبرات ودعم فن السينما بعينه. وتتزامن الكثير من المهرجانات السينمائية العربية وتتنافس في ما بينها، ليس للرفع من الشأن السينمائي ولكن لجلب الأنظار لا أقل ولا أكثر، الأمر الذي يتكون معه مناخ مجنون يصل حد الهستيريا. فكل من مهرجان مراكش السينمائي ومهرجان القاهرة ومهرجان الشرق الأوسط في أبو ظبي ومهرجان دبي ومهرجان بيروت ومهرجان بغداد ومهرجان الدوحة ومهرجان وهران ومهرجان دمشق، والبعير والغنم التي ترعى في سيرها، تتضارب وتتناحر في ما بينها على نفس التوقيت الزمني. وغرض هذه المهرجانات بدون استثناء هو استنساخ الفن السابع كما تستنسخ المركبات الرياضية العملاقة وناطحات السحاب الشاهقة، للتباهي بها فقط! إن تطوير صناعة أفلامنا السينمائية الخرساء يستوجب الاستثمار في الثقافة والفكر والفن الذي يرفع من شأن الشعوب وليس في الإسمنت والمظاهر الاحتفالية والديكورات والأضواء المزيفة حتى يتسنى لنا أن نطل عبر نافذة السينما على العالم قصد التواصل مع الثقافات والحضارات الأخرى. علينا أن نركز على الأزمة الثقافية والفكرية الخطيرة التي تسيطر على السينما المغربية وسينمات الدول العربية، وعلينا أن نسأل منظمي المهرجانات العربية الذين يهتمون بتجسيد سياسة تلميع الصورة وإخفاء الشوائب واستعراض العضلات الدماغية والحرث في البحر وادعاء الوصول إلى العالمية: ما الغرض من وراء هذا التنظيم.. هل هو ثقافي أم إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد عرض كرنفالي يتلخص في التباهي بكنوز قارون دون فائدة حقيقية؟