كان أول لقاء جمع الشهيد مصطفى قزيبر، الذي تجري الاستعدادات لتسلم رفاته من لبنان، بعناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد تم بليبيا أوائل التسعينات، حيث كان يقطن مع أخته من أمه. ومنذ أن التحق بصفوف هذا التنظيم، ستنقطع أخباره عن عائلته، إلى أن توصل والده، الحاج علال، بنعيه من قبل أحد أقاربه الذي أرسل إليه نسخة من جريدة العلم التي نشرت خبر استشهاده نقلا عن تنظيم الجبهة الشعبية سنة 1994. تشبع قزيبر بالقضايا القومية عن طريق احتكاكه بعناصر حزب البعث العراقي، الذي التحق بصفوفه طواعية، كما يقول والده الحاج علال في حديث خاص مع «المساء»، علما بأنه لم يكن له أي نشاط سياسي بالمغرب. مسقط رأس قزيبر كان بمدينة أرفود، وقد نقله والده، الذي كان يشتغل في قطاع البناء، معه إلى العراق سنة 1979 وعمره آنذاك لم يكن يتجاوز 10 سنوات، وكانت هوايته المفضلة هي رياضة التكواندو التي كان يحبها إلى درجة الجنون، وصقل مهارته فيها داخل مؤسسات رعاية الشباب بالعراق، ومن هنا وجد نفسه في أحضان حزب البعث العراقي. بعد مكوث عائلة قزيبر سنوات قليلة بالعراق، سيتوج صدام حسين رئيسا للعراق، وبعد ذلك بقليل ستنشب الحرب بين العراق وإيران، هذه الأخيرة التي كانت تعيش في ظل حكم الخميني الذي أطاح بنظام شاه إيران. لم يكن عمر قزيبر، حين التحاقه بصفوف الجيش الشعبي العراقي الذي سيطلق عليه فيما بعد اسم الحرس الجمهوري، يتجاوز 15 سنة، حيث قاتل ببسالة عناصر الثورة الإيرانية لما يزيد عن سنة. وقبل أن تضع الحرب أوزارها بين هذين البلدين الجارين، قرر والده الحاج علال أن يضع حدا للمغامرة التي دخل فيها ولده، وحجز له تذكرة سفر إلى الدارالبيضاء. مكوث قزيبر بالمغرب لم يدم طويلا، حيث سرعان ما سيلتحق بأخته من أمه التي كانت مقيمة بليبيا ومتزوجة من شخص مصري الجنسية، ومكث معها لبعض الوقت. وخلال مقامه بليبيا التي كانت تعد في هذه الفترة محضنا لفصائل المقاومة الفلسطينية، سيتعرف على عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذين أعجبوا بمهارته القوية التي كان يتمتع بها في رياضة التكواندو. حيث نجحوا في إقناعه بالالتحاق بصفوفهم. ومن هناك، سافر إلى لبنان، حيث التحق بالكومندو الذي نفذ العملية الاستشهادية ليوم 3 غشت من سنة 1994 التي تبنتها الجبهة الشعبية داخل إسرائيل، والتي كبدت الجنود الإسرائيليين خسائر كبيرة. والده الحاج علال اطلع على خبر استشهاد ابنه عن طريق أحد أقربائه بالمغرب، فربط الاتصال مباشرة بعد ذلك بعناصر الجبهة الشعبية ببغداد وأدلى لهم بالوثائق التي تثبت نسبه إليه، حيث استقبلوه بحفاوة ورتبوا له زيارة خاصة لدمشق من أجل الالتقاء بزعيم الجبهة الشهيد أبو علي مصطفى الذي استضافه مدة 30 يوما. ولم يتزحزح الحاج علال من مقامه إلا بعد أن تسلم وثيقة موقعة من طرف زعيم الجبهة تثبت أن ابنه قزيبر استشهد في تلك العملية، وهو ما تم بالفعل، حيث أحيل ملفه على منظمة فتح التي كان يرأسها الراحل ياسر عرفات، وتم تخصيص هبة مالية شهرية لوالد الشهيد، وهو ما اعتادت هذه المنظمة على نهجه مع جميع عوائل الشهداء أيا كانت جنسيتهم. لكن المشكلة التي بقي الحاج علال يكابدها في صمت، هي أنه منذ 15 سنة خلت والحوالة المالية التي كانت تبعث بها منظمة التحرير الفلسطينية إلى البنك العربي بالمغرب كانت تضل طريقها، ورغم طرقه لجميع الأبواب بقيت تلك المبالغ المالية داخل ردهات البنك العربي بالأردن. وحين إعلان صفقة حزب الله مع إسرائيل وتداول اسم ابنه مصطفى قزيبر ضمن أسماء الشهداء الذين شملتهم الصفقة، تنفس الحاج علال الصعداء من أجل حل هذا المشكل الذي ظل يؤرقه لمدة فاقت 15 سنة. آخر اتصال رسمي بالمسؤولين المغاربة تلقاه الحاج علال كان الجمعة الماضي، على إثر تداول الصحف الوطنية لاسم ابنه، حيث تقاطرت عليه بقدرة قادر المكالمات الهاتقية من مختلف المسؤولين، بدءا بباشا مدينة أرفود إلى الكاتب العام لوزارة الخارجية.