أبريل 2009 كان الموعد، الذي اختارته عشر جمعيات وطنية لطرح مذكرة تشرح رؤيتها لورش إصلاح القضاء بموازاة مع أفكار لم يفتأ الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عبد الواحد الراضي وزير العدل وقتئذ عن الحديث عنها بشأن هذا الإصلاح، في ضوء الانتقادات المتعددة الموجهة للجهاز القضائي بالبلاد. ووقفت المذكرة على عدد من الاختلالات، التي رأت فيها معيقات أساسية تعرقل مسيرة العدل في المغرب، وفي مقدمتها محدودية استقلال القضاء في القانون والواقع، من خلال التحكم في الحياة المهنية للقضاة وتسخير أعضاء النيابة العامة كهيئة خاضعة للتسلسل الإداري ومقيدة بالتعليمات دون إمكانية مناقشة ملاءمتها أو شرعيتها. وتنص المذكرة نفسها على أن المجلس الأعلى للقضاء الذي، يرأسه الملك، وإن كان وزير العدل الذي هو نائب الرئيس هو من يرأسه فعليا في الوقت الحالي، يجب أن يكون مستقلا عن وزارة العدل، ليس من حيث ميزانيته التي هي تابعة اليوم لميزانية الوزارة ولا من حيث المقر. وتشير المذكرة إلى ضرورة تمتيعه بميزانية مستقلة طالما أنه مؤسسة دستورية تتمتع بالاستقلالية، وتركز على ضرورة توسيع تركيبته، حيث يتوجب أن تمثل فيه جميع أصناف المحاكم بالمغرب، وأن لا يظل وزير العدل هو نائب الرئيس، بل يتم تعيين الرئيس الأول للمجلس الأعلى، مع اقتراح تعيين نائب له. كما تقترح المذكرة أيضا أن يتم إشراك شخصيات غير قضائية في تركيبة المجلس الجديدة مثل رئيس هيئات المحامين بالمغرب، وتتوقف أيضا عند المعهد العالي للقضاء، إذ تنص على ضرورة ألا يتقدم للمعهد إلا المحامون الذين أكملوا مدة عشر سنوات في مزاولة المهنة والخبرة القضائية، بعدما يكونون قد راكموا تجربة مناسبة وبلغوا سنا معينة، كما هو معمول به في بلدان عربية أخرى مثل مصر. وبشأن استقلالية القضاء، الذي يعتبر المحور الرئيس الذي تحوم حوله مطالب ممثلي المجتمع المدني والمهنيين، إلى جانب إعادة النظر في مهام وتركيبة المجلس الأعلى للقضاء، أوصت مذكرة الجمعيات العشر بالرفع من عدد المحاكم الابتدائية والمحاكم الاستئنافية والتجارية بدرجتيها حتى يمكن تخفيف الضغط على المحاكم القائمة حاليا، وكذا بإنشاء محاكم اجتماعية مختصة في قضايا الشغل والضمان الاجتماعي. كما تضمنت أيضا توصيات بخصوص تقوية الضمانات وحقوق الدفاع واستقلال ونزاهة المحامين ومحاربة الإفلات من العقاب، وتكريس مبدأ قرينة البراءة ومجموع ضمانات المحاكمة العادلة في الدستور، وتأمين كل التسهيلات الضرورية للمحامين للنهوض بواجباتهم ورسالتهم في الدفاع عن موكليهم، فضلا عن تفعيل مقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب وتجريم الاختفاء القسري وتطوير التشريع المغربي لضمان تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب. وترى الجمعيات الحقوقية والمدافعة عن استقلالية القضاء أن السلطة التنفيذية تتدخل في شؤون القضاء بشكل مباشر عبر الصلاحيات الواسعة المخولة لوزير العدل، الذي بإمكانه أن يعين القضاة ويتحكم في تنقيلاتهم وترقياتهم، وباستطاعته إحالتهم على المجلس التأديبي وتوبيخهم أو تنبيهم، وإن كان الملك هو الذي يصدر قرار الشطب في حقهم. كذلك يتدخل وزير العدل في القضاء بشكل غير مباشر من خلال تعيين رؤساء المحاكم. ويشرح المهنيون أنه بحكم الممارسة الطويلة في مهنة المحاماة تتضح حقيقة الرعب، الذي يعيشه كثير من القضاة الذين يسارعون إلى فرض رقابة ذاتية شديدة على عملهم حتى لا يخالف أوامر الوزير. أما في ما يخص أوضاع السجون، فقد أوصت المذكرة بإعادة النظر في قانون المؤسسات السجنية لسنة 1998، وفتحها في وجه الهيئات الحقوقية، ووضع مقرات الحراسة النظرية في بنيات المحاكم حتى يمكن تسهيل عملية مراقبة النيابة العامة والمجتمع عن قرب لوضعية المضبوطين مع ما يمكن أن يمارس عليهم من تعذيب وممارسات مشينة، وكذا ربط الشرطة القضائية مباشرة بالجهاز القضائي وليس بإدارة الأمن الوطني. وأوصى القسم الثاني من مشروع المذكرة بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية، وبالإصلاحات التشريعية الضامنة لاستقلال القضاء، وإصلاح المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية، وتقييم أداء القضاة، والحد من ظاهر بطء العدالة، ووضع معايير أخرى خاصة بالمفوضين القضائيين، والعمل على إخراج مشروع القانون المتعلق بتنفيذ الأحكام، وإقامة علاقات شفافة وواضحة مع مساعدي القضاء، وضمان سير عمل المحاكم، والحفظ المعلوماتي للوثائق، وتسهيل الوصول إليها، والوقاية من الرشوة والمعاقبة عليها ووضع نظام لمراقبة الأحكام القضائية واعتماد سياسة جنائية وتأديبية ملائمة. والجمعيات الموقعة هي جمعية هيئات المحامين، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وجمعية عدالة، والجمعية المغربية للدفاع عن استقلال القضاء، ومنظمة العفو الدولية/فرع المغرب، والمرصد المغربي للسجون.