مما لا شك فيه أن مفهوم الشبكات الاجتماعية قد تبلور قبل نشأة الأنترنيت، فهو يعني ارتباط مجموعة من الأشخاص أو المنظمات الاجتماعية في ما بينها، بطرق أو روابط تحدد من خلال تفاعلاتها الاجتماعية. هذه الروابط قد تكون ذات صبغة عرقية أو دينية أو فكرية أو سياسية... إلخ. لكن مع الإمكانات التي تقدمها شبكة الأنترنيت في مجال ربط الأشخاص أو المنظمات في ما بينها، أصبحت الشبكات الاجتماعية أكثر حضورا على الويب. هكذا، أُحدثت مجموعة من المواقع الاجتماعية (communautaires)، تمكن مستعمليها من نسج علاقات جديدة مع أشخاص آخرين أو نشر معلومات شخصية، في صفحتهم الخاصة، والتي بإمكانهم أن يحددوا من له الحق في الولوج إليها. الشبكات الاجتماعية، إذن، ليست وليدة الأنترنيت، ولكنها حُملت على الويب. لعل أشهر المواقع الاجتماعية الموجودة على الويب هو «فيسبوك»، لمؤسسه الشاب Mark Zuckerberg بالفعل، فحسب الإحصائيات الرسمية المقدمة من طرف صاحب الموقع في يوليوز 2010، فإن هذا الموقع يضم أكثر من 500 مليون عضو ويحتل المغرب مراتب متقدمة من حيث عدد الأعضاء المنخرطين في فيسبوك بإجمالي يفوق المليونين، أغلبهم من الشباب الذين وجدوا فيه ضالتهم، حيث إن الموقع يسهل نسج علاقات عاطفية بين الجنسين، علاقات افتراضية (virtuelles) أساسا، لكنها قد تتطور على أرض الواقع! كذلك يمكِّن الموقع من العثور على أصدقاء أو رفاق الدراسة الذين قد نكون افتقدناهم. من بين الإيجابيات التي قد نحسبها للمواقع الاجتماعية عموما، و«فيسبوك» على الخصوص، مساعدة المستعملين على أن يكونوا اجتماعيين أكثر (lasociabilisation)... لكن هذا المفهوم قد ينظر إليه على أنه سلبي، لأن المنخرطين في الموقع يتوقون إلى تكوين مجموعات يتقاسم أعضاؤها نفس الاهتمامات أو يوحدهم انتماؤهم الجغرافي أو العرقي أو الديني... إلخ، مما ينتج عنه أن تفاعلات أعضاء مجموعة من «فيسبوك» تبقى تفاعلات داخل هذه المجموعة ومؤطرة بعناصر تعريفها. وبالتالي، يبقى مستعمل الفيسبوك متقوقعا داخل المجموعة التي ينتمي إليها، مما لا يساعد على التعرف والتفاعل والتلاقح مع الثقافات الأخرى، عكس ما يرنو إليه المجتمع الواقعي! يمكن أيضا أن نستشف بعض الإيجابيات للمواقع الاجتماعية في تمكينها لكثير من الشعوب المغيبة عن صنع القرار من التنفيس عن آرائها، مما حدا بكاتبة من الجزيرة العربية إلى القول إن ال«فيسبوك» «جاء رحمة للعباد وإنه أصبح مجتمعَنا المدني ومؤسستَنا المستقلة وتجمّعَنا الممنوع في العالم الافتراضي، ننتشل به أنفسنا من سوط الرقيب ولو لمرحلة قصيرة وننفس على صفحاته عن نفوسنا المأزومة وهمنا الجمعي»، مما دفع أجهزة الرقابة في بعض الدول إلى عدم تمكين مستعملي الويب من الولوج إلى هذا الموقع ! من جانب آخر، يوفر موقع «فيسبوك» خدمة من نوع خاص وهي الTag، تمكن المستعمل من نشر صورة لأشخاص التقطت في مناسبة ما، مع إضافة أسماء هؤلاء الأشخاص على الصورة! هكذا سيجد الواحد منا صورته مع اسمه منشورة على الويب دون أن تكون هذه رغبته بالضرورة ! نصبح، إذن، أمام ظاهرة يصطلح عليها بإعادة التوثيق أو la redocumentarisation، حسب تعبير Julien Pierre. فإذا كان المستعمل في بادئ الأمر ينشر طواعية، معلومات تخصه، فإنه يصبح هذه المرة بإمكان شخص آخر غريب عنه أن ينشر معلوماته الشخصية دون إذنه أو استشارته! مما يدفعنا إلى التساؤل: إلى أي مدى تبقى المعلومات المنشورة على صفحات ال«فيسبوك» تحت سيطرة ورقابة أصحابها؟ ومما يزيد الطين بلة أنه لكي يصبح مستعمل ال«فيسبوك» اجتماعيا أكثر ولكي يُقبل داخل مجموعة ما، يجب عليه أن يقدم معلومات شخصية عنه، وكلما أراد هذا الشخص أن يحصل على معلومات شخصية تتعلق بآخرين داخل المجموعة، كان لزاما عليه أن يدلي أكثر فأكثر بما يخصه هو، ويميط اللثام عن خصوصياته! تتعقد الأمور أكثر عندما تصبح المعلومات الشخصية للأفراد على ال«فيسبوك» بضاعة قابلة للبيع للشركات التي تطلبها. ففي منتدى دافوس الاقتصادي، صرحت أخت مصمم ال«فيسبوك»، والتي تشغل منصب المديرة التجارية للشركة، أن لدى شركة «فيسبوك» أكبر قاعدة بيانات سلوكية (comportementale) في العالم، وأنه لم يحصل قط عبر التاريخ أن وُجدت وثيقة مهمة بهذا الحجم وهذه القيمة التجارية! وهذه الوثيقة هي تحت تصرف الشركات التي تود الاطلاع عليها ! يجب التذكير بأنه عند التسجيل في الموقع، فإن المستخدم يوافق ضمنيا على أن تنقل بياناته الشخصية إلى الولاياتالمتحدة لمعالجتها، ولكن المستخدمين لا يعرفون متى أو كيف يتم استخدام البيانات الخاصة بهم. حقيقة أن كون شركة «فيسبوك» لديها الحق في استخدام المعطيات الشخصية للأفراد لأغراض تجارية أمر غير مقبول، فإن كثيرا من الناس لا زالوا مع ذلك مستمرين في استخدام الموقع لأسباب عملية. في مقابلة تلفزية على قناة CNBC مع المدير العام لشركة غوغل، Eric Schmit، صرح هذا الأخير بأنه «فقط الأشخاص الذين لديهم أشياء يخجلون منها، هم من يكترثون لمعطياتهم الخاصة». وأضاف: «إذا كنت تفعل شيئا، لا تريد أن يعلمه أحد، ربما يجب أن تبدأ بعدم القيام بذلك». إننا حتما أمام نهاية الحياة الشخصية أو الخصوصية للفرد. ولا أدل على ذلك مما صرح به Zuckerberg نفسه حين قال: «الحياة الخصوصية انتهت»، ويضيف أن ال«فيسبوك» هو الذي أنهاها!