طيلة سنوات السبعينات والثمانينات كان المغاربة يترحمون على المعارض المهدي بنبركة، ليس فقط لأنه اختُطف في باريس سنة 65 وقتل هناك دون أن يعرف له قبر إلى اليوم، بل لأن الاتحاديين أنذاك قالوا للفقراء المغاربة إن «المهدي كان ينوي إعطاء 10 دراهم يوميا لكل مغربي من مداخيل الفوسفاط إذا وصل إلى الحكومة». قُتل المهدي ولا يُعرف ما إذا كانت حكاية ال10 دراهم حقيقة أم شعارا انتخابيا. اليوم عباس الفاسي، الوزير الأول الاستقلالي، يفكر في إعطاء فقراء المغرب 500 درهم شهريا ستُقتطع من صندوق المقاصة الذي يدعم المواد الأساسية والمحروقات، والتي لا يستفيد منها إلا القليل من الفقراء، فيما الأغنياء الذين يستهلكون أكثر هم الذي يستفيدون من هذا الدعم (70 % من دعم المحروقات يستفيد منها 20 % من الأغنياء). وزير الشؤون العامة للحكومة نزار بركة قال ل«المساء»: «إن الحكومة تفكر في اللجوء إلى الدعم المالي المباشر للفقراء، وإن الدراسات الأولية تقول إن ميزانية صندوق المقاصة ستبلغ هذه السنة 36 مليار درهم». ويضيف: «إذا وزعنا هذا المبلغ - وهذا افتراض نظري - على كل الأسر المغربية البالغة حوالي 6 ملايين أسرة -طبعا لن يستفيد الجميع بل الفقراء فقط- فستستفيد كل أسرة من 500 درهم في الشهر، أي 6000 درهم في السنة. الواقع اليوم أننا نوزع الدعم على كل الفئات، وهناك من يستفيد من 100 درهم في الشهر، وهناك من يحصل على 3000 درهم في الشهر وهذا غير منطقي. ما هي شروط استفادة الفقراء من هذا الدعم النقدي؟ يجيب بركة: «التزام الأسر بتعليم أبنائها، وبهذا سنحارب الهدر المدرسي، ثانيا: انخراط الأمهات والأطفال في البرامج الصحية الحكومية، ثالثا: الانخراط في الأنشطة المدرة للدخل التي تقترحها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية... إنها سلة متكاملة». متى سيطبق هذا البرنامج؟ الوزير يقول: «ليس قبل ثلاث سنوات، هناك بعثة من الخبراء سافرت إلى دول أخرى لها تجارب قريبة من الحالة المغربية للاستفادة منها». كم عدد المغاربة الفقراء المرشحين للاستفادة من الدعم النقدي؟ الإحصائيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط تقول بوجود حوالي 8 ملايين مغربي، منهم مليونان و700 ألف هم الأكثر فقرا و5 ملايين و3000 ألف مهددون بالفقر. أي أن مجموع من سيستفيدون من الدعم الحكومي النقدي قد يصل إلى 8 ملايين مغربي في المدن والقرى. مقابل منح 8 ملايين فقير مغربي 500 درهم في الشهر ماذا ستأخذ الحكومة؟ نزار بركة مرة أخرى يوضح: «لن نرفع الدعم عن السكر والدقيق، والذي لا يكلف الدولة سوى 4 مليارات درهم سنويا، في حين تكلفة المحروقات تصل إلى أكثر من 30 مليار درهم سنويا، الحكومة ستعيد النظر في تركيبة الأسعار وفي إمكانية الزيادة في أنواع معينة من المحروقات (الفيول الصناعي مثلا) علاوة على مراجعة الاتفاقية المبرمة مع شركة لاسمير التي ستنتهي في السنة المقبلة...». مع ذلك ستبقى عدة إشكالات وصعوبات تواجه مبادرة الدعم النقدي، ومنها التحديد الدقيق لعدد الفقراء ومراقبة صرف الدعم حتى لا يتجه إلى فئات أخرى أو يتم التلاعب به، علاوة على مراقبة حركة الدخول والخروج من خانة الفقر والانتباه إلى عدم تكريس ثقافة الاتكال على حساب ثقافة العمل.