لم يكن خالد وعبد الفتاح يدركان أن ابتلاعهما كبسولات من مخدر الشيرا وزنها 420 غراما، لتهريبها نحو إسبانيا، مقابل 2000 درهم لكل منهما، ستفقدهما حريتهما لمدة سنة، وكذلك أوراق إقامتهما بالمهجر، بعد أن قضت المحكمة الابتدائية بمراكش في حق كل منهما، قبل حوالي أسبوعين، بسنة حبسا نافذا، وغرامة مالية لكل منهما تصل إلى خمسة آلاف درهم، في الملف التلبسي، الذي حمل رقم 4049، كما حكمت أيضا بأدائهما لفائدة الجمارك مبلغ25200 درهم. وعممت المصالح الأمنية بمراكش بدورها في حق مزودهما بمادة الشيرا مذكرة بحث وطنية بعد أن اختفى عن الأنظار. أزمة مالية تدفع مهاجرين مغاربة نحو المجهول بعد أن فقد كل من خالد وعبد الفتاح عملهما بالديار الإسبانية، لم يستطيعا معا منذ أزيد من سنة ونصف العثور على عمل بدولة «مصارعي الثيران»، التي تترنح تحت الأزمة المالية العالمية. ووجد المهاجران المغربيان، المنحدران من دوارين تابعين لقيادة الصهريج بقلعة السراغنة، نفسيهما أمام واقع صعب في توفير أدنى شروط الحياة لأسرتيهما، ورغم أنهما قاما بإدخال بعض سلع «الخردة» من إسبانيا إلى المغرب لكسب المال، فإن تجارتهما كسدت، وهو ما دفعهما إلى القبول السريع بعرض الميلودي، الذي كان خالد يعرفه بإسبانيا، حسب تصريحاتهما، بالانخراط في شبكة تهريب المخدرات، حتى يتفاديا العودة إلى حياة الفقر والضيق اللذين كانا يعيشانه بمسقطي رأسهما. وكان المتهمان خالد وعبد الفتاح نجحا في سنة 2002 في الهجرة غير الشرعية إلى الديار الإسبانية، انطلاقا من مدينتي الداخلة والعيون في اتجاه جزيرة «فوينتي فانتورا» التابعة لإسبانيا، وبعد ذلك تمكنا من تسوية وضعيتهما القانونية، والعودة إلى أرض الوطن. لكن رياح الأزمة المالية، التي عصفت بالعديد من الدول الأوربية، جرت بما لم تشتهه سفن هذين المهاجرين، اللذين فقدا عملهما، مثل آلاف المهاجرين المغاربة بالبلدان الأوربية، مما حذا بهما إلى البحث عن مصدر للرزق، لكن الأقدار كانت تحول دون ذلك لمدة زادت عن سنة ونصف، وهو ما أثر على وضعهما الاقتصادي بشكل كبير. كراء البطون مقابل 2000درهم عندما يسقط المرء في وضع مالي هش، بعد أن اعتاد عيشا رغيدا، يتشبث بكل خيط أمل يعيده إلى سابق عيشه، وينسى البحث في التفاصيل وقراءة العواقب، وهذا ما وقع لخالد وعبد الفتاح، عندما عرض عليهما الميلودي الملقب ب«الفرياطي» تهريب كمية من مخدر الشيرا تقدر ب420 غراما في شكل كبسولات، بعد أن أخبراه بالعطالة الطويلة التي يعيشانها، فاتفق معهما على تهريبها إلى أحد معارفه بإسبانيا، مقابل اقتناء تذكرة سفر لكل منهما وحصولهما على مبلغ ألفي درهم للواحد عندما يعبران بالمخدرات. وهكذا بعد جلسة سريعة بأحد المقاهي الواقعة بوسط مدينة قلعة السراغنة، أظهر فيها الميلودي رغبته في «مساعدة» المتهمين على تجاوز وضعيتهما المالية الصعبة، تمكن هذا المزود الرئيسي، الذي ينحدر من جماعة «الفرايطة» بقلعة السراغنة، من إقناع ضحيتيه خالد (26سنة) وعبد الفتاح (33سنة) بعرضه، ثم باشر في الحال اقتناء تذكرتي سفر لهما من إحدى وكالات الأسفار، الواقعة بالقرب من المقهى، التي احتضنت جلسة التعارف، وتحديد شروط العمل، ليقوم المزود الرئيسي بتزويدهما بكبسولات الشيرا في كيس بلاستيكي، وأوصاهما بابتلاعها كأحسن طريقة للتهريب عبر مطار «المنارة» بمدينة مراكش، حتى لا يشك رجال الجمارك في أمرهما، وتنكشف خيوط عملية التهريب، ويقاد الجميع إلى سجن «بولمهارز» بالمدينة الحمراء. ولكي يطمئنهما، أخبرهما المزود بأنه سيسافر في نفس اليوم إلى مدينة ميلانو الإيطالية. 40 كبسولة تحدث حركة غير عادية في الأمعاء في يوم 28 من شهر أكتوبر الماضي، التاريخ المحدد للسفر، ابتلع خالد، المتهم الذي ليست له أي سوابق عدلية، 15 كبسولة، فيما ابتلع عبد الفتاح، الذي سبقت إدانته بشهرين حبسا نافذا لمحاولته تهريب 80 غراما من مخدر الشيرا للاستهلاك الفردي 25 كبسولة، استعدادا للسفر انطلاقا من مطار المنارة. كانت كل الأمور تسير كما هو مخطط لها، لكن حركة غير عادية في أمعاء المتهمين الناتجة عن ابتلاعهما كبسولات مخدر الشيرا، أرغمتهما على القيام بحركات مريبة عند الاستعداد للمرور، نبهت إليهما أعين رجال الجمارك والشرطة بالمطار. وهو ما دفع رجال الأمن والجمارك إلى إخضاع المهاجرين للبحث، الذي اعترفا فيه بتلقائية بابتلاعهما الكبسولات، في محاولة منهما لتهريبها إلى مدينة مدريد الإسبانية، ثم أشرف أفراد الأمن بحضور أحد الأطباء على استخراج المادة المهربة. وكشف البحث التفصيلي، الذي باشرته فرقة مكافحة محاربة المخدرات بالمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمراكش مع المتهمين، أنهما استعملا الماء ومشروبا غازيا لتسهيل عملية ابتلاع كبسولات الشيرا، لتهريبها وتسليمها إلى أحد الأشخاص بمدريد الذي سيسلم لكل منهما مبلغ 2000 درهم مقابل هذه العملية. مذكرة بحث وطنية في حق الميلودي بمجرد ما سلم الميلودي الملقب ب«الفرياطي» كمية الشيرا للمتهمين، واقتنى لهما تذكرتي سفر إلى مدريد، بعدما اتفقوا على المقابل المالي، اختفى عن الأنظار، ولم يظهر له أي أثر. ورغم أن فرقة مكافحة المخدرات زودت رئيس المنطقة الأمنية بالمعلومات الخاصة بهذا المهرب على الصعيد الدولي، فإن الميلودي كان قد اتخذ كل الاحتياطات حتى لا يسقط في قبضة المصالح الأمنية. وفي يوم 30 من شهر أكتوبر، انتقلت عناصر من فرقة مكافحة المخدرات من مدينة مراكش إلى مدينة قلعة السراغنة، حيث عمقت البحث مع «ط.ر» أحد العاملين لدى «الفرياطي» في محل لبيع الملابس النسائية، دون جدوى، لكون الهارب زار الدكان يوما واحدا قبل حلول عناصر الأمن به، ليختفي عن الأنظار ويغلق هاتفه، وهو ما دفع المصالح الأمنية إلى تحرير مذكرة بحث وطنية في حق المهرب الفار.