في الوقت الذي وجه فيه الملك محمد السادس صفعة دبلوماسية قوية إلى الكيان الصهيوني، حين رفض استقبال رئيس دولة إسرائيل «شمعون بيريز»، الذي يتهافت بعض القادة العرب على استقباله في قصورهم، محيطين ذلك بسرية تامة، ترحب بعض الجهات المغربية، الرسمية وغير الرسمية، بالتطبيع مع الإسرائيليين، رغم الظروف السياسية المتوترة التي تعرفها القضية الفلسطينية، خصوصا بعد تجديد «بنيامين نتنياهو»، رئيس حكومة إسرائيل، رفضه للطلب الفلسطيني العربي الأمريكي، القاضي بتجميد الاستيطان واستئناف مفاوضات السلام. صراحة في كل واقعة متناقضة تعيشها بلادنا لا نفوت فرصة استحضار المقولة الشهيرة التي تقول: «ما دمت في المغرب فلا تستغرب»، فكيف يعقل أن توقع الخطوط الجوية الملكية المغربية «لارام» اتفاقية شراكة مع شركة خطوط جوية سياحية إسرائيلية تدعى «آركيا»، والتي ستشرع ابتداء من الشهر الجاري (نونبر) في تنظيم رحلة كل أسبوع إلى إسرائيل مرورا بمدينة برشلونة الإسبانية. ثم نذكر كذلك بمشاركة «عمير بيريتس»، وزير الدفاع الإسرائيلي، إبان العدوان الوحشي على لبنان صيف 2006، في مؤتمر عقد بمدينة مراكش حول «الحكامة الدولية»، وسط احتجاج مجموعة من المشاركين العرب وجمعيات المجتمع المدني التي أدانت بشدة مشاركة مجرم حرب صهيوني في منتدى دولي من هذا النوع. أما عما شهدته مدينة أكادير فحدث ولا حرج، فبعد الضجة التي أثارتها زيارة نشطاء أمازيغيين لإسرائيل خلال السنة الفارطة، شهدت المدينة في ال16 من شهر أكتوبر مشاركة مجندة إسرائيلية سابقة، تدعى «يئيل نعيم»، في مهرجان التسامح، كما شاركت باحثة إسرائيلية في المؤتمر الدولي السابع حول الصبار الذي نظمته وزارة الفلاحة والصيد البحري، ليأتي رفع العلم الإسرائيلي، إلى جانب أعلام الدول المشاركة في البطولة الدولية للشبان في رياضة الجيدو التي نظمت ما بين 21 و24 أكتوبر 2010، يوم الافتتاح الرسمي، ليكون آخر صيحات التطبيع التي شهدتها المدينة. ولا أحد يدري ما يخبئه لنا الزمن من مفاجآت تخص موضوع التطبيع مع الصهاينة، خصوصا وأن منتدى «ميدايز» الذي يترأسه إبراهيم الفاسي الفهري، نجل وزير الخارجية المغربي، والذي لا تفصلنا عن افتتاح أشغاله إلا بضعة أيام، سيكشف لنا جميعا دون ريب عن مشاركين إسرائيليين، إضافة إلى بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية المعروفة بعدائها للعرب... وحتى يعلم الجميع، فإن إدارة هذا المنتدى غير مبالية بالانتقادات التي وجهت إليها خلال الدورة السابقة التي عرفت مشاركة وفد إسرائيلي تترأسه تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية سابقا، رغم الاحتجاجات التي قامت بها ودعت إليها الهيئات المساندة للقضية الفلسطينية والمناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني. ما يبدو حقا أغرب من الغرابة في الأمر هو أن سلسلة التطبيعات المتواصلة مع الصهاينة تأتي «بوْجهّا احمر» وكأن إسرائيل أنهت صراعها مع الفلسطينيين وأعلنت انسحاب جيوشها من فوق الأراضي المحتلة، لتعلن عن نيتها تعويضهم عن كل الأضرار التي لحقتهم خلال سنين عسيرة من الحرب والعدوان، رغم أن ما لحق الشعب الفلسطيني من خسائر لا يمكن تعويضه حتى ولو «إسرائيل هداها الله».... إن ما تقوم به بعض الجهات في المغرب كيفما كانت مناصبها وانتماءاتها يعتبر خرقا سافرا لتوجهات وخطابات المؤسسة الملكية التي ترفض كل أشكال التطبيع، وقد بدا ذلك واضحا وتجسد على أرض الواقع حين قرر المغرب إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط سنة 2000، بل أكثر من هذا فالمؤسسة الملكية أصبحت تقمع صناع القرار بإسرائيل. وبما أن الملك في المغرب يحظى بصلاحيات واسعة يخولها له الدستور، والتي تنص على كونه قائد سفينة الجهاز الدبلوماسي للبلاد، فهو يعي جيدا أكثر من أي شخص آخر خطورة التطبيع مع الكيان الصهيوني في هذه المرحلة العصيبة، خصوصا وأن المغرب يترأس لجنة القدس الشريف. يقال إن الأمور يجب أن تسند إلى أصحابها، وأصحابها في هذه الحالة هم المؤسسة الملكية التي تجدر الإشارة إلى أنها حققت نتائج إيجابية في ما يخص السياسة الخارجية للمغرب، والتي تعتمد في نجاحها على ثلاثة أسس، أولها إتقان الملك محمد السادس لأصول الدبلوماسية في مدرسة عريقة في هذا الميدان، وتتجسد في مدرسة الراحل الحسن الثاني الذي كان محط تنويه داخلي وخارجي، كما كان معروفا بحضوره الدائم في كل القضايا الدولية، وثانيها ولوجه المبكر إلى العمل الدبلوماسي، حيث مثل الراحلَ الحسن الثاني في عدة مناسبات دولية، وكان سنه لدى قيامه بأول مهمة رسمية سنة 1974 لا يتجاوز 11 سنة، أما ثالثها فهو تكوينه الأكاديمي في مجال العلاقات الدولية. إذن، أين أنتم أيها «المرحبون بالتعامل مع الصهاينة من هذه الأسس»؟ محمد حفيظي