اقترب عيد الأضحى وغرق الموظف رجل التعليم، الذي يعمل في إحدى المؤسسات التعليمية الثانوية -الإعدادية في وجدة في حالات من التفكير والتيه وفقد التركيز خلال فترات التدريس ولم يعد يسمع أسئلة تلاميذه التي تحولت إلى مجرد ضجيج يُقلقه ويزيد من معاناته النفسية، كأنه مصاب بأحد الأمراض العصبية والنفسية، فكان يصرخ في وجه السائلين والمستفسرين منهم ويطالبهم بالصمت والهدوء، دون أن يفهموا سبب سلوكه العنيف الذي لم يكن يتصف به في يوم من الأيام. صار «الأستاذ» حبيسَ هواجسه وأفكاره ولم يعد قادرا حتى على الحديث مع زملائه لا في قاعة الأساتذة ولا في المقهى، رافضا الإفصاح عما يخالجه ويدور بدواخله ويؤرقه ليل نهار لمن يجالسه اللهم عبارات ألِف ترديدَها: «الساعة لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله»... لم يكن الأستاذ يتصور أن يأتي يوم سيعجز فيه عن تلبية أهم شعيرة وسنة مؤكدة عند المسلمين ويصبح مكتوف الأيدي أمام تحقيق رغبة أطفاله وزوجته، لأول مرة في حياته، دون جميع المواطنين الفقراء منهم والأغنياء، الجيران والأقرباء، وترفض جميع شركات السلف أن تمنحه قرضا لإسعاد أطفاله الذين كانوا ينتظرون، كغيرهم من الأطفال، خروف العيد، وإدخال البهجة على الزوجة التي سبق أن هيأت جميع مستلزمات الأضحية ومستحضرات الأطباق المفترَض تناوُلها يوم العيد. كانت صدمة الزوجة قوية أياما قبل عيد الأضحى، حين عاد الزوج المسكين إلى البيت دون خروف العيد الذي وعد به قبل خروجه إلى السوق، متحججا بكونه ذهب ضحية نشل لحافظته داخل سوق الغنم كانت تتضمن مبلغ الحوالة كلّها والمقدَّرة بحوالي 3000 درهم قام باستخلاصها مباشرة من البنك، بهدف اقتناء أضحية العيد. لم تنطلِ «الحيلة» على الزوجة التي كانت تعلم جيّدا وضعية زوجها المفلسة، والتي ساهمت بقسط وافر في تأزيمها، بكثرة المتطلبات، بعد أن مرّ الزوجان بمراحل خطيرة كادت «تزلزل» كيان أسرتهما في العديد من المرات، وقررت، في حالة غضب، فضحَه والتشفي فيه بدقّ بيوت معارفه طيلة الليلة، مصحوبة بثلاثة أطفال، تحكي وتبكي وتشكو... تحاول، تارة، استدرارَ أحاسيس الشفقة تجاهها، وتارة، تكريس نظرة الاحتقار تجاه زوجها، الذي تركته خلفها في البيت يبكي عجزَه دموعا، بعد جولة ملاسنة ومشاداة كلامية بينهما، ليمنحا بذلك فرجة درامية لأطفالهما الثلاثة... عجز الأستاذ «المسكين» عن الاستمرار في الاستجابة لمتطلبات أطفاله وزوجته التي كانت تريد أن تظهر بمظهر الأسرة الموسرة أمام قريباتها وصديقاتها وتعمد إلى مجاراتهم، وكان هو يحاول أن يسايرها في ذلك، لاسيما أن «الأمر كان أمرَها» ولم تكن أجرته توازي مصاريف المتطلبات اليومية ولا المناسباتية، كالعطلة والدخول المدرسي والهدايا للعرسان خلال أفراح العائلة، إضافة طبعا إلى كسوتها، فوجد في شركات التسليفات الصغرى الطريقة المثلى لحل أزماته المالية والمفتاح الأنسب والأسهل لحلّ جميع مشاكله، فتقدم للشركة الأولى وحصل على السلف الأول، دون أن تتأثر أجرته بتسديد أقساط الدَّين الشهري المترتبة عنه، ثم طلب القرض الثاني، ثم الثالث... كان «الأستاذ»، كلّما اشتدّت عليه الضائقة المالية، التجأ إلى هذه الشركات التي كانت تمنح القروض لمن شاء، طالما أن الاقتطاعات تجري في المصدر أي في المصلحة الميكنوغرافية للأجور في وزارة المالية، وهو ما يضمن لها استرجاع ديونها، رغما عن المستفيدين من القروض، إلى أن بلغ عدد القروض 10 وتقلص مبلغ الأجر إلى 300 درهم لم تكن تفي حتى بالاستجابة لأبسط الحاجيات، الأمر الذي كان يدفع الموظف ضحية تلك الشركات إلى الاقتراض من جيوب الأصدقاء والمعارف، دون أن يستطيع دفعَها لأصحابها، ثم البحث عن إعطاء دروس إضافية في المدارس الخاصة وأبناء الخواص في منازلهم، دون النجاح في الخروج من الورطة... اضطر الموظف المسكين إلى بيع جهاز التلفاز بنصف المبلغ الذي اقتناه به، من خلال أحد القروض، في غياب الزوجة وأطفالها الذين كانوا في زيارة عائلية، لاقتناء كبش للعيد، «أملح وأقرن»، لإرضاء زوجته وكسب عطفها... كم كانت فرحتها عن رؤيتها كبشَ العيد إلى درجة أنها أطلقت زغرودة، لكنْ كم كانت صدمتها كبيرة عند دخولها الصالون لتُطلق صرخة مدوية مزقت أجواء الفرحة والعشرة، بعد أن لاحظت اختفاء جهاز التلفزيون!...