سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كوشنير يثير سخط أعضاء الجمعية الوطنية بالتعبير عن رضاه عن ميزانية وزارته إسهامات باريس في صناديق المنظمات الدولية تمتص 40 % من ميزانية الخارجية الفرنسية
قلة من الفرنسيين كانوا يعلمون طبيعة السفراء الذين يمثلونهم في الخارج، وكثير منهم كانوا يجهلون أن أبناء الأسر ذات الأصول الأرستقراطية والأسر الناشطة في مجالات المال والأعمال والأبناك أوفر حظا من غيرهم، في أن يصبحوا سفراء، قبل أن يسحب خريجو المدرسة الوطنية للإدارة البساطَ من تحت أرجلهم، بل إن برلمانيين فرنسيين صوتوا، في أكثر من مناسبة، لصالح تقليص ميزانية وزارة الشؤون الخارجية والأوربية، دونما أخذ بعين الاعتبار التبعات الخطيرة لهذا الإجراء على أداء وفعالية ثاني أكبر شبكة دبلوماسية في العالم، بعد شبكة الولايات المتحد الأمريكية، وكأنهم لا يعلمون أن الالتزامات المالية لفرنسا تجاه عدة منظمات دولية تمتص نسبة كبيرة من الميزانية الهزيلة لوزارة كوشنير. لم يهتمَّ فرانك رونو، في هذا التحقيق الذي اعتمد فيه بالأساس على أرقام وإحصائيات الخارجية نفسها، بتقديم حلول جاهزة للمشاكل التي تضعف فرنسا دوليا، بقدر ما انكبت على تشريح الوضع الراهن وطرح إشكالياته، التي يتوجب القطع معها عاجلا، وإلا فقدت باريس كثيرا من بريقها الدبلوماسي وجزءا غير يسير مما تبقى لها من تأثير في صنع القرار الدولي. إذا كانت آلة «خطة التحديث والعصرنة» تحرم، كما تمت الإشارة إلى ذلك في حلقات سابقة، وزارة الشؤون الخارجية والأوربية الفرنسية من مئات مناصب الشغل سنويا، فإن «الكي دورساي» اعتادت أيضا أن يطال مقص التقليص ميزانيتها كذلك. لم يستطع صاغة «الكتاب الأبيض» للوزارة غض الطرف عن التقليص الذي يطال ميزانية هذه الوزارة، بالموازاة مع حرمانها من عديد من مناصب الشغل، التي من شأنها، لو وفرت للوزارة، أن تساهم في الرفع من فعالية ثاني أكبر شبكة دبلوماسية على الصعيد العالمي بعد الشبكة الدبلوماسية للولايات المتحدةالأمريكية. ويشير «الكتاب الأبيض»، سالف الذكر، إلى أن فرنسا ترصد للعمل الدبلوماسي، ميزانية تمثل قرابة 0.11 في المائة من ناتجها الداخلي الخام، دون احتساب الإعانات العمومية الخاصة بتطوير أساليب عمل تمثيليات باريس في الخارج والمساهمات المالية «الاضطرارية» التي تضطر فرنسا لصرفها لعدد من المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأممالمتحدة، مع العلم أن هذا الرقم يصل في بريطانيا إلى 0.20 في المائة، وإلى 0.16 في كندا، في وقت تستقر فيه ميزانية وزارة الخارجية في كل من ألمانيا واليابان عند حاجز 0.14 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي الخام لكلا البلدين. ورغم أن الرقم الفرنسي المشار إليه يماثل نظيره الأمريكي، الذي يرصد لتدبير شؤون أكبر شبكة دبلوماسية في العالم ويفوق ما تخصصه إيطاليا لآلتها الدبلوماسية، فإن «الكتاب الأبيض»، كشف عن معطيات سوداء بخصوص الدبلوماسية الفرنسية، أقر بأن “فرنسا تحتل مراتب متأخرة على مستوى نسبة الميزانية التي ترصدها لدبلوماسيتها من إجمالي ناتجها الداخلي الخام. ولم تمنع هذه المعطيات وزير الشؤون الخارجية والأوربية، برنار كوشنير، من التعبير في البرلمان، على مسمع من أعضاء الجمعية الوطنية، عن رضاه التام عن الميزانية المرصودة لوزارته،
أمام استغراب جميع من حضر الجلسة التي عقدتها الغرفة الأولى بالبرلمان الفرنسي، يوم 3 نونبر 2009، لمناقشة مشروع قانون مالية السنة الجارية. فهل كان كوشنير، حقيقة، راضيا بالميزانية المرصودة لوزارته؟ هل صارح أعضاء الجمعية الوطنية بالحقيقة؟ ألم يكن تعبيره عن رضاه عن الميزانية التي وضعت رهن إشارته متناقضا، أشد ما يكون التناقض، مع ما جاء في «الكتاب الأبيض». ألا يعلم كوشنير أن الزيادة التي عرفتها ميزانية وزارة الشؤون الخارجية والأوربية بحوالي 707 ملايين أورو في الفترة الممتدة ما بين 2000 و2008 لم تسهم في تقوية فعالية هذه الوزارة، لأن جزءا كبيرا من ميزانيتها يسخر لأداء الإسهامات المالية التي تلتزم فرنسا بضخها في صناديق العديد من المنظمات الدولية على رأس كل سنة، والتي توظف بالأساس لتمويل عمليات حفظ السلم تحت وصاية هيئة الأممالمتحدة. لم يعد خافيا على أحد في فرنسا أن هذه الإسهامات المالية باتت تؤرق ميزانية الدولة وتثقل كاهلها بنفقات إضافية تحتاجها باريس لتمويل أمور أخرى أكثر أهمية على المستوى المحلي، خصوصا وأن المبالغ التي تضطر فرنسا لضخها في صناديق المنظمات الدولية تضاعفت في السنوات الأخيرة، حيث انتقلت من 333 مليون أورو في سنة 2000 إلى 707 ملايين أورو سنة 2008. أما اللجنة التي أسندت إليها مهمة إعداد «الكتاب الأبيض»، فقد كشفت عن وتيرة نمو للأموال التي تمنحها فرنسا سنويا للمنظمات الدولية، مخالفة تماما للأرقام سالفة الذكر، حيث لم تكتف اللجنة باحتساب الأموال التي تلتزم باريس منذ سنوات بضخها في صناديق بعض المنظمات الدولية، بل أضافت إليها كذلك الأموال التي تهبها فرنسا لبعض المنظمات الدولية، دون أن تكون ملزمة بذلك بمقتضى القانون. وهكذا، خلص «الكتاب الأبيض» إلى أن إسهامات فرنسا المالية في ميزانيات المنظمات الدولية تناهز 1.86 مليار أورو، وتمتص بذلك 40 في المائة من الميزانية العامة لوزارة الشؤون الخارجية والأوربية، ودعا إلى مضاعفة هذه الميزانية لتفادي الانعكاسات السلبية لارتفاع إسهامات باريس في ميزانيات المنظمات الدولية على أداء وفعالية الدبلوماسية الفرنسية. غير أن البرلمانيين، بمن فيهم أعضاء الجمعية الوطنية عن حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، حزب الرئيس نيكولا ساركوزي، لم يستسيغوا حديث كوشنير عن رضاه عن الميزانية المرصودة لوزارته، وأبدوا استغرابهم من قوله إن «تعبئة كل الجهود كفيلة بتدارك أي نقص في الموارد المالية». وفي هذا السياق، جادل جون فرانسوا مانسيل، وهو عضو في الجمعية الوطنية عن الحزب الحاكم، أثناء مناقشة مشروع قانون مالية السنة الجارية، متسائلا بمكر الدهاة: «هل يعقل أن نطالب وزارة الشؤون الخارجية والأوربية ببذل مجهودات كبيرة في ظل ضعف الميزانية التي توضع رهن إشارتها؟». لم يجب كوشنير عن هذا السؤال الإستنكاري، لحظتها، ومع ذلك يمكن للبرلماني، صاحب السؤال، أن يجد الجواب في «الكتاب الأبيض» لوزارة الشؤون الخارجية والأوربية، الذي جاء فيه: «بالنظر إلى ضرورة توفر فرنسا على شبكة دبلوماسية كثيفة وفعالة وإلزامية صرفها لإسهاماتها في ميزانيات المنظمات الدولية، إن هي أرادت تسجيل حضور قوي في أهم القضايا الدولية، فإن عدم الرفع من ميزانية هذه الوزارة واستمرار حرمانها من مئات مناصب الشغل سنويا، يفرض على فرنسا فتح نقاش بخصوص طموحاتها في الاضطلاع بأدوار مهمة في مختلف القضايا التي تشغل الرأي العام العالمي».