«كيف تشعر عندما يكون أحمدي نجاد موجودا على هذا القرب منك؟»، سُئل المزارع من أفيفيم، وكأن القنبلة النووية الإيرانية بذاتها وضعت بجوار الحدود اللبنانية. ولكن ليس قُرب أحمدي نجاد هو الذي ينبغي أن يقلق المزارع أو من تابع المسرحية، إذ لم يكن في هذه الزيارة أي تهديد جديد، تصريح لم يسبق أن أُطلق من قبل أو ثورة جديدة تهدد بتحطيم لبنان. بنت جبيل، مثل معظم جنوب لبنان، يسيطر عليها منذ سنين حزب الله، صور الخميني وخامنئي هي جزء لا يتجزأ من المشهد اللبناني ليس من اليوم، المساعدة الإيرانية لحزب الله لا تحتاج إلى أي «اعتراف» جديد من أحمدي نجاد، والحكومة اللبنانية، التي لا تهم بالضبط الرئيس الإيراني، لا يمكنها أن ترفض زيارته بعد أن استُقبل الرئيس اللبناني ميشيل سليمان باحترام شديد في طهران. في ظل غياب تهديدات جديدة، كان ينبغي اختراعها من خلال تصنيف الرسائل التي قبعت ظاهرا في المسرحية الهائلة التي نظمها حزب الله للرئيس الإيراني: رسالة إلى واشنطن لتعرف من يسيطر في لبنان، رسالة مزدوجة إلى إسرائيل لتفهم بأن إيران تسند حزب الله وحزب الله «سيدافع» عن إيران في حالة تعرضها لهجوم من إسرائيل، رسالة إلى اللبنانيين بأن يحذروا من اتهام حزب الله باغتيال رفيق الحريري، رسالة إلى السنّة، رسالة إلى الشيعة. وباختصار لبنان، الدولة الصغيرة، التي هي في حد ذاتها عديمة الأهمية الاستراتيجية، لعبت جيدا دور ساحة الملاكمة الإقليمية. ساحة على ظهرها تُدار صراعات استراتيجية شديدة القوة على السيطرة والهيمنة، وبالأساس حرب باردة بين قسم من الدول العربية وبين إيران وحلفائها، بين محور يتمتع بلقب «مؤيد للغرب» ومحور يعتبر مناهضا لأمريكا، دون أن تشهد هذه التوصيفات بالضرورة على الحقيقة المطلقة. ليس للبنان حصرية على إدارة ساحات جس النبض. العراق وفلسطين واليمن والسودان تعرض خدمات مشابهة على خصوم شديدي القوة، يتنافسون على السيطرة في المنطقة. أحمدي نجاد هو الآخر قصد تلك الدول العربية التي تجتهد لصد النفوذ الإيراني. في مصر، مثلا، توجت الصحيفة الرسمية «روز اليوسف» زيارته بعنوان «اليوم الذي أصبحت فيه بيروت إمارة شيعية»، أما وزير الخارجية السعودي فقال بحذر: «علينا أن ندرس أولا كل نتائج هذه الزيارة». وحتى سورية، التي زارها أحمدي نجاد في سبتمبر، لم تخرج عن طورها لمشاهدة الاستقبال اللبناني. أقوال أحمدي نجاد اقتُبست بانتقائية في الصحف السورية، والعناوين الرئيسة يوم الخميس احتلها بالذات النبأ الهام عن زيارة رئيس الوزراء العراقي المنصرف نوري المالكي لدمشق، بعد نحو سنة من المقاطعة. لبنان لا يزال مجال السيطرة السورية وهي لا تعتزم نقله إلى إيران. كما أن هذا «سر النجاح» للحلف بين إيران وسورية والمرتكز على ألا تغزو واحدة مجال سيطرة الأخرى. في لعبة القوى الهائلة هذه، كان يمكن أن يكون لإسرائيل دور أساس. استئناف المفاوضات مع سورية، بالذات على خلفية زيارة أحمدي نجاد، وفي أعقاب تصريح بشار الأسد بأن إيران تؤيد مثل هذه المفاوضات، كفيل بأن يضع إيران أمام معضلة شديدة بالنسبة إلى علاقاتها بسورية، وأن يضع حزب الله في وضع محرج، حين تُدير الدولة التي يتعلق بها في تواصل وجوده مفاوضات مع ألد أعدائه. مفاوضات كهذه لا تضمن بالضرورة قطع العلاقات بين إيران وسورية، وذلك لأن مصالحهما المشتركة لا ترتبط بعلاقات كل واحدة منهما بدول أخرى، ولا يعني الأمر أن حزب الله سيضع سلاحه. ولكن اتفاق سلام بين إسرائيل وسورية سيقلص بقدر كبير التهديد من الحدود الشمالية، ويُحدث معادلة استراتيجية إقليمية جديدة، قد تكون أهم من السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ولكن كي يتم تحريك مثل هذه المفاوضات، على إسرائيل أن تصرح بأنها تفهم ثمن السلام، أو أي تصريح يقنع الأسد بأنه لن يصبح محمود عباس الثاني. هذا لن يحصل، إسرائيل تفضل إحصاء الصواريخ التي لدى حزب الله واقتباس احمدي نجاد الذي يعد بأن نهاية الكيان الصهيوني قريبة. نوافذ الفرص عرفت إسرائيل دوما كيف تغلقها بالأشرطة اللاصقة، كي لا تتشقق لا قدر الله. عن ال«هآرتس»