منذ حصول الكاتب الإسباني البيروفي بارغاس يوسا على جائزة نوبل للآداب لهذا العام، لم تتوقف التعليقات في صحافة الإثارة عن تذكيرنا بحدثين هامَّيْن في حياته: الأول، حادث انهزامه في الانتخابات، حين ترشح لرئاسة البيرو باسم وسط اليمين، أمام المرشح الفائز من أصل ياباني فوجيموري، ثم انتقاله -غاضبا- إلى إسبانيا، للعيش فيها، نهائيا، بعد حصوله على جنسيتها، والثاني، عداوته الشهيرة مع الكاتب الكولومبي غارسيا ماركيز، الحاصل بدوره على نوبل للآداب، عن روايته «مائة عام من العزلة»، عام 2891. الكاتب.. وكوابيس الأنثى كانت العداوة التاريخية مع غارسيا ماركيز بسبب امرأة، هي زوجة بارغاس يوسا، أما بداية العداوة فقد كانت يوم 21 فبراير 6791، حين وجَّه صاحب رواية «المدينة والكلاب» لكمة لوجه غارسيا ماركيز أمام كل الحاضرين لمشاهدة عرض خاص لأحد الأفلام في مكسيكو سيتي... أصبحت اللكمة، مع مرور الوقت، ولكثرة ما كُتِب عنها، أشهرَ لكمة في التاريخ المعاصر لأمريكا اللاتينية، ولو أنها لكمة ذات «طابع أدبي»... لم يتمكن أحد من تحديد السبب الحقيقي لتلك اللكمة التي طرحت غارسيا ماركيز أرضا، أمام عدد كبير من الشهود. لم يلجأ ماركيز، بعدها، إلى الشرطة لتقديم شكوى، لكن عددا من الشهود سمعوا بارغاس يوسا يقول: «هذا من أجل ما قلته لباتريشيا» أو «هذا من أجل ما فعلته لباتريشيا»... وقد كان يوسا، وقتَها، منفصلا عن زوجته باتريشيا، حيث بادر ماركيز إلى «مواساتها»، في غياب زوجها يوسا. بعد تلك الجملة، لم يوجه أحدهما كلمة إلى الآخر، والقطيعة بينهما مستمرة إلى اليوم. وقد كان الصديقان، قبل أن يصبحا «صديقين لدودين» يتفكهان، عادة، في لحظات الاسترخاء، على حياتيهما ومصيريهما المتشابهين، فقد تربى كل منهما على يد جده ودرسا في مدرسة دينية، وعشقا الأدب والصحافة منذ الصغر، ونشرا أولى قصصهما في السن ذاته، وعملا صحافيين في بداية حياتهما، في ظل ظروف سياسية صعبة وقاسية، وكانا معا صديقين حميمين للشاعر الشيلي بابلو نيرودا، كما كانت لهما نفس الوكيلة الأدبية، السيدة كارمن بالسيلس. وكان المصور الفوتوغرافي الشهير رودريغو مويا قد كشف، بعد حادثة اللكمة الشهيرة بسنوات، عن صورة نادرة لغارسيا ماركيز وقد تَورَّمت فيها إحدى عينيه وأحيطت بكدمة ظاهرة. ويروي مويا أن ماركيز لم يكن يبدو عليه الغضب على الإطلاق، بسبب اللكمة، وكان يضحك مرارا وهو يردد: «ماريو سدد لي لكمة قوية.. لقد أخذني على حين غرة»... وبخلاف معظم الصور الملتقََطة لماركيز طيلة حياته، ويبدو فيها جديا تماما، فإن صورته التي تُظهر عينه المتورمة كان يبدو فيها ضاحكا ومنتعشا، على غير العادة. وحتى اليوم، لا يعرف مؤرخو تلك اللكمة، التي أصبحت علامة فارقة في التاريخ الأدبي والإيديولوجي لأمريكا اللاتينية، ما إذا كان الأمر خلافا فكريا بين الرجلين، بسبب تراجع يوسا في تلك الفترة عن قناعاته الاشتراكية واقترابه الصريح من اليمين، أم بسبب غواية ماركيز لباترشيا، مما زعزع الثقة بين الرجلين وهدد «عش» الزوجية الهش.. أم كان السببان معا قد انصهرا وبرزا إلى السطح، دفعة واحدة. كانت لكمة يوسا بمثابة إنذار عن الانشقاقات المبتذلة، إثر الخيبات السياسية المتوالية في أمريكا اللاتينية. بهذه الطريقة، أسهمت لكمة يوسا في تخليد ذكرى باتريشيا، التي لم يتحدث عنها أحد بعد ذلك، رغم أنها أثارت الغيرة في قلب كاتب كبير ودفعته إلى تسديد لكمة قوية إلى أعز أصدقائه، وهي طريقة مختلفة، تماما، عن الكيفية التي خلَّد بها الشاعر الإيطالي الكبير دانتي ألغييري ذكرى حبيبته، فقد كانت تدعى -هي أيضا- بياتريشيا، وقد وضعها في أعلى مقام في «النعيم»، في كتابه «الكوميديا الإلهية»، وكتب عنها أشعارا وتفاصيل لطيفة في ديوانه المُبكِّر «فيتا نووفا» (الحياة الجديدة).