أصدرت وزارة الداخلية بلاغا ترد فيه على مضمون تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أمام المؤتمر الثاني لجمعية مستشاري حزبه، المنعقد في الرباط بتاريخ الخامس والعشرين من شهر شتنبر. وتضمن هذا البيان عناصر تشير إلى أن هذه التصريحات من شأنها «التشويش» على المجهودات التي لازال يبذلها المغرب في مواجهة التحديات المرتبطة بأحداث السادس عشر من ماي بالدارالبيضاء. ويدعو البيان، في جملة تثير الانتباه، كل «الذين لا زالوا يطرحون شكوكا حول هذا الموضوع، أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة أمام الرأي العام الوطني»، وهي إشارة يفهم منها أنها موجهة إلى حزب العدالة والتنمية، تدعوه إلى اختيار الموقع وبكل وضوح «عوض الترويج للشكوك»، وإلى الانخراط «كليا في الإجماع الوطني الذي يدين الإرهاب بكل أشكاله، وكيفما كان موقع وصفة مرتكبيه». ويلاحظ أنها ليست المرة الأولى التي تصدر فيها وزارة الداخلية بيانا حول تصريحات أو سلوك حزب العدالة والتنمية، فقد سبقته إلى ذلك بلاغات حول واقعة امتناع رئيس جماعة القصر الكبير عن تسليم ترخيص إلى إحدى الجمعيات، وبلاغ بخصوص صراع البرلماني السيد مصطفى الرميد مع السلطات المحلية بسيدي بنور حول الترخيص بإجراء أحد الأنشطة ويتعلق الأمر بإعذار الأطفال في منطقة «الكريشات باولاد السي بوحيا»، وصولا إلى بيان حول تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أمام جمعية مستشاري حزبه. وهي بلاغات غير عادية في تاريخ وزارة الداخلية، تثير التساؤل عن حالة استراتيجية التواصل السياسي في الوزارة، وذلك للأسباب التالية: السبب الأول أن وزارة الداخلية، في تاريخها التواصلي، خرجت في علاقتها بالفاعلين الحزبيين من مرحلة الصمت المطبق في السنوات الماضية إلى إصدار عدد كبير من البلاغات. فالوزارة، التي كانت تراقب وتلتزم الصمت إزاء كل السلوكات والتصريحات التي يصدرها الفاعلون الحزبيون، بادرت، بشكل غير عادي في مدة زمنية قصيرة منذ الانتخابات الجماعية ل12 يونيو 2009، إلى إصدار مجموعة بلاغات موجهة إلى حزب واحد هو العدالة والتنمية. السبب الثاني أن مضمون البلاغ يتضمن صيغة «انفعالية» في الرد على تصريحات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. أضف إلى ذلك أن رد وزارة الداخلية نشر في مدة لا تتجاوز اليومين بعد التصريح، وهي الوزارة التي اعتادت توظيف عنصر الزمن وعدم الرد الآني على ما يجري من تفاعلات في الحقل السياسي. السبب الثالث هو أن البلاغ يعيد التذكير بوقائع تابعها كل المغاربة، وهي المتعلقة بمسلسل ما جاء بعد أحداث الدارالبيضاء من محاكمات والإعلان عن تفكيك أكثر من ستين خلية إرهابية. وبالتالي، لا أعتقد أن ما قاله السيد عبد الإله بنكيران يمكن أن يحدث «تأثيرا على الرأي العام الوطني» حتى نعود إلى التذكير بالمساطر القانونية التي اتبعت في المحاكمات، كما أنه لا يحتاج إلى التذكير بمناخ التعبئة والإجماع. السبب الرابع هو لغة البلاغ التي انتقلت فيها وزارة الداخلية إلى التحليل، وهي لغة كتابة غير عادية في الوزارة التي اعتادت الرد بلغة مقتضبة ذات حمولة مكثفة في نقل الرسائل دون حاجة إلى التبرير والتفسير. وخارج هذه الأسباب، وبحسابات كلفة الربح والخسارة في التواصل، يبدو أن وزارة الداخلية لم تنتبه إلى توقيت إصدرا البلاغ الذي يأتي في مرحلة عصيبة يعيشها حزب العدالة والتنمية من مشاكل نزوح واستقالات واحتجاجات داخلية، من طرف موارده البشرية، على طريقة تسييره للمجالس الجماعية التي يقودها، وانفلات انضباط أعضائه التنظيمي. وبالتالي، فبلاغ وزارة الداخلية، الذي يفتح إمكانية الرد والتبرير أمام حزب العدالة والتنمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سيوجه الأنظار إلى واقعة أخرى ويعود بالذاكرة إلى نقاشات ما بعد 16 ماي من سنة 2003 التي أدارها الحزب بمهنية، واستثمر فيها سلوك وهجومات باقي الفاعلين في الانتخابات التشريعية لسنة 2007. إن وزارة الداخلية، بهذا البلاغ، تقدم «خدمة تواصلية» كبرى إلى حزب العدالة والتنمية في ظرفية زمنية تنظيمية صعبة يعيشها الحزب إلى جانب نقابته. وما لم يتم الانتباه إليه هو أن الحزب لا يمكن أن يعيش بدون أن يكون موضوعا للنقاشات والانتقادات. ويلاحظ أنه يجر تدريجيا وزارة الداخلية إلى مجموعة «تمرينات» من الصراع، خاصة في غياب توزيع واضح للأدوار: متى ترد وزارة الاتصال؟ ومتى تصوغ وزارة الداخلية البلاغات؟.. وإذا كانت تصريحات حزب العدالة والتنمية، بما فيها تصريح السيد عبد الإله بنكيران الأخير، اعتادت انتقاد أعوان ومسؤولي وزارة الداخلية، فلماذا انتقت وزارة الداخلية إشارة بنكيران إلى أحداث الدارالبيضاء؟ وقد كان من الممكن أن تختار، بهدوء وفي زمنية مضبوطة، الرد على ما يقوله الحزب عن طريق بلاغ هادئ، في لحظة صمت لحزب العدالة والتنمية ولحظة ترقب لدى الرأي العام الوطني، يوضح أن وزارة الداخلية بعيدة عن الصراعات الحزبية وأنها مفتوحة للتواصل والاستماع إلى كل الأحزاب السياسية، وذلك لتعويم سلسلة تصريحات قادة العدالة والتنمية وبلاغات حزبهم التي تستمر منذ ما يزيد على سنة. إن هذه العناصر حجج توضح أنه ليست كل تصريحات الفاعلين الحزبيين في حاجة إلى صياغة بلاغات بشأنها، وأنه يجب تجنب مخاطر ظاهرة تولد في المشهد الحزبي منذ سنة 2009، لا يمثلها حزب العدالة والتنمية وحده، تجر تدريجيا وزارة الداخلية إلى حقل الصراع الحزبي وتعيقداته.