أرخى ملف وفاة امرأة مسنة في سجلات الحالة المدنية مرتين بجماعة غياثة القروية بسدوله على تازة، وأصبح الرأي العام المحلي منشغلا بهذا الملف، الذي تتداخل فيه تصفية الحسابات السياسية بين المعارضة والأغلبية في الجماعة، والغموض في تدبير سجلات الحالة المدنية. فقد أمرت المحكمة الابتدائية بتازة، زوال يوم الأربعاء الماضي، بالاحتفاظ بابن هذه المسنة، ومعه شيخ سابق رهن الاعتقال الاحتياطي. وقررت متابعة النائب الأول لرئيس الجماعة الحالي في حالة سراح بكفالة مالية قدرها 4000 درهم، وأصدرت المحكمة ذاتها مذكرة بحث في حق إحدى بنات المرأة المسنة والتي تقيم بالولايات المتحدةالأمريكية، على أن تواصل المحكمة النظر في الملف ابتداء من يوم الثلاثاء 5 أكتوبر الجاري. وتتحرك المعارضة الاتحادية التي فجرت هذا الملف من أجل إشعار السلطات الهولندية، عن طريق سفارتها بالمغرب، بالملف، وإدخالها كطرف مدني في قضية تبدو من تفاصيلها بأنها كانت بدافع التصرف في تقاعد زوج السيدة المسنة بعد وفاتها. وتتابع الأطراف المتهمة في الملف ب«صنع، عن علم، شهادة تتضمن وقائع غير صحيحة» و«تسليم شهادة إدارية لشخص مع العلم بعدم أحقيته لها» بالنسبة إلى الشيخ السابق و«المشاركة في ذلك» بالنسبة إلى النائب الأول لرئيس الجماعة و«التوصل، بغير حق، بوثيقة إدارية عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة» بالنسبة إلى ابن السيدة المتوفاة. وقالت المحكمة إنها قررت متابعة الشيخ السابق وابن الأرملة المتوفاة، في حالة اعتقال، بسبب خطورة الأفعال وانعدام ضمانات الحضور، والمستشار الجماعي «ع.ب» في حالة سراح. وكان محققو الدرك بتازة قد استقبلوا يوم 29 غشت الماضي في مركزهم ثلاثة مستشارين في المعارضة قدموا، في وقت سابق، شكاية يتهمون فيها بعض الأطراف بجماعتهم القروية غياثة الغربية بضواحي المدينة، بتكوين شبكة للتزوير في سجلات الحالة المدنية، مقدمين حالة هذه المسنة المتوفاة لمرتين في السجلات كدليل إثبات على تهمتهم، ومطالبين بفتح تحقيق في الملف. وقال الهوراي الحسين، أحد هؤلاء المستشارين، في تصريحاته لرجال الدرك، إن «خ.ب» كانت تتقاضى معاش زوجها المتوفى، والذي كان يعمل في الديار الهولندية، وكان ابنها «م.ش» ينوب عنها في استخلاص هذا المعاش بموجب وكالة، إلا أنه بالرغم من وفاتها في 31 غشت 2002، فإن ابنها بقي يستفيد من المعاش بعدما حصل على وثائق في الجماعة تشير إلى أنها لا زالت على قيد الحياة. واستمر الوضع على ما هو عليه إلى حدود 31 غشت 2005، وهو التاريخ الذي صرح فيه للمرة الثانية بسجلات الحالة المدنية بأن هذه السيدة توفيت. واتهم هذا المستشار المعارض النائب الأول لرئيس الجماعة الحالي بالتوقيع على شواهد أرسلت إلى السلطات الهولندية تؤكد بأن هذه السيدة لا زالت على قيد الحياة، بالرغم من وفاتها. وقدم صورة شمسية لإحدى هذه الوثائق وقع عليها نائب الرئيس في 10 غشت 2004. واعتبر أن السبب الذي دفعه رفقة «رفاقه» في المعارضة إلى تقديم هذه الشكاية هو وضع حد ل«مثل هذه الخروقات». وأقر ابن المسنة، وهو شاب يقيم بالديار الهولندية، بكونه هو الذي قام بالتصريح بوفاتها لدى السلطات بتاريخ 11 شتنبر 2002، بعدما أدلى بشهادة إدارية في الموضوع بناء على شهادة شيخ القبيلة. ونفى أن يكون تاريخ وفاة والدته هو 31 غشت 2005، وهو التاريخ الذي صرخت به أخته لدى السلطات. أما بالنسبة للمطبوع الذي يعود تاريخه إلى سنة 2004، والذي وقع عليه النائب الأول للرئيس وأرسل إلى السلطات الهولندية للتأكيد على أن والدته المتوفاة لا زالت على قيد الحياة، فقد نفى أن يكون قد تسلمه من أي كان، لكنه في المقابل أوضح بأنه كان يسحب معاشها من إحدى الوكالات البنكية بمنطقة واد أمليل بموجب وكالة تفويض إلى حدود سنة 2004. وقال إن والدته كانت تكلف، وهي على قيد الحياة، شيخ القبيلة بالمصادقة على مطابيع تتعلق بشهادة حياتها، مضيفا أن هذا الشيخ كان على علم بتاريخ وفاتها وحضر مراسيم تشييع جنازتها. أما النائب الأول للرئيس الحالي للجماعة فقد أشار، في معرض حديثه مع المحققين، إلى أنه هو الذي وقع على رسم وفاة هذه المسنة للمرة الثانية في 02 شتنبر 2005، وذلك بموجب صفة ضابط الحالة المدنية التي كان يتولاها بالتفويض. وقال إنه أنجز هذه الوثيقة بناء على تصريحات ابنتها التي أدلت بشهادة إدارية في الموضوع مسلمة لها من طرف السلطات الإدارية. كما قال إنه وقع على المطبوع الذي أرسل إلى السلطات الهولندية في سنة 2004، بناء على شهادة شيخ القبيلة الذي سبق أن قال عنه ابن السيدة المتوفاة إنه كان على علم بوفاتها وحضر مراسيم تشييع جنازتها. وانتقل رجال الدرك المكلفين بالتحقيق في الملف إلى مقر الجماعة للبحث في سجلات الحالة المدنية. وتبين لهم أن السيدة «خ.ب» دون اسمها كمتوفاة في سجل الوفيات الخاص بسنة 2002. وبحثوا كذلك في سجلات 2005، وتأكد لهم أنه يحتوي بدوره على اسم نفس السيدة تم التصريح بوفاتها في هذه السنة. وتم الاستماع إلى الشيخ السابق «ع.ب» والذي سبق له أن تولى شؤون المشيخة في الفترة ما بين 1990 و2008، قبل أن يتم إعفاؤه على إثر ارتكابه حادثة سير اعتقل من أجلها لمدة 15 يوما وحكم عليه بشهرين موقوفي التنفيذ وغرامة مالية قدرها 1000 درهم. وقال إن هذه السيدة التي يدور حولها الملف تعتبر من إحدى قريباته، موردا بأنها توفيت في 31 غشت 2002، وحرر لابنتها وثيقة الوفاة التي اعتمدت عليها للحصول على الشهادة الإدارية من طرف قائد قيادة واد إمليل. لكنه نفى، في المقابل، أن يكون هو الذي حرر شهادة الحياة التي تعود إلى تاريخ 13 شتنبر 2004، بالرغم من أنها ذيلت بتوقيعه وخاتمه. وقال إن الإمضاء ليس إمضاءه والخط ليس خطه، كما أن الخاتم لا ينطبق مع الخاتم الذي كان يستعمله عندما كان لا يزال في مهمته كشيخ. وأضاف بأنه كان يستعين بين الفينة والأخرى لتحرير مثل هذه الشواهد بشخص متوفى إثر حادثة سير بمنطقة واد أمليل. كما نفى أن يكون وراء التوقيع على شهادة أخرى تثبت أن السيدة «خ.ب» توفيت في سنة 2005، موردا بأنه كان على علم بوفاتها في سنة 2002، واعتبر أنه يجهل مصدر هذه الشهادة التي اعتمدها قائد قيادة واد أمليل. وخلافا لتصريح ابن المتوفاة، فقد نفى هذا الشيخ السابق أيضا أن تكون قريبته كانت تكلفه، وهي على قيد الحياة، بملء أي مطبوع. وتحدث على أنه سلم الخاتم الذي كان يعمل به للشيخ الذي عوضه. وانتقل المحققون إلى الوكالة البنكية للوقوف على الأطراف التي كانت تتولى مسؤولية سحب معاش الأرملة بعد وفاتها. لكن مدير الوكالة بالنيابة أخبرهم بأن هذا الإجراء يتطلب بعض الوقت. وأقر الشيخ الحالي لمشيخة «فرقة امكاكط وأهل السدس» والتي كانت مسرحا للملف بأنه تسلم الخاتم من الشيخ السابق إلا أن هذا الخاتم كان بدون دائرة الإضاحة، ما يعني أنه تسلم الخشب فقط، وهو ما لم يشعر به القائد، مضيفا أنه كان يتوفر على خاتم المشيخة سلمه له قائد المنطقة، ما يجعله في غنى عن خاتم الشيخ السابق. وأثناء إعادة الاستماع إلى الشيخ السابق، للتحقق من أقواله، أكد نفس التصريحات، لكنه سجل بأن الخاتم الذي سلمه للشيخ الحالي كان يتضمن حينها دائرة الإضاحة. وإلى حين ختم مسطرة التحقيق في الملف لم يتوصل رجال الدرك بأي رد من وكالة البنك بخصوص الجرد المتعلق باستخلاص المعاش، بالرغم من أن هذا الجرد كان موضوع تعليمات وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتازة.