بوشعيب هبولي فنان تشكيلي مغربي من عيار نادر، وفي حياته الفنية كما حياته الشخصية الكثير من العلامات ومن الألغاز، عاش في مدينة أزمور حيث ولد، وحيث يوجد حي كامل يحمل اسم العائلة «درب الهبولي»، لا يتذكر من ملامح الأم أي شيء، ووالده المعلم البناي «الطاشرون»، لم ينجب غيره، لذلك كتب على الطفل أن يرافق الوالد وأن يعيش تحت سطوته. في بداية السبعينات، سيحدد بوشعيب هبولي مصير حياته بعد وفاة والده، حيث سيقدم استقالته من مهنة التعليم، وسيتفرغ للفن وللحياة، قبل أن يغادر أزمور ويهيم في الرباط مدة 15 سنة، ليعود إلى المدينة الأم شخصا آخر، ناضجا ومستوعبا الكثير من تجارب الحياة وفنانا أصيلا. نلف معه في هذا الحديث الطويل، ذلك المسار الطويل من حياة إنسان وفنان وزمن مغربي حربائي. - من كان معك من الفنانين التشكلين في تداريب المعمورة؟ < كان معي العديد من الفنانين التشكيليين في تلك التداريب، حيث كنا نتلقى مبادئ الرسم، وهؤلاء من الذين صاروا معروفين في الوسط التشكيلي المغربي. كان معي ميلود لبيض وفاطمة حسن والكزولي وحسن الفروج و بنعلال، وكان معي أيضا الراحل محمد بناني الذي كان في تلك الفترة مديرا لدار الشباب البطحاء في فاس، وبحكم أنه كان على دراية باللغة الفرنسية، فقد كان يقوم بدور المترجم من الفرنسية إلى العربية لبعض السذج أو غير المتعلمين من المتدربين وثم من العربية إلى الفرنسية لمؤطرة الورشة فرنسية الجنسية، وكان اسمها جاكلين بروتسكيس. - وأنت هل كنت تتقن اللغة الفرنسية؟ ألم تكن تحتاج إلى وسيط؟ < نعم كنت أجيد التعبير باللغة الفرنسية، ولم أكن أجد أي مشكل تواصلي مع المؤطرة الفرنسية أو مع غيرها. - هل كنتم في سن واحدة أم في أعمار متفاوتة؟ < كان أغلبنا متقاربا في السن، مع وجود بعض التفاوتات العمرية، وقد كانت مدام جاكلين بروتكسيس هي المسؤولة عن معامل الرسم التلقائي بدور الشباب، وهي محترفات كانت تقام مرتين في الأسبوع في كل أنحاء المغرب. - ومن كان معك من فناني مدينة أزمور؟ < كان معي من فناني مدينة أزمور بوشعيب خلوق، ومن مدينة الجديدة محمد رخصي. - كنتم تحصلون في آخر السنة شهادات تدريب أم ماذا؟ < كانت هذه التداريب تمر على مراحل، هناك المرحلة المتعلقة بالجانب التربوي البيداغوجي لتسيير المحترف، والجانب المتعلق بتكوين مرشد المحترف حتى يكون له إلمام ببعض المدارس واتجاهات التشكيل في تلك الفترة. وكان هذا التكوين في شقين : نظري وتطبيقي. و قد كان هذا التكوين يوازي مايدرس الآن في الفنون الجميلة. - ألم تكن لك إمكانية لكي تدرس في مدرسة للفنون الجميلة؟ < لم يكن ذلك ممكنا، لأن مدارس الفنون الجميلة الموجودة آنذاك كانت مخصصة للفرنسيين فقط، وقلة من المغاربة من كان محظوظا بالدارسة في مدرسة تطوان للفنون الجميلة أو في مدرسة الدارالبيضاء، وهما المدرستان الوحيدتان اللتان كانتا موجودتين في تلك الفترة. - مدرستان فقط في البلاد؟ - كانت هناك مدرسة للفنون الجميلة في الرباط، لكنها أغلقت، ومدرسة أخرى في فاس، ولم يستطيعا البقاء إلا في فترات محدودة. - كم دامت فترة تداريب المعمورة؟ < دامت من سنة 1958 إلى سنة 1962، ولم تكن تمنح شواهد للمتخرجين، بل كان هناك تقييم لأعمال المتدربين المنجزة، وفي تلك الفترة كان الجميع يعرض، وكان يتم انتقاء أجود الأعمال من أجل عرضها في معرض سنوي يقام أحيانا في باب الرواح، ويجوب هذا المعرض كل المدن المغربية. - لم تشارك في تلك الفترة في أي معرض جماعي؟ < كنت قد أنجزت في تلك الفترة عدة أعمال لكن المشرفة على المحترفات كانت تسمح فقط بعرض الأعمال الخاصة بالأطفال. - وكنت تعود بعد ذلك إلى دار الشباب في أزمور؟ < بعد انتهاء فترة التداريب كنت أعود بطبيعة الحال إلى أزمور، حيث أعمل على تأطير الأطفال في إطار محترفات. - هل كنت تتقاضى عن هذا العمل تعويضا معينا؟ < نعم، كنت أتقاضى تعويضا، وكان التعويض يصل إلى حوالي 300 درهم شهريا. لقد كانت تلك المحترفات بالغة الأهمية، وأعتقد أن دور الشباب لو بقيت تشتغل بنفس الطريقة لما كان عندنا اليوم في المجتمع مشردون ومنحرفون. - مرحلة التكوين الذاتي في المعمورة، هل هي التي شكلت منطلقك الفني؟ < لم تشكل منطلقا لي فقط، بل إن مرحلة المعمورة كان لها فضل كبير على جميع الفانين المغاربة من جيلي على الأقل، وهكذا اكتشفت المجموعة التي كنت ضمنها طاقتها في الرسم، كما حصل مع فنانين آخرين قبلي، من مثل ميلود الابيض وفاطمة حسن، وهناك تعرفت عليهم في الدورات التدريبية. - هل كانوا أصدقاء لك؟ < يجب أن نعرف شيئا. وهو أن علاقات الصداقة الفنية غالبا ما تواجه بمشاكل الحياة اليومية ومتطلباتها، وبالتالي. فإن هذه العلاقات تنحسر شيئا فشيئا لتبقى نقطة التواصل الوحيدة هي المعارض: في افتتاح معرض، في تجمع معين، في ندوة ما.. لا يوجد تقليد في المغرب بين الفنانين، حيث يمكن أن نزور الفنان في محترفه، وأن نتعرف على مشغله، و نكتشف إلى أين وصلت تجربته، ونستطلع حول مشروعه المستقبلي، هذه التقاليد عندنا غير موجودة. - هل يرتبط ذلك بخوف على التجربة وبميل إلى التكتم؟ < لا أعتقد أن الأمر يرتبط بخوف أو بميل إلى السرية، لكن كل الموضوع مرتبط بتقاليد فنية لم تترسخ بعد في الوسط الفني المغربي، وكل الحكاية تقتصر على زيارة معرض الفنان في الافتتاح ثم بعد ذلك ينفض الجميع. لا نجد النقاش الفني الحقيقي أو الصحي، وتتحول وجهات النظر إلى نوع من النميمة، ومن كثرة شيوع النقاشات الجانبية أصبح الأمر إساءة وتحولت الإساءة إلى عادة، وهذا هو الأخطر على الحياة الفنية، لأن الإشاعة هي الدودة التي تنخر كل جسد فني لا ينظر إلى نفسه بصراحة ويكتفي بترسيخ مظاهر المجاملات والنفاق.