رغم إعاقته الحركية استطاع محمد لهنا أن يحقق رقما قياسيا بعبوره مضيق جبل طارق في أربع ساعات وست عشرين دقيقة. في هذا الحوار يكشف لهنا تفاصيل رحلته المثيرة وكل ما اجتازه من مراحل في مشواره في الباراترياتلون. كما يكشف العراقيل، التي اعترضته في مسيرته الرياضية، وحلمه الذي يراوده باستمرار في الصعود إلى منصة التتويج في دورة الألعاب البارا أولمبية في البرازيل سنة 2016 .و قد وجه محمد لهنا رسالة إلى جميع ذوي الاحتياجات الخاصة بأن لا يختفوا وراء إعاقتهم. لنتابع إذن. - حدثنا أولا عنك وعن مشوارك الرياضي. اسمي محمد لهنا.. 28 سنة.. من مواليد مدينة الدارالبيضاء. ولدت مع إعاقة في قدمي اليمنى ..الحمد لله.. بدأت السباحة في سن مبكرة حينما التقى والدي بعبد الجليل بيار صاحب الميدالية البرونزية في السباحة في دورة الألعاب البارا أولمبية في سيول، الذي كان قدوتي وكان يأخذني معه إلى المسبح. هكذا كانت البدايات، بعد ذلك انضممت إلى المنظمة الوطنية لذوي الاحتياجات الخاصة «إدماج» وتدربت على يد موناصيف أحمد، و قد حصلت على بطولة المغرب وكأس العرش عدة مرات، لكني وجدت بعد ذلك أنه من الصعب الاستمرار لأن التداريب لم تكن منتظمة. وفي سنة 2002 نظمت هيئة قدماء المحاربين الفرنسيين دورة خاصة بالمغاربة حصلت فيها على قدمي الاصطناعية الأولى، ثم اقترح علي جان لوك كليمانسون أن أشارك في سباق للدراجات ضم متسابقين فرنسيين ومغاربة، وبعد ذلك خضت في سنة 2005 سباقا آخر للدراجات بفرنسا، وفي سنة 2006 قمت بمعية صديقين سويين بقطع رحلة طويلة بلغت مسافة 1700 كلمتر حملتنا إلى مرزوكة، وتواصلت مشاركاتي في نفس الآن في العديد من سباقات الدراجات، خصوصا رفقة الاختصاصي باتريس أسكارغورتا، الذي ساعدني بشكل كبير في تعلم تقنيات ركوب الدراجة. ومع مرور الوقت بدأت أهتم بمسابقة «الترياتلون» (السباحة، الدراجة، والجري)، إذ شاركت في تونس سنة 2008 في بطولة إفريقيا لذوي الاحتياجات الخاصة، التي تجرى مسابقتها مجتمعة مع مسابقة الأسوياء ثم تحتسب نتائجها بشكل منفرد، واستطعت أن أنال اللقب الإفريقي لذوي الاحتياجات الخاصة. لماذا اخترت التوجه إلى رياضة «الترياتلون»؟ ألم يكن من السهل بالنسبة إليك تركيز جهودك على رياضة السباحة التي تعشقها ؟ - بالنسبة للسباحة كان لدي حلم كبير بأن أشارك في دورة الألعاب الأولمبية الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، لكن للأسف لم تكن تداريبي منتظمة، والدخول إلى المسبح صارمع مرور الأيام أكثر تعقيدا. بالإضافة إلى ذلك كانت هناك الدراسة. يجب أن تعلم أن مستوى السباحة لذوي الاحتياجات أصبح يتطور بشكل كبير، فهم يزاولون تداريبهم بشكل مستمر كبقية السباحين المحترفين. لكن في المغرب مايزال مستوانا في هاته المنافسة ضعيفا جدا، والدليل على ذلك أنه في كل تاريخنا لم نفز سوى بميدالية أولمبية وحيدة في سيول. لذلك اختارت لي الأقدار «الترياتلون». فبالنسبة إلى «الباراترياتلون» سيتم إقحامها لأول مرة في منافسات الألعاب الأولمبية سنة 2012 من باب التجربة، قبل أن يتم اعتمادها بشكل رسمي في البرازيل سنة 2016، وأعتقد أنني إن تدربت بشكل جيد حتى ذلك الحين سيكون بإمكاني تحقيق «البوديوم». - حطمت رقما قياسيا بعبورك مضيق جبل طارق وقطعك مسافة 15.7 كلمترا سباحة في مدة أربع ساعات وست وعشرين دقيقة. حدثنا قليلا عن هذا الإنجاز الباهر، وكيف جاءتك الفكرة لخوض غمار هاته التجربة الفريدة؟ هذا الحلم كان يراودني منذ سنوات عديدة، لكن للأسف لم تتوفر لدي الإمكانيات للقيام بذلك في تلك الفترة. ومع مرور الوقت بدأت هاته الفكرة تكبر شيئا فشيئا في ذهني، خصوصا حينما قرأت على شبكة الإنترنت أن سباحا إسبانيا من ذوي الاحتياجات الخاصة قام بذلك، وهو ما شجعني كثيرا. بعد ذلك حدثني صديق عن مشروعه لعبور مضيق جبل طارق مع صديق له، وقد كانت لدي رغبة كبيرة كي أشاركهم هذه التجربة، لكن للأسف كنت ملتزما بمسابقة الرجل الحديدي في زيوريخ، وهي مسابقة تتطلب مجهودا كبيرا. في تلك الفترة بدأت التفكير في الأمر جديا، وحددت سنة 2010 كسنة لتحقيق حلمي.
- ما هي العوائق التي كانت تقف حائلا بينك وبين تحقيق أحلامك؟ في المغرب هناك مسابقة واحدة فقط ل«الترياتلون»، تنظم من طرف مؤسسة تعليمية إسبانية بمدينة العرائش، وهو ما كان يجبرني على السفر خارج الوطن للمشاركة في المسابقات. وهذا كان يخلق لي متاعب كبيرة من قبيل استخراج الفيزا وتكاليف التنقل. كما أن البذلة الخاصة ب«الترياتلون» باهظة التكاليف بالنسبة للأسوياء، أما بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة فالأمر أسوء بكثير. فأنا عندما كنت أرغب بممارسة «الترياتلون» كنت أحتاج إلى جهاز متحرك وكان ثمنه مكلفا جدا وقد بحثنا عنه كثيرا لكننا لم نجده. وفي يوم من الأيام اقترح علي صديقي باتريس أن نقوم بصنعه وشرعنا في القيام بأبحاثنا وأخذنا القياسات اللازمة.كما اشترينا المعدات التي تلزمنا وخصصنا ساعتين بعد العمل كل مساء من أجل صنع هذا الجهاز. صحيح أن الأمر لم يكن مثاليا للمشاركة به في المسابقات، لكنه كان جيدا كفاية للتدرب به. وبفضل هذه المبادرة تدخل مدير هيئة قدماء المحاربين للبحث عن محتضن يمكنه اقتناء الجهاز المتحرك من أجلي. أعرف أن الأمر ليس سهلا، خصوصا بالنسبة لذوي الاحتياجات لأن تكاليف البذلة والتجهيزات مكلف جدا رغم كل ذلك لا يجب أن نضع أيدينا إن كنا نرغب في تحقيق شيء ما. - هل سبق أن تلقيت دعما من جهة معينة؟ نعم. لقد دعمتني هيئة قدماء المحاربين الفرنسيين في الدارالبيضاء ومؤسسة ساغا للتواصل، التي كانت تسهل مهمتي من خلال العطل والترخيصات التي تمنحها للمشاركة والاستعداد، فضلا عن أنها احتضنتني في رحلتي لعبور مضيق جبل طارق، و كذا سبور بلازا التي منحتني اشتراكا مجانيا لمدة عامين دون أن ننسى الجامعة الملكية للرياضة للجميع، التي دعمتني من أجل المشاركة في بطولة العالم لQالترياتلون» في بودابيست الهنغارية في الحادي عشر من شهر سبتمبر.
- ماهي أحلامك؟ حلمي الكبير هو المشاركة في أولمبياد 2016 وأن أكون في منصة التتويج بعون الله. ولهذا أبحث إمكانية التدرب بشكل مستمر ومتواصل في الولاياتالمتحدة في السنوات القادمة، وأتمنى أن أحصل على الدعم الكافي لأجل ذلك، وبالموازاة مع ذلك أريد ممارسة التزلج وركوب الدراجة وأنقل في نهاية مشواري ما تعلمته واكتسبته إلى الأبطال المغاربة الآخرين. - وماهي الرسالة التي ترغب في توجيهها إلى الشباب الذين يعانون إعاقة من خلال التحدي الذي خضته في مشوارك؟ أود أن أقول لكل شاب يعاني من الإعاقة في المغرب أن لا يتخلى عن دراسته ولا يختفي وراء إعاقته. نحن معاقون على المستوى البدني، لكن الحمد لله لدينا طاقة كبيرة علينا أن نخرجها، كل منا في مجاله.