في أيام قليلة متتالية، قامت كل من البحرين والكويت بسحب الجنسية من اثنين من مواطنيها على خلفيات شرحها مسؤولو البلدين وأعلنت رسميا في وسائل الإعلام. ولئن كانت بعض التعليقات وضعت ما جرى في هذين البلدين في سياق توتر سني شيعي غير مسبوق في منطقة الخليج العربي، فإنه في كل الأحوال يشكل أيضا مناسبة لطرح موضوع سحب الجنسية ومدى وجاهة اللجوء إليه. بلا شك، يعتبر منح أي دولة جنسيتها لأي كان أو سحبها منه مسألة سيادية بامتياز وعادة ما تضبطها قوانين محددة توضح شروط منح هذه الجنسية وأسباب نزعها. ويطبق ما سبق عموما على من لم يولد بالضرورة مواطنا في بلد ما أبا عن جد منذ مئات السنين، فالمغربي مثلا يولد ويموت مغربيا كما ينص على ذلك قانون المملكة، وبالتالي لا يمكن أن تنتزع الجنسية من مواطن أصلي وأصيل لا يملك جنسية أخرى ولا يعرف بلدا آخر غير الذي ولد فيه وترعرع هو وأجداده. وطالما أن إجراءات المنح والمنع معروفة قانونا، فإنه من المهم جدا الحرص على النأي بها عن أية اعتبارات سياسية أو شبهة المزاجية وتصفية حسابات. لهذا، مثلا، لم يستسغ كثير من الفرنسيين ما طرحه رئيسهم من عزم على سن قانون يجرد الحاصل على الجنسية الفرنسية قبل أقل من عشر سنوات إذا ما تورط في مخالفات قانونية معينة، لأن ذلك يطعن في الصميم المساواة أمام القانون، حيث إن الفرنسي الأصلي يمثل أمام المحاكم لمحاسبته عن أي جرم اقترفه فيما يجرد الآخر من الجنسية كعقوبة تمييزية. ولا بد هنا من الاعتراف بأن منح الجنسية أو نزعها ما زال في بلادنا العربية يخضع لسياقات سياسية ظرفية أكثر من الخضوع لقوانين محددة تسن وفق الأصول وفي غير مناخ التوتر والأزمات. لعل البعض ما زال يتذكر، مثلا، كيف أن النظام السابق في العراق أبعد الآلاف من مواطنيه بحجة أنهم من التابعية الإيرانية، فوجدوا أنفسهم فجأة في بلد قد يكون أغلبهم لا يعرف عنه شيئا، كما أن قضية الجنسية الأردنية لذوي الأصول الفلسطينية غالبا ما تعود وتختفي وفق تقلب الأجواء السياسية في هذه المنطقة المتقلبة أصلا. وفي تونس، مثلا، لم تجد بعض الأصوات من وسيلة للتعبير بها عن سخطها الشديد على مطربين تونسيين توجهوا قبل أشهر قليلة إلى إسرائيل لإقامة حفل موسيقي ليهود من أصل تونسي وهتف أحدهم بحياة نتنياهو سوى المطالبة بسحب جنسية هؤلاء، وهي خطوة لم يعرف لها تداول من قبل في البلاد. كما أن توترات عربية ثنائية لم تخل هي الأخرى من اللجوء إلى سحب الجنسيات كما حصل في فترات معينة بين الكويت والعراق أو في السنوات القليلة الماضية بين قطر والسعودية، فضلا عن سحبها من معارضين خليجيين في الخارج. وحتى في بلد يزعم أنه الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فقد طالبت بعض الأوساط اليمينية المتطرفة بسحب الجنسية من نواب عرب في الكنيست الإسرائيلي بدعوى معاداتهم للدولة وتعاطفهم مع مناوئيها. وفي دول الخليج العربية، يطرح موضوع التجنيس وسحب الجنسيات بكثير من الحساسية والتحفظ، فقد شاع أن الجنسية تعطى كمكرمة، لكنها قد تسحب في أي وقت ولأسباب غير معلنة أو معللة بالضرورة. وعدا حالات الآلاف ممن يوصفون ب»البدون» في هذه المنطقة - والذين توجد خطط لمعالجة وضعياتهم المعقدة والمزمنة وإن كانت تسير ببطء شديد - فإن موضوع التجنيس يطرح أحيانا كحل لمعالجة اختلالات سكانية يشهدها هذا البلد أو ذاك، ولو أنه وصل أحيانا إلى ما سمي في البحرين مثلا بالتجنيس السياسي. باختصار، سحب الجنسية سلاح خطير بيد الدولة لا بد من التريث في استعماله ومن التثبت مليا من وجاهة اللجوء إليه، لأن أي تعسف في هذا الشأن أو إسراف لا يمكن إلا أن ينقلب على الدولة نفسها ويهز ثقة المواطنين في عدالتها، وربما حتى في الإخلاص في الانتماء إليها، وهذا هو الأسوأ على الإطلاق.