بعيدا عن قضايانا الداخلية، وعن أحداث جوارنا المغاربي القريب، تنقل الأخبار هذه الأيام حراكا سياسيا ساخنا وسجاليا في الكويت، على خلفية إقدام السلطات هناك على سحب الجنسية من ناشط شيعي مقيم خارج البلد. وذلك بسبب تصريحات له اعتبرت مسيئة للسيدة عائشة زوجة النبي (صلعم)، ما أفضى إلى توترات داخلية بين الشيعة والسنة، جعلت رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح يتدخل، ويصرخ بقوة : «إن السكين وصلت للعظم «، محذرا من «فتنة مذهبية «. المتابعون للحياة السياسية في الكويت، من خلال ماتنقله القنوات الفضائية، يحتفظون في ذاكرتهم فقط بمشاهد الصراخ بين أعضاء مجلس الأمة، وتواتر ما يسمى هناك باستجوابات الوزراء من طرف البرلمان، لكن الكثيرون لم يعودوا يذكرون في المنطقة العربية أن الكويت شهدت تاريخيا تجربة سياسية متميزة عن باقي بلدان الخليج، ما يجعل واقع التردي الحالي أمرا مؤسفا. لقد عرفت الكويت التنظيمات السياسية منذ الثلاثينيات، كما أنها بقيت باستمرار بلدا منفتحا، وهو ما لم يستطع بروز النفط أن يغيره بشكل جذري، فضلا على أن الأسرة الحاكمة هناك مختلفة، واستطاعت أن تجعل المرونة والقابلية للتغيير من سمات النظام السياسي في الكويت. من جهة ثانية، فبالرغم من كون التجربة البرلمانية الكويتية تناهز نصف قرن، فإن العملية السياسية تصطدم بتحديات هيكلية، منها: استمرار التنظيمات السياسية في العمل على أساس طائفي، فضلا على أن تطورات المحيط الإقليمي والدولي دفعت إلى تغيير ميزان القوى لفائدة تيارات طائفية وأصولية، بات المراقبون يعتبرونها ترهن المؤسسات والمسيرة الديمقراطية برمتها، وهنا الدرس البارز فيما يحصل هناك. إن تطوير الديمقراطية يمر عبر تعزيز المواطنة، وتحديث الفضاء المؤسساتي، وتقوية الأحزاب، ورفض تشكيلها على أساس طائفي أو عرقي. أما الدرس الثاني، فهو أن رفض اللعب على الوتر الطائفي أو المذهبي أو الديني بصفة عامة، ليس رغبة في «نقاء» مجرد، إنما الأمر يعني تحصين المجتمع وحماية مسيرة التحديث والاستقرار والتنمية فيه. إن إشعال الفتنة الطائفية لا يعني فقط الكويت هذه الأيام، إنما الخطر موجود في البحرين أيضا، وهو كامن في السعودية، ويتجسد بشكل مأساوي في العراق يوميا، ولا يعدم جنونا في باقي المنطقة... بلدان الخليج تواجه تحديات أكثر جدية، وتستحق منها المزيد من التحديث والديمقراطية، والبداية هي أن ترفض الطائفية، وتحتمي ب...العقل.