سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
باتريك هايني : خطة حرق القرآن عمل استفزازي يدخل في إطار مطالبة الإسلام بملاءمة قيمه مع القيم الغربية قال إن الاستفزازات الإيديولوجية ضد الإسلام تندرج في مجال الزمن الإعلامي لما بعد 11 شتنبر الذي حرر الطابوهات في التعاطي مع المعطى الديني
يعتبر الباحث في الشؤون الدينية، باتريك هايني، أن تهديد القس الأمريكي تيري جونز بحرق نُسَخ من المصحف لا يدخل في إطار «صدام حضارات»، كما ذهب البعض إلى ذلك، بقدر ما هو نوع من «الاستفزاز» المبني على نظرة دينية متشنجة إلى الديانات الأخرى، وانعكاس لمناخ الإيديولوجيا الغربيةالجديدة، التي تسعى إلى تطويع الإسلام وملاءمته، قسرا، مع القيم الغربية. ويرى الباحث أن الحل للخروج من المأزق الديني في العالم العربي الإسلامي هو تجاوز السياسي للديني وتطور الممارسة الدينية. ويتحدث باتريك هايني، كذلك، عن ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، التي انتشرت في الغرب، بشكل سريع، في الفترة الأخيرة، ويطرح مجموعة من الأسئلة ذات العلاقة بطبيعتها وبحدود اعتبارها حركة عنصرية، وذلك من زوايا متعددة. المقال كتبه هايني بالعربية، التي تَعلّمها في إطار تسهيل فهم المجال العربي الإسلامي وضبطه أكثر. - لا شك أنك تتبعت مجريات موضوع تهديد القس الأمريكي تيري جونز بحرق نُسَخ من المصحف في ذكرى أحداث 11 شتنبر.. كيف يرى مثقف مثلك من خارج العالم الإسلامي هذا التهديد؟ أعتبر أن هذا الفعل ليس فعلا منعزلا عن سياق عام، وإن كان فعلا استفزازيا مرتبطا بشخصية تيري جونز، الذي استطاع أن يفرض نفسه على واجهة الساحة الإعلامية العالمية، رغم أن أتباعه لا يتجاوزون بضعة عشرات. ويشكل هذا الفعل، في نظري، مؤشِّرا على التغييرات التي طرأت على مستوى التعامل مع الإسلام في الغرب. فبينما كان يُنظر إلى الإسلام، إلى تاريخ قريب، من خلال حركة الهجرة ومسألة اندماج المجموعات الاجتماعية، صار يُنظَر إلى الإسلام، اليوم، من الزاوية الإيديولوجية المرتبطة بملاءمة القيم مع المجال الغربي. فجميع الخلافات حول الإسلام ذات طبيعة مذهبية، كما أن النقاش حوله من نفس الطبيعة، إذ إن التساؤلات حول الإسلام تدور حول الإسلام ووضعية المرأة (قضية البرقع)، الإسلام و«توسعه» (قضية منع المآذن في سويسرا). فالإسلام حل محل المهاجر، ليصبح الدين في قلب الجدال. يتعلق الأمر، اليوم، بمسألة تمتد من النقاش الفكري العقلاني لتطال حدود السخرية المشبوهة (الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية)، مرورا بالهجوم العقلاني والاستفزاز الإيديولوجي (قضية فيلم «فتنة» في هولندا وخطة حرق القرآن في أمريكا). أعتقد أنه إذا كان النقد، حتى الحاد منه، هو امتداد تاريخي لنقد المعطى الديني، الذي يميل أكثر، في ظل المجتمعات الغربية «المُدَنْيَوة»، إلى اعتبار الإسلام هو التهديد الأساسي لها، فإن الاستفزازات الإيديولوجية تندرج، بشكل واضح، في مجال الزمن الإعلامي لِما بعد 11 شتنبر، الذي حرر الطابوهات في معالجة المعطى الديني. - اعتبر البعض أن خطة القس جونز تأتي لتُعزِّز نظرية صدام الحضارات التي قال بها صامويل هانتينغتون. هل تتفق مع هذا الطرح؟ لا أتفق مع ذلك، لأسباب متعددة، أولا، لأن «الحرب الصليبية» ضد الإسلام، التي يقودها البعض، بعيدة عن أن تشكل الإجماع. وقد لمسنا ذلك في الرفض والتنديد اللذين قوبل بهما الإعلان عن خطة جونز، بما في ذلك الرئاسة الأمريكية والقيادة العليا لجيوش التحالف في أفغانستان. يحيلنا الأمر على مبادرة منع المآذن في سويسرا، التي رُفضت من قِبَل غالبية الطبقة السياسية، الحكومة، البرلمان، الكنائس والمجتمع المدني، لكنها فرضت نفسها، لأن الخطاب الشعبويّ يقدم وصفات بسيطة لأشخاص غالبا ما يكونون في وضع لبس وحيرة. فضلا على ذلك، يجب أن نلاحظ أن القطبية ضد الإسلام تتم انطلاقا من مواقف إيديولوجية هي نفسها متناقضة، بشكل عميق. فما قام به تيري جونز يندرج في إطار حرب الديانات. وكل الصحف، التي أعادت نشر الرسومات الدانماركية فعلت ذلك من باب التضامن مع صحيفة «Jyllands Posten»، باسم الدفاع عن حرية التعبير، في حين نجد أن حرية التعبير هذه يناقضها خطاب منع البرقع في فرنسا، وهو الخطاب الذي يهاجم الإسلام باسم الدفاع عن القيم الفرنسية، التي يعني بها الفرنسيون العلمانية والتي ليست، هي الأخرى، دائما ليبرالية، بل تناقض، مما لا شك فيه، النظرة الاجتماعية التي يتبناها القس تيري جونز. ما نلمسه، إذن، هو نوع من «التضامن حول نقد الإسلام بدون اتفاق شامل حول أسس هذا النقد» وليس «صداما بين حضارات». من جهة أخرى، يجب أن نُذكّر بأن نُسَخا من المصحف سبق حرقها في الولاياتالمتحدة، واعتُبرت تلك الأفعال، في حينها، مجردَ أحداث صادرة عن أناس غير متوازنين ولا تستحق الاهتمام. أما اليوم، فهناك نوع من البناء العالمي للإسلاموفوبيا، الذي يكشف عن مشكل جديد. - هل يمكن اعتبار حملات اليمين الحاكم في فرنسا ضد الغجر الروم والفرنسيين من أصول أجنبية وجها من أوجه الخوف من الإسلام (بالنسبة إلى الجالية المسلمة) ومن الأجنبي، بصفة عامة؟ لا. أعتقد أن فرنسا ساركوزي هي فرنسا «مصنوعة» على السياسة الفرجوية، في سياق الهوس الهوياتي الناتج عن طبيعة النظام وبعض النُّخَب الفكرية في البلاد. يهدف هذا السياق الأمني إلى فرض صورة قوية، تزرع الطمأنينة والارتياح في بلد يبحث عن نفسه. فالضواحي هي الأخرى، كما الروم، تعاني من هذه السياسة، لأنها تحمل الفرجة. وتتجلى الفرجة في القرارات الكبرى، في الترحيلات والتصريحات التهديدية التي تهدف إلى إضفاء المصداقية على صورة القبضة الحديدية للحكومة. لكن في كل فرجة، هناك دائما جرعة قوية من الخداع. - هل يمكن القول إن الفكر التنويري، الذي يمثله ثلة من المثقفين العرب في أوربا (مالك شبل، الراحل محمد أركون، هشام جعيط، عبده الفيلالي الأنصاري...) يعاني من محدودية الانتشار والتأثير أمام قوة الفكر الأصولي المتطرف أم إن المشكل في عقلية وواقع العرب والمسلمين، بشكل عام، أم إن هناك قصورا في الفكر الغربي يجعله غير قادر على فهم الثقافة العربية الإسلامية؟ هذه نقطة مهمة. أعتقد أن الخوف الذي يثيره الإسلام الآن يعود السبب فيه كذلك إلى القوى الإسلامية المهيمنة اليوم. ولا يتعلق الأمر بالفكر الجهادي فحسب، بل أيضا بالسلفية في صيغتها الصوفية وببعض المفكرين أو زعماء الإخوان المسلمين، الذين تحمل بعض خطاباتهم ما يثير الخوف عند الغربيين، خاصة ما تعلق بالحديث عن التوسع الإسلامي أو بموقفهم غير الواضح من الديمقراطية. أُذكِّر هنا بنموذج الشيخ القرضاوي، الذي سبق له أن صرح بأن غزو الغرب سيتم بطريقة سلمية!... أمام هذه القوى، التي تنتمي كلها إلى الأرثودوكسية الإسلامية، يبقى مفكرو إسلام الأنوار، الذين تحدثت عنهم، مهمَّشين. هم يعانون، قبل كل شيء، من مشكل يتعلق بطبيعة ما يجتهدون فيه وقدرته على الاستقطاب. فما هو ناجح على المستوى العالمي في ما يتعلق بالدين هو الإيديولوجيا أو كل ما هو عاطفي ووجداني. ونذكر هنا فكر حسن البنا، مثلا، وعمرو خالد. المفكرون الذين تحدثت عنهم يعانون، أيضا، من مواجهتهم مع حقيقة تاريخية لأرثودوكسية إسلامية متجذرة ومعززة بكل الانتماءات الإيديولوجية، سواء تعلق الأمر بالاستغلال الذي تقوم به الدول للدين أو بالمعارضات الإسلامية لهذه الدول. شخصيا، لا أرى أن «النور» سيأتي من السعي العقلاني للإسلام المتنور، بل من نتائج التجاوز السياسي للديني ومن المفارقات الموجودة في مفهوم شمولية الإسلام، وهو ما سيقود إلى إعادة اكتشاف مجال خاص بالممارسة الدينية المحضة. هذا من جهة. من جهة أخرى، أعتقد أن «النور» سيأتي من الممارسة الدينية نفسها، الآخذة في التقدم نحو الأعراض الكبرى للحداثة السوسيولوجية (الفردانية، انعتاق النساء، الابتعاد عن المشاريع الإيديولوجية الكبرى، الخروج من الهوس الهوياتي). (*) باحث في معهد «روليجيوسكوب» المتخصص في مقاربة الشأن الديني عبر العالم، فريبورغ (سويسرا)