التقيتُها، صدفة، في سوق ممتاز حين تصادمت عربتانا... إنها «ليلى»، التي عرفتُها منذ ثلاث وعشرين سنة، لما كنا نقتسم المدرّج في السنة الأولى في شعبة طب الأسنان.. تعرفت عليها بسهولة، بحيائها المعهود وحجابها الفضفاض وحركاتها البطيئة، كأن الزمن لم يغير فيها إلا بعض التجاعيد حول العيون.. ترددتْ قليلا، ثم تبسمتْ في وجهي وقالت: «مصطفى؟!».. قلت: «ليلى؟»!.. تبادلْنا التحية وسألتْني عن الشغل والعائلة والأطفال... ولم يكن لسؤالي نفس الوقع عليها، لأنها «صبغت» ابتسامتها بالصُّفرة: «ليس لدي أطفال!» بادرتها: «وهل المشكلة تخصك أم تخص الزوج؟» فقالت: «بل تخص الزوج، لأنني لم أتزوج بعد!».. حاولت تغيير وجهة الحديث وقلت: «هكذا أفضل.. راحة البال والحرية، وإن شاء الله تتزوجين قريبا».. انشرحت لسماع الدعاء... وتابعتُ سائلا: «وما هي أحوال العمل والصحة؟».. -بالنسبة إلى العمل، أجابت، الحمد لله.. وأما الصحة، فأنا منذ شهور أتناول دواءً».. عرفت من اسمه أنه للاكتئاب النفسي.. تبادلنا أرقام الهاتف وتوادعنا.. تساقطت الأفكار على ذهني، كزخات مطرية قوية، وأنا أتأمل حال «ليلى»... لماذا لم تتزوج؟.. وكيف أصيبت باكتئاب نفسي وفيها كل ما يتمناه شاب يريد الإحصان؟... التدين والجمال والعلم والمال وحسن الخلق، من حياء وأدب وصدق... ولم أهتدِ إلى إجابات مُقْنعة.. وتذكرت مختلف الدراسات الاجتماعية التي تحدثت عن تأخر الزواج لدى الشباب والشابات وأسبابه ونتائجه... هناك دراسة فريدة ومهمة تُثبت حقائق مفصلية عن دور الزواج في مقاومة الاكتئاب النفسي. أنجزت هذه الدراسةَ جامعةُ نيويورك وصاحبها هو كْلاب، عام 2002 وتضمنت الحياة الجنسية لقرابة 300 سيدة. وتوصلت إلى حقيقة أن النساء اللواتي يمارسن الجنس بشكل منتظم وبدون عازل طبي أي بقذف مهبلي للمني، يقاومن الاكتئاب والانتحار بشكل كبير ولمدة أطول من اللواتي يمارسن الجنس بالعوازل الطبية أو لا يمارسن الجنس بتاتا... كما خلُصت الدراسة إلى أن مكونات المني يتم عبور جزء مهم منها جدارَ المهبل ليصل إلى الدورة الدموية. ويحتوي المني على هرمونات عديدة وفيتامينات وأملاح معدنية وسكريات متنوعة، كما أنه غني بالبروتينات والصوديوم،.. ويشبه مفعول المني الدواء المضاد للاكتئاب، كما أثبتت الدراسة أن أخذ جرعات من المني بشكل منتظم عن طريق القذف المهبلي يُولِّد لدى المرأة «إدمانا» على الجنس، فتصبح أكثر طلبا للمعاشرة وأكثر تعلقا وحبا للزوج!... ولن أتحدث طبعا عن الزوبعة التي أثارتها الدراسة، حيث اتُّهِم صاحبها بتعريض الشباب للأمراض المنتقلة جنسيا، وعلى رأسها السيدا، بحثا عن المفعول السحري لماء الرجل الحيويّ.. وقبل هذه الدراسة، كنا نعلم، علمَ اليقين، أن الأمومة والزواج هما النواة الصلبة التي ينبني عليها التوازن النفسي للمرأة، قبل الرجل، وليس من نافلة القول التأكيد أن «الرجل حصن أمين عامر بالمودة والرحمة تسكن إليه المرأة.. والمرأة واحة ظليلة عامرة بالمودة والرحمة يسكن إليها الرجل. المرأة، مع زوج صالح: حديقة وارفة تعطي وتزهر بالعطاء. المرأة، من دون زوج: زهرة مهمَلة تفتقد إلى الماء... وإنما تبرز عظمة المرأة وتتألق في صحبة رجل صالح، فتكون شمسا تضيء وحمامة ترفّ وزهرة تفوح»!... يقول مات رادلي: «لولا الجنس بين الذكر والأنثى لَما بُنيت دُورُ العبادة أو قامت الأهرامات، ولا أُبدِعت أعذب الألحان وأجمل الشِّعر.. ولو أن الطيور وُجدت بدون جنس، فلن نسمع شدو البلابل ولا هديل الحمام».. إن سعادتك وشفائك يا «ليلى» هو الزواج... أدعو لك بزوج صالح، في أقرب الآجال... ملاحظة لا علاقة لها بما سبق تهم الملاحظة موضوعَ الأسبوع الماضي، الذي كان في الحقيقة عبارة عن نصيحة لزوجة تَعرَّف زوجها على «حب جديد» بعد الأربعين، فنصحتها بأن تختار بين ثلاثة أمور: إما أن تكون زوجة أولى مع أخرى، أو زوجة مع عشيقة، أو مطلَّقة. فاختارت المسكينة الخيار الأول، على مرارته. وبعد شهور، تعرف «مراهقنا الكبير» على امرأة ثالثة وتشبث بها وهو يساوم على الزواج منها..! هؤلاء المراهقون الكبار لا أحد يفهمهم...