قام تسعة أشخاص، أغلبهم رجالات دين، باعتصام صيام لمدة تسعة أيام، بزنقة إدوار هنريو المحاذية لمجلس النواب، احتجاجا على مشروع قانون الهجرة الذي سيعرضه إيريك بيسون، وزير الهجرة والهوية الوطنية والاندماج، يوم 28 شتنبر، على أعضاء البرلمان. وتعتبر هذه المبادرة واحدة من بين عشرات المبادرات الأخرى التي أطلقتها جمعيات حقوقية أو منظمات مناصرة لقضايا المهاجرين. ولا يمكن التكهن بحجم ومدى وقعها السياسي بعد التصويت على المشروع. على أي، لا زلنا في بداية مشوار طويل يتناوب، بل يتنافس، على جبهاته كل من بريس أورتفوه، وزير الداخلية، وإيريك بيسون، وزير الهجرة. في البداية، وفي الوقت الذي كان فيه بيسون يرتب لمراسيم زواجه، أمسك بريس أورتفوه بالملف. ونعرف، اليوم، الكسور التي ألحقتها طريقة تسييره بصورة فرنسا. لكن بيسون لم يلبث أن استعاد الملف ليدمج الغجر في مشروع أشمل، يعرض اليوم على البرلمان ويقوم على شعار: «الطرد والمزيد من الطرد». ولإعطاء البرهان على أنه التلميذ النجيب لسياسة الأرقام التي سنها نيكولا ساركوزي -القائمة على الرفع سنويا من سقف أعداد المطرودين، على اختلاف أصولهم وجنسياتهم- أخرج إيريك بيسون آلته الحاسبة لضرب الأخماس في الأسداس وكأن المهاجرين قطيع من الماشية. وجاءت الأرقام التي قدمها على الشكل التالي: عام 2009 تم إيقاف 96109 مهاجرين في وضع لا قانوني. شملت عملية «الإبعاد» 85101 شخص، فيما تمت «مرافقة» 29288 شخصا إلى بلدانهم الأصلية. لكن هذه الأرقام تقلصت هذه السنة، وبالتالي لم تشف غليل بيسون، لذا سيوفر له مشروعه الجديد فرصة جديدة لإحكام «الزيار» على الأجانب، بمن فيهم الفرنسيون المنحدرون من أصول عربية. وبشأن خطورتها، تمس الإجراءات التي يتضمنها المشروع الجديد بحقوق كانت إلى الآن ميزة سياسية وحقوقية وأخلاقية لفرنسا، مثل صيانة الحياة العائلية وعدم التفرقة بين أعضائها، واحترام كرامة المواطن بتوفير حق استنفاد السبل القضائية قبل الطرد، واحترام حق اللجوء السياسي،... إلخ. وفي ديباجة معقدة وضعت بغاية التمويه، شدد المشروع، الذي يقع في 84 صفحة، على أربع توصيات: تخص الأولى ما يسمى ب»الرجوع»، أي عودة الشخص المطرود مجددا إلى التراب الفرنسي. ففي ظل المشروع الجديد يمنع العائد، في حالة اعتقاله، من الدخول إلى التراب الفرنسي، بل الأوربي بكامله، لمدة خمس سنوات. وتهم التوصية الثانية دور قاضي الحريات والحجز الذي يخول له القانون اليوم الحق في التدخل خلال 48 ساعة بعد اعتقال أي شخص يوجد في وضعية لا قانونية. أما المشروع الجديد فقد مدد فترة التدخل إلى خمسة أيام، أي بعد أن يكون القاضي الإداري قد حكم بطرد «المتهم»! والإجراء الثالث الذي راجعه المشروع هو ما يعرف ب«جنحة التضامن»، أي معاقبة الأشخاص الذين يوفرون المأوى للمهاجرين السريين. هكذا يهدف المشروع الجديد إلى تغيير روح التضامن ليحول المواطنين إلى وشاة! أما التوصية الرابعة فهي إنشاء «بطاقة زرقاء أوربية» تمنح للراغبين في الهجرة إلى فرنسا، شريطة توفرهم على مؤهلات وكفاءات مهنية رفيعة، وعلى تجربة لا تقل عن خمس سنوات في ميدان عملهم، ومعنى ذلك هو محاربة هجرة «لخماج» و»امتصاص الأدمغة».. إنها روح سياسة «الهجرة المنتقاة» التي دعا إليها ساركوزي لما كان وزيرا للداخلية والتي يترجمها اليوم مشروع تلميذه النجيب إيريك بيسون. وإلى الآن استقطب الغجر والرحل (وهم فرنسيون يتنقلون عبر فرنسا بل أوربا لحط الرحال جماعيا في مكان وزمان محددين قبل «هز قلوعهم» في اتجاهات أخرى) اهتمام الإعلامَين والرأيين العامين الوطني والدولي. من الكنيسة إلى الجمعيات الحقوقية والمدنية، مرورا بمساندة وتوقيعات شخصيات فنية وسياسية، حتى فيديل كاسترو أدلى بدلوه في الموضوع متحدثا عن «هولوكست» مارسته فرنسا في حق الغجر.. انتفض الغرب إذن لأسباب دينية وتاريخية وثقافية لنصرة الغجر كشريحة من المواطنين، هم أوربيون وكاثوليك وغربيون قبل أن يكونوا سعاة أوربا ومشرديها. ولا أعتقد أن المهاجرين المسلمين، من أفارقة وعرب وأتراك وأفغان، الذين ستشملهم قادما كماشة بيسون بعد مصادقة البرلمان على المشروع، سيحظون من الغرب بنفس حجم المساندة والدعم الذي حظي به الغجر، على الرغم من أن المهاجرين العرب والمسلمين، سواء في بلدانهم أو في بلدان المهجر، كانوا ولا يزالون غجر الغجر!