لم يتمكن المغرب من المشاركة في حرب 1967 ضد إسرائيل إلى جانب مصر وبعض الدول العربية الأخرى، فقد كانت لديه آنذاك خلافات سياسية كبيرة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي رفع لواء الفكر القومي وكان يقف على طرفي نقيض من الملكية في المغرب والمملكة العربية السعودية بالخصوص، لكن الذين عايشوا تلك المرحلة يقولون إن المغرب، من باب رفع العتب، أرسل في الساعات الأخيرة تجريدة عسكرية عبر التراب الليبي إلى مصر للقتال ضد الإسرائيليين، غير أن خبر الهدنة بين المتحاربين نزل قبل أن تتجاوز التجريدة المغربية ليبيا. وتعتبر حرب أكتوبر 1973، المعروفة بحرب رمضان، المحطة العسكرية العربية الكبرى التي استثمر فيها الحسن الثاني عسكريا، كرد فعل على وضع سياسي متوتر في الداخل والخارج. فبعد اختطاف المهدي بن بركة، زعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية القوي آنذاك والمعروف على النطاق العربي، ردت دمشق بإغلاق السفارة المغربية في سوريا بعد أن تعرضت للتخريب على يد المتظاهرين الذين خرجوا للشارع منددين بجريمة الاختطاف ثم الاغتيال، لذا انقطع حبل الود بشكل نهائي بين الحسن الثاني والرئيس السوري حافظ الأسد. ولم يكن ذلك هو الحدث الوحيد بين المغرب وبلدان ما كان يسمى بالطوق العربي، وبينها مصر وسوريا، بل كانت هناك أيضا انتقادات قوية للملك الراحل بسبب استقباله لموشي دايان، الذي كان وزيرا للدفاع بين 1967 و 1974 في إسرائيل، وذلك عام 1970 بمدينة طنجة بحضور حسن التهامي الذي سيصبح فيما بعد مستشارا للرئيس المصري أنور السادات، وعبد الرحيم بوعبيد من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي كان عضوا بالأممية الاشتراكية إلى جانب حزب العمل الإسرائيلي الذي ينتمي إليه دايان. أما على الصعيد الداخلي، فقد تعرض الحسن الثاني لمحاولتين انقلابيتين عامي 1971 و 1972، الأمر الذي أظهر نظامه على المستوى العربي وكأنه نظام معزول داخليا وخارجيا، وقد عكس الملك الراحل هذا الواقع في حوار أجراه في تلك الفترة مع يومية «لوموند» الفرنسية، ردا على سؤال بشأن ما يمكن أن يفعل في حال لم يجد شخصا يعطيه الوزارة الأولى، بعد حالة الاختناق السياسي في البلاد ومقاطعة الأحزاب للقصر، فرد الحسن الثاني قائلا: «عندما أكون في حاجة إلى وزير أول سأعين سائقي الخاص». في تلك المرحلة جاءت حرب أكتوبر لكي تمنح الحسن الثاني فرصة لتطبيع علاقاته مع الحكام العرب في معركة عسكرية كانت الأنظمة العربية تراهن عليها كثيرا للانتقام لهزيمة 1967 المدوية، حيث تم إرسال تجريدة عسكرية تتكون من ثلاثة فيالق، كل واحدة منها تتشكل من 20 جنديا، تحت إمرة الجنرال عبد السلام الصفريوي. ويقول الضابط المغربي محجوب طوبجي، في كتابه «ضباط صاحب الجلالة»، إن الملك الحسن الثاني أراد، من خلال إرسال تلك التجريدة العسكرية، وضع الرئيس السوري حافظ الأسد «أمام الأمر الواقع»، وإن العقيد الليبي، معمر القذافي، أنفق ملايين الدولارات في حرب إعلامية ضد المغرب لكي ينشر فكرة أن إرسال تلك التجريدة «لا علاقة لها بأي حرب متوقعة ضد إسرائيل». ويضيف محجوب طوبجي، الذي رافق التجريدة المغربية وكان مساعدا للجنرال الصفريوي، أن الحسن الثاني شخصيا هو الذي اختار الصفريوي لقيادة التجريدة المغربية إلى سوريا، بينما كان باقي الجنود فيها متطوعين، في الوقت الذي يقول البعض إن الحسن الثاني أرسل في التجريدة المغربية بعض الضباط بهدف التخلص منهم، بعد المحاولتين الانقلابيتين للجنرال المذبوح عام 1971 والجنرال أوفقير عام 1972. في شهر يونيو من عام 1973 اجتمع الجنود المرشحون للذهاب إلى الجبهة السورية في أهرمومو، إلى جانب حوالي عشرين من الحرس الملكي، لتلقي تدريبات على الأسلحة الروسية الجديدة والاستعداد للقتال. طبعا سيكتشف العرب فيما بعد أن الأسلحة التي أمدهم بها الاتحاد السوفياتي كانت أسلحة فاسدة، مثلما حصل في حربي 1948 و1967. وفي 26 يونيو انطلق أفراد التجريدة المغربية عبر وجدة على متن القطار إلى وهران، واستمرت الرحلة إلى سوريا أسبوعا كاملا على متن سفينة روسية، ويروي محجوب طوبجي في كتابه أن قيادة التجريدة المغربية كانت تتخوف من أن تكتشف المخابرات الإسرائيلية خبر توجهها إلى سوريا وأن تقوم بقصف السفينة في البحر. بعد انتهاء الحرب وإرجاع الجنود المغاربة المجروحين في المعارك في 15 نوفمبر 1973، يحكي طوبجي أن الحسن الثاني غضب غضبا شديدا من الجنرال الصفريوي بسبب عدم إخباره سلفا بموعد بدء الحرب، لكن الصفريوي رد عليه بأنه لم يكن واثقا من وسائل الاتصال التي كانت موضوعة رهن إشارته، بسبب التخوف من اكتشافها، وبأنه لم يكن يريد إفساد العملية العسكرية التي كانت القيادة العسكرية المشتركة المصرية السورية قد وضعتها بعد أشهر من العمل والتخطيط، فرد عليه الحسن الثاني قائلا: «كان عليك أخذ الطائرة والمجيء لإخباري»، مضيفا أنه بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية كان ينبغي أن يعرف توقيت المعركة ووضعية جنوده في الحرب.