هناك مسرحية شهيرة للكاتب الإيرلندي صمويل بيكيت اسمها «في انتظار غودو». شخصيات هذه المسرحية تجلس طوال الوقت في انتظار شخص اسمه «غودو» من أجل تخليصها من آلامها ومعاناتها، لكن «غودو» لن يأتي أبدا. سكان طنجة هذه الأيام يشبهون أبطال هذه المسرحية، حيث يجلسون وينتظرون شيئا لن يصل أبدا. فقبل بضعة أشهر جاءت إلى طنجة لجنة من وزارة الداخلية للبحث والتقصي حول أسباب تحول المدينة إلى الرقم الأول وطنيا في مجال خروقات العقار. ومنذ ذلك الوقت لم يسمع أحد عن تلك اللجنة ولا عن تقريرها. إنها لجنة صارت شبيهة ب«غودو». السكان كانوا يعتقدون وقتها أن هذه اللجنة ستعود إلى الرباط وستضع بين أيدي المسؤولين هناك هذه الفضائح العقارية المروعة الموجودة في طنجة، وأن من يهمهم الأمر لن يتأخروا لكي يزلزلوا الأرض تحت أقدام وحوش العقار، وها هي الأيام والأسابيع والشهور قد مرت، ولا أحد ظهر: لا تقرير اللجنة ولا مسؤولو الرباط ولا مسؤولو جزر الواقواق. كثير من الطنجاويين لا يصدقون أن اللجنة ماتت هي وتقريرها، بل يعتقدون أنها ستظهر مجددا، ولا يفرقون بين ظهورها وبين ظهور المهدي المنتظر، وأن المسألة تتعلق بالوقت فقط. لكن طنجاويين آخرين يقولون إن لجنة وزارة الداخلية انتهت إلى الأبد، ويتداولون في ذلك إشاعات كثيرة، بما فيها إشاعة تقول إن أعضاء تلك اللجنة، ومباشرة بعد أن عاينوا تلك «المصائب الكْحلة» من خروقات البناء، قرروا وضع حد لحياتهم ورموا بأنفسهم في البحر، لذلك لم يعد يسمع عنهم أحد. الإشاعة الثانية تقول إن أفراد اللجنة، وبعد أن شاهدوا الفوضى العارمة في العقار بطنجة، أصيبوا بدوخة مزمنة، ومنهم من أصيب بالجنون، وأنه أثناء عودتهم إلى العاصمة رموا تقريرهم في بئر ثم صعدوا جبلا للتصوف. أما الإشاعة الثالثة فتقول إن أعضاء اللجنة، وبعد أن رأوا ذلك العجب من تجبر وطغيان المنعشين العقاريين وتواطؤ رجال السلطة والمنتخبين، اعتقدوا أن طنجة مدينة تعيش خارج كل القوانين المعمول بها عالميا في مجال العقار، لذلك مزقوا تقاريرهم لاقتناعهم أنها ستكون بلا فائدة، لأنه لا معنى من إنجاز تقارير حول الخروقات في مدينة تعيش أصلا خارج القانون. وعموما، فإن هذه الإشاعات ليست بعيدة عن الواقع، لأن من يطلع على واقع الخروقات العقارية في طنجة إما أنه سيصبح مجنونا أو سينتحر أو سيطلع الجبل ويترك الدنيا وما فيها. وكدليل واحد فقط على مصيبة العقار في طنجة ما قام به الوالي محمد حصاد مؤخرا، حين استفاق أخيرا من غفوته وقرر أن يقاضي المنعشين العقاريين الذين ارتكبوا مخالفات عقارية، أي أولئك الذين فعلوا ما شاؤوا في طنجة إلى حد أن السكان كانوا يتساءلون: هل يوجد مسؤول ما في طنجة لكي يمنعهم؟.. فلا يجدون جوابا. والي طنجة بقراره متابعة المنعشين العقاريين قضائيا أعطى الدليل على أنه تعرض للدغة قوية من ذبابة «تْسي تْسي» المعروفة بأنها تصيب من تلسعه بنوم طويل قد لا يستفيق منه أبدا. وهكذا فإن الوالي ظل نائما منذ جاء إلى طنجة، وظلت وحوش العقار تلعب قربه وتفعل ما تشاء، إلى درجة أن الناس كانوا يعتقدون أن الرجل ربما يكون قد أكل شيئا ما من تلك الأشياء التي يأكلها الواحد ثم يدخل مباشرة عهد «لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم». اليوم إذا أراد الوالي حصاد أن يتابع كل الذين ارتكبوا مخالفات عقارية في عهده فسيكون مطالبا بفتح معسكرات اعتقال شبيهة بمعتقلات الحرب العالمية الثانية، لأن المتورطين يعدون بعشرات الآلاف، بينهم الكثير جدا من القياد والمقدمين وغيرهم من رجال السلطة. أما إذا قرر أن يهدم المباني المخالفة للقوانين، فإنه سيحتاج إلى جيش جمهورية الصين الشعبية، لأن عدد المباني التي تخرق القانون في طنجة لا تقل عن 30 ألف بناية، ويمكن الرجوع إلى كلام وزير السكنى نفسه، الذي قال إن أزيد من نصف البناءات في طنجة مخالف للقوانين. أين كانت إذن جحافل أعوان السلطة وأفرادها من مقدمين وقياد و«خْليفات» وباشوات أمام كل هذا السعار العقاري في طنجة كل هذه السنوات؟ ألا يصيب كل هذا بالجنون؟ إذا كان الوالي حصاد منطقيا فليرفع دعوى قضائية ضد نفسه.