لما انفجرت فضيحة بائعة الهوى، زاهية ديهار، على خلفية تورطها في صفقات جنسية مع بعض لاعبي الفريق الوطني الفرنسي لكرة القدم، سارع الإعلام، المكتوب، المرئي، المسموع والإلكتروني، إلى نسبتها لأصول مغربية. ولم تتردد المواقع الالكترونية الجزائرية في الركوب على الموجة، مرخية العنان لتعاليق استهزاء وتشف دسمة في حق النساء والفتيات المغربيات لكونهن «عاهرات بالسليقة» وبكون الدعارة «تربية وثقافة في المملكة». ولما انكشفت الحقيقة وتبين أن زاهية من أصل جزائري، صححت بعض الصحف مثل جريدة «لوموند» الخبر، فيما خرست تعاليق هذه المواقع ولم تشر إلا فيما ندر للأصول الجزائرية لما أسماه البعض «القنبلة التي شوهت صورة كرة القدم في فرنسا». على مستوى المغرب، كنا ننتظر رد فعل حازم من طرف السلطات المغربية لطلب اعتذار أو إصدار بيان تكذيب للدفاع عن شرف المرأة المغربية، غير أن ذلك لم يتم. ولم يضع افتضاح سر زاهية حدا لمخطط محبوك الخيوط والحلقات تحركه أطراف خفية تسعى إلى تشويه صورة المغرب والنيل من سمعته. وقد ركبت بعض دور النشر الفرنسية التيار للترويج لكليشيهات تشويه صورة المرأة المغربية. وهكذا حدس الناشر الفرنسي «بلون» أن البغاء «على الطريقة المغربية» يمكن أن يستغل كمادة مربحة. لذا أصدر شهادة بعنوان «الجنس و المدينة» بتوقيع (ليلى. ب) (259 صفحة)، وهو استعادة لعنوان السلسلة الأمريكية الشهيرة. ابنة الشعب التي أصبحت جليسة الحريم السعودي وقد ألبست (ليلى. ب) جلد مغربية سليلة عائلة فقيرة عرفت بؤس الصفيح بمدينة الدارالبيضاء. وعلى الرغم من ظروف الحرمان، نجحت في إنجاز دراستها الجامعية. وفي غياب تحقيقها لحلم المحاماة، أصبحت مضيفة لا لتعاطي البغاء حسب التصور السائد، بل لكسب لقمة العيش. «رغبت في أن أصبح محامية كي أنتقم من الأوغاد والعتاة الذين يتجبرون في أحياء القصدير. فالشهادات التي حصلت عليها هي بعدد أحمر الشفاه التي تتوفر عليه بعض الفتيات، حتى وإن كان أحمر الشفاه أنجع من أي ديبلوم». ولما شرعت في البحث عن عمل، ألمح لها المحامون أن عليها إن رغبت في الحصول على وظيفة أن تؤدي المقابل جنسيا. لذا عدلت عن الفكرة لتقدم ترشيحها كمضيفة طيران. تصف الكاتبة جلسة استقبال المرشحات وقد ابتكرن هنداما لبيع صورتهن لدى مدير الموارد البشرية المكلف باستقبالهن ودراسة ملفات ترشيحاتهن: رموش مزيفة، كعب عال، تنورات قصيرة مشدودة بإحكام على الخاصرة، خصلات شعر ملونة بالأشقر، «باختصار كنا في جنة حور عدن»! وعلى الرغم من هندامها العروبي، حصلت ليلى على المنصب، الشيء الذي كان مثار نميمة حاقدة مفادها أنها استعملت السحر لغواية مدير الموارد البشرية. حصلت ليلى على الوظيفة وهي في ال25 من عمرها، وقامت بأول رحلة إلى جدة لتكتشف ضخامة المطار والمدينة. وما أن غادرت الطائرة حتى ألقت بالخمار على رأسها، وكانت في انتظارها سيارة لمرافقتها للفندق، وهو عبارة عن مجمع خاص بالمضيفات. مدت يدها لتحية السائق، فاكتفى بالرد شفويا. ولمدة شهر تابعت دروسا في الأمن والإنقاذ، وفي اللغة الإنجليزية، والثقافة العامة، ثم في القواعد الرئيسية التي يجب احترامها داخل المملكة: عدم الخروج في ثياب غير لائق أو اصطحاب رجل لا تربطه بها علاقة قرابة، عدم استهلاك الخمور، عدم استقبال رجل في غرفة الفندق... وهكذا تفرغت ليلى للعمل حتى لا تخيب آمال العائلة. جمانة مفتاح الحريم خلال إحدى رحلاتها، تعرفت على جمانة، امرأة سعودية دون الثلاثين، تعيش، مثل بقية الأرستقراطيات السعوديات، في قصر شاسع يعمره الخدم. توطدت العلاقة بينهما لتصبح ليلى جليستها برفقة مجموعة من السعوديات يعشن في حلقة مفرغة ويتآكلهن السأم والعزلة. تصبح (ليلى. ب)، الوافدة من المغرب، والتي تتنقل بكل حرية عبر العالم، نافذة إغاثة وفي نفس الوقت شهرزاد الحريم. تسرد عليهن حكايات العالم الطافح بالحياة، الحب، المغامرات، الدسائس. لكن طلباتهن تدور وتتركز حول النساء المغربيات: لماذا يتعاطين البغاء والسحر؟ ما سر جاذبيتهن؟ هل لديها وصفات جاهزة لتحقيق المعجزات في السرير كما هو شأن المغربيات؟ وبما أن هؤلاء النساء يغدقن عليها الهدايا، فإن ليلى لا تتردد في إفراغ كل ما في جعبتها عن الرجال والنساء المغربيات. أما هي فتقدم نفسها كنموذج للعفة والاستقامة والوفاء لزوجها الموظف السامي بوزارة الخارجية المغربية. مخافة أن تلفظها هؤلاء السعوديات من حلقتهن المغلقة، لا تعارض ليلى ما يروج عن النساء المغربيات. تنقل إليهن المناخات الحميمية لقصور ورياضات مراكش وفاس وفيلات الدارالبيضاء. و تمرر بالمقابل نفاق المجتمع السعودي «المثخن ظاهريا بالدين، لكن ممارسة رجاله ونسائه وشبابه هي على طرف نقيض من مبادئه». معززة بهذه التجربة، قررت ليلى إذن تدوين شهادتها. في تقديم الكتاب، تشير ليلى إلى أنها نادت على صديقتها فاطمة لتعرب لها عن قرارها في تدوين تجربتها عبر شهادة ذاتية ولتطلب نصيحتها أيضا، و اقترحت عليها فاطمة تحريرها باللغة العربية. وبما أن ليلى لم تكن على دراية بهذه اللغة، فقد سجلت شهادتها على حلقات. بعد أسبوعين كانت المادة جاهزة على أشرطة كاسيت. بعد ذلك تكلفت صديقتها بإفراغ المادة وإعداد المخطوط الذي انتهى بين يدي الناشر الفرنسي. تقف (ليلى. ب) على وضع المرأة السعودية لتشير إلى أن الصورة الرائجة في أذهاننا عن المملكة السعودية هي أنها «بيت الله»، و لاحقا مررت الكتب المدرسية صورة لبلد يعتبر فيه المواطنون نسخة مطابقة لصورة الملك فيصل. لكن في هذه الصورة لا وجود للنساء. فالمرأة السعودية إذن كائن لامرئي وليس من السهل التعرف عليه. الكل يعلم أنهن لا يخرجن إلا نادرا وإن حصل ذلك فبمرافقة وصي يتقدمهن في الشارع. فيما بعد علمت أن المضيفات الأجنبيات قلما خالطن نساء سعوديات، كما أنه قلما دخلت مضيفة جوية بيتا سعوديا، بحكم أن البيوت موصدة في وجه الأجانب. «ولولا الصدفة التي جمعتني بجمانة لما أمكن لي معاشرة سعوديات ينتمين إلى المجتمع الفوقي». وهكذا، تتابع ليلى، «دخلت أركان مجتمع لم تكن لي به سوى دراية سطحية والذي تتعارض واجهته الرزينة القاتمة والفحولية مع داخله المعقد». كيف تعرفت ليلى على جمانة بعد سنة من الخدمة المتفانية على متن الخطوط الجوية السعودية، عينت (ليلى. ب) رئيسة طاقم بالدرجة الأولى. «كنت على رأس سرب من الغزلان أصلهن من المغرب العربي، أوروبا وآسيا. منهن من كانت تبحث عن الشهرة أو عن المال، فيما كانت الأغلبية تبحث عن رجل العمر». تعودت ليلى على ظروف الطيران الصعبة. ولما كانت تعود إلى السعودية، تمتثل للطقوس والقواعد الجاري بها العمل في البلد. في الدرجة الأولى، تقتضي التعليمات بأن تلبى رغبات الزبون، الذي عادة ما يكون من العائلة الملكية، من كبار رجال الأعمال أو السياسة... وفي إحدى الرحلات الرابطة بين باريس وجدة، لما اقتربت الطائرة من النزول، طافت على المسافرين لمعاينة الوضع حين لاحظت امرأة منقبة تجلس إلى مقعد اعتقدت أنه كان مشغولا. ولما لاحظت الأمر على السيدة أخبرتها هذه الأخيرة بأنها ذهبت للمرحاض لتغيير ملابسها. أدركت ليلى خطأها حين انتبهت إلى أن السيدة كانت بلباس عصري ولما اقتربت الطائرة من النزول من جدة، توجهت إلى المرحاض لتغيير لباسها وارتداء لباس سعودي تقليدي. ولما عرفت المسافرة أن المضيفة مغربية، تقربت إليها. قبل نزول الطائرة، مدت إليها رقم هاتفها النقال. وهكذا توطدت بينهما علاقة صداقة دامت سنوات. وفي أحد الأيام دعتها جمانة إلى زيارتها في بيتها. «في كل المرات التي أدخل فيها بيت جمانة ينتابني شعور بأنني أقوم بدور في أحد الأفلام المصرية. جمانة ليست كبقية السعوديات. في البيت هي امرأة عصرية، تلبس الجينز و«التيشورت»، وتعري شعرها القصير فيما الجائز هو الشعر الطويل. كما أنها فرضت على زوجها ممارسة مهنة، وهو مطلب كان سببا في صراعات بينها وبين عائلتها وعائلة زوجها. وتحت التهديد، نجحت في فرض بعض شروطها، حتى وإن اكتشفت فيما بعد بأن زوجها تظاهر بإرضائها لا غير. وتعرفت ليلى بالمناسبة على صديقات جمانة من الأرستقراطية السعودية اللائي يجتمعن تقريبا يوميا لقتل الوقت في القيل والقال. رفقة هذه السيدات يدور الحديث إما حول موضوع الطبخ أو موضوع الخدم غالبا. وهي المرة الأولى التي تتابع فيها نقاشا عن الخدم بهذه الكيفية. الفرق بين الطريقة التي يتحدث بها المغاربة والسعوديون عن الخدم، هو أن هؤلاء لا يستخدمون خادمة أو خادمتين كما هو الشأن في المغرب، بل فريقا بأكمله، وافدا من إريتريا، مصر، الفلبين، السودان. وخلال نقاش مع صفية، وهي خادمة فلبينية، أخذت ليلى صورة دقيقة عن وضعية الرق التي يعيشها الخدم الأجنبي في المملكة. أخبرتها أنها تركت زوجها المستبد في الفلبين وأطفالها لتصل ضمن قافلة من الخدم إلى السعودية. وللعثور على عمل، يمر الخدم عبر ضمانة كفيل يتعهدهن مقابل حصوله على 200 ريال سعودي للشخص. ومن بين ما اكتشفته ليلى كذلك سأم السعوديات. حتى الأطفال يعهد بهم إلى الخدم. وعليه تجد المرأة هنا نفسها وحيدة أمام عزلة قاتلة. تلفيق زاده الخيال المشكل، وقد وقفنا على هذا التلفيق بعد تحقيق بالقرب من الناشر، هو أن كل العناصر المؤلفة لهذا الكتاب مغشوشة ولقيطة: من الكاتبة إلى مضمون الشهادة، مرورا بصورة الغلاف الذي يعرض علينا صورة فتاة محجبة، فيما هي فرنسية ألبست خمارا وكحلت عيناها بالريميل. على مستوى التوقيع، لجأ الناشر لخدمة «زنجية»، أو ما يعرف بالفرنسية Nègre لتوضيب حكاية تتوفر على كل عناصر ومستلزمات ما هو رائج عن المرأة المغربية والحريم السعودي. وفي فرنسا ثمة تقليد أدبي مؤداه أن يكلف شخص يطلق عليه «زنجي» بكتابة مذكرات شخصية لمشاهير الفن والسياسة. وبعد تحريات بالقرب من الناشر، اكتشفنا أن (ليلى. ب) لا تعدو كونها «زنجية» مستأنسة بالمغرب وبما يشاع عن المغربيات، ولم تجد عناء في لبس جلد مغربية. ولإدخال توابل التشويق على الشهادة تقمصت دور مضيفة مغربية تعمل على متن الخطوط الجوية السعودية! وكونها تعمل لدى السعوديين معناه أن المضيفة المغربية «تطير» جنسيا. في هذه الرسالة نية مبيتة خبيثة واضحة. الخلاصة هو أن الفتيات المغربيات تحولن إلى ممسحة لأقدام كل من هب ودب. فصلن بالجملة على مقاس وصورة بعض النعاج التائهات، ليعرضن ك«منحلات» و«بائعات هوى». وفي هذا الخلط سعي مبيت إلى النيل من سمعة المرأة ومن سمعة البلاد.
ليلى تقوم بدور شهرزاد الحريم السعودي لم تلبث ليلى إذن أن فهمت أن هؤلاء النساء ينتظرن منها أن تقوم بدور البهلوان المهرج الذي تعهد له مهمة الفرجة والتسلية، وهن يدخن النرجيلة، ويستمعن إلى حكايات الخارج الذي يتعذر عليهن ولوجه. في مخيل هذه النساء، يبقى المغرب مثار جاذبية قصوى. حتى وإن لم تكن لهن دراية بالبلد، فقد أخذن فكرة بالسماع عن سمعة الدارالبيضاء، طنجة وخاصة مراكش. يؤكدن الحديث أيضا على حق المرأة في العمل والسياقة حتى وإن كانت للمغربيات سمعة راسخة، إذ أحد المداخل الاقتصادية الرئيسية للبلد مرده العهارة. وفي معرض الحديث توجهت فرح مخاطبة ليلى بقولها: «بترول المغرب هو البغاء مع ميزة أنه غير ملوث!». فكرت ليلى في الرد على هذه الملاحظة النابية لتفسر لفرح بأن الأزواج الوافدين على المغرب من السعودية يأتون «للتزود بالوقود»، في غياب إشباع رغبات زوجاتهم، وبأنه في المغرب لا يرجمون البنات بحجة ممارستهن للجنس مع الرجل...غير أنها فضلت الصمت. بصحبة هذه النساء، أدركت أنها أخضعت لاختبار دقيق هو الذي يحدد مدى قبولها داخل الجماعة أم لا. وهكذا أخضعت لسلسلة أسئلة عن زميلها المغربي المضيف، عشاقها المحتملين، الوصفات السحرية لأسر الرجال، لماذا وكيف أصبحت مضيفة، الخ... على النقيض من ذلك تعرفت ليلى خلال هذه النقاشات على بعض أسرار المجتمع السعودي وتناقضاته مثل تفشي الجنسية المثلية في الخفاء حيث يعقد شباب سعودي لقاءات في بعض المقاهي الخاصة، أو البغاء الآسيوي المنتشر في المملكة. بالمقابل قدمت لصديقاتها السعوديات، وهذا ما كن يترقبنه، بعض الوصفات والمقالب التي تلجأ إليهن المغربيات لكسب العيش. قصت عليهن حكاية أختها الطالبة الجامعية التي كانت تمول دراستها بممارستها الجنس مع فرنسي، وقد ظهرت الموضة في الدارالبيضاء في اسم «الاشتراك»، أي أن الطالبة، مقابل 200 أورو، تتردد على الزبون لمضاجعته مرتين في الشهر. أثارت هذه الفرمولة إعجاب السعوديات التي يستشف من فضولهن أنهن على استعداد لممارسة نفس الشيء. نلمس هنا تحت غطاء الحشمة والعفة، التي تلتف بها هذه النساء، نزوعا مبطنا إلى الانحراف والفضول. هذا ما أراد الكتاب توصيله كرسالة. في الحريم أو بالأصح داخل سجن الحريم، يصبح الهاتف النقال صلة الوصل بين الداخل والخارج. إذ تقيم النساء علاقة استعباد. وفي العلاقات الغرامية يبقى الهاتف النقال الوسيط الأمثل لنسج الغزل، بل ممارسة الجنس من بعيد! من خلال رحلاتها الجوية لباريس، دمشق، بيروت، صادفت ليلى بائعات هوى مغربيات تركن البلد والعائلة بحثا عن الجاه والمال. وفي كل مرة كانت تعاين نفس البؤس الفكري والنفسي ونفس الشراهة. بعد خمس سنوات من الخدمة المتفانية، تلتحق ليلى بالمغرب لتفتح محلا لبيع المجوهرات بعد أن تزوجت من موظف سام أنجبت منه طفلين. وفي الإهداء، ووفاء لذكرى صديقاتها السعوديات، كتبت (ليلى. ب) هذه العبارة: «إلى صديقاتي في مدينة جدة. إلى نساء المغرب وإلى كل نساء مدن العالم».