لا يمكن فصل هذه الفرقة الشيعية الكبيرة عن شخصية زيد بن علي، فهو مؤسسها وإمامها الأول. وإن كانت جماعات من الأتباع قد ابتعدت -قليلا أو كثيرا- عن بعض آراء الإمام الأول. زيد بن علي هو زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عليه وعلى آبائه السلام. ولد بالمدينة، ونشأ بها، وبها تلقى أولى دروسه في الحديث والفقه، عن أبيه خاصة. ثم في شبابه زار العراق، ودرس علم الكلام، واتصل هناك بالمتكلمين، من معتزلة وغيرهم. وفي التواريخ أن زيدا تتلمذ على واصل بن عطاء، وهو آنذاك من أبرز رؤوس المعتزلة.. حتى إن أخاه محمد الباقر أنكر عليه ذلك، وقال له: كيف تقرأ عمن يجوِّز الخطأ في حروب جدك. وكان واصل، رحمه الله، يقول: إن أحد المعسكرين المتقاتلين في حروب الجمل والشام مخطئ، لكنه غير معين. ويرى الشيخ أبو زهرة أن لقاء زيد بواصل لم يكن لقاء علم وتعليم، بل كان أقرب إلى لقاء الأقران في المذاكرة والمناقشة. كان زيد، رحمه الله، كثير السفر بين الحجاز والعراق، فكان يقيم به مددا طويلة، فعرفه وعرف أهله. ويبدو أن هذه الأسفار -مع جلالة زيد، وعلمه، وفضله- أثارت مخاوف وشكوكا في نفس الخليفة هشام بن عبد الملك. ويحكي المؤرخون أن الخليفة استفز زيدا لما قصده في دمشق وزاره بها.. فخرج زيد إلى الكوفة، وأعلن الثورة على الخليفة، ودعا إلى العمل بالكتاب والسنة. وللأسف أن أهل الكوفة كرروا السلوك نفسه والخطأ نفسه مع جده الحسين، فقد خذله هؤلاء الجبناء، بعد أن أغروه بالخروج وشجعوه عليه، فبدؤوا ينسلون من معسكره واحدا بعد واحد، على مر أيام المواجهة، وفي النهاية ما ثبت معه إلا أقل من مائتين.. قُتل أكثرهم، وقتل معهم زيد شهيدا، رضي الله عنه. وبهذا تكررت القصة الحزينة نفسها في حوالي نصف قرن، إذ قتل زيد سنة 122ه. قصة زيد مع اسم الرافضة ويبدو أن بعض هؤلاء الذين طالبوا زيدا بالثورة، إذ عجزوا عن القتال والنضال، واثّاقلوا إلى الأرض.. توصلوا إلى حيلة ينفضون بها عنه ويتركونه لمصيره الحسيني. فقبيل المواجهة، وبعد أن بايعوا زيدا، قالوا له في ما يرويه الطبري عن الراوي الشيعي أبي مخنف: «رحمك الله، ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيرا. قالوا: فلم تطلب إذن بدم أهل هذا البيت، إلا أن وثبا على سلطانكم فنزعاه من أيديكم. فقال لهم زيد: إن أشد ما أقول في ما ذكرتم أنا كنا أحق بسلطان رسول الله من الناس أجمعين، وإن القوم استأثروا علينا، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، وقد ولّوا فعدلوا في الناس، وعملوا بالكتاب والسنة. قالوا: فلم يظلمك هؤلاء (أي بنو أمية)، وإن كان أولئك لم يظلموك، فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين. فقال: وإن هؤلاء ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم، وإنما ندعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، وإلى السنن أن تحيا، وإلى البدع أن تطفأ، فإن أنتم أجبتمونا سعدتم، وإن أنتم أبيتم فلست عليكم بوكيل. ففارقوه ونكثوا بيعته. وقالوا: سبق الإمام. وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي هو الإمام، وكان قد هلك يومئذ، وكان له ابنه جعفر بن محمد حيّا، فقالوا: جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه، وهو أحق بالأمر بعد أبيه، ولا نتبع زيدا بن علي، فليس بإمام. فسماهم زيد الرافضة». أما الذين بقوا أوفياء لزيد وتعاليمه، فقد سُموا بالزيدية. موقف زيد من خلافة الشيخين أبي بكر وعمر وقد لخص الشهرستاني موقف زيد رحمه الله، وأنه كان يقول: «كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الصحابة، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها: من تسكين نائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامة، فإن عهد الحروب التي جرت في أيام النبوة: كانت قريبا، وسيف أمير المؤمنين عليّ عن دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي.. فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل، ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين، والتؤدة والتقدم بالسن، والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله (ص)، ألا ترى أنه لما أراد في مرضه الذي مات فيه تقليد الأمر عمر بن الخطاب زعق الناس، وقالوا: لقد وليت علينا فظا غليظا، فما كانوا يرضون بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لشدته، وصلابته، وغلظه في الدين، وفظاظته على الأعداء..». ومن أقواله في الحرص على وحدة المسلمين: «لو أني علقت في الثريا، وقُطعت جزءا جزءا، على أن تجتمع أمة محمد(ص) لرضيت.» الآراء السياسية لزيد لكن هذا لا يعني جواز إمامة المفضول باطراد، أعني أن القاعدة عند زيد هي إمامة الفاضل، ولا تجوز عنده إمامة المفضول إلا استثناء. وربما كان يرى أنه لم يبق في المفضولين أمثال أبي بكر وعمر، فهما يستحقان هذا الاستثناء.. لكن قلما استحقه غيرهما من الخلفاء. ويرى زيد أن الخروج أي الثورة بتعبير اليوم واجب، لا جائز. ومذهبه -بالنسبة إلى إمامة آل البيت- أوسع، فهو لا يقصر الإمامة على أبناء الحسين، كما يفعل الإثنا عشرية الذين لا يعترفون إلا بذرية الحسين، ولا يأتمون منها إلا بثمانية أفراد، لا غير، وليس لأحد حق معهم، لا ماضيا ولا حاضرا ولا مستقبلا. لذلك قال له أخوه الباقر، في مناقشة جرت بينهما حول اشتراط زيد في الإمامة الخروج: على مقتضى مذهبك، فإن والدك ليس بإمام، لأنه لم يخرج قط، ولا تعرض للخروج، ولا فكر فيه. ومما تميّز به الزيدية أنهم جوزوا خروج إمامين في قطرين متباعدين، فيكون أكثر من خليفة. يتبع...