لا يزال مقتل الرئيس الأمريكي جون كينيدي، في 22 نونبر 1963 على يد قناص بولاية تيكساس، لغزا يستعصي على الأمريكيين فك طلاسمه، أو هذا ما يبدو على الأقل. ولا تزال أصابع الاتهامات تتجه، كذلك، إلى أكثر من جهة. ورغم مرور أزيد من أربعة عقود على هذه «المأساة الأمريكية»، فإن الأمريكيين لا زالوا يبدون كذلك اهتماما كبيرا بكل ما له علاقة بآل كينيدي. تعود «المساء»، على حلقات، إلى الخطوات الأولى لآل كينيدي التي شدت أنظار العالم بأسره، وليس الأمريكيين وحدهم، على مدى سنوات طويلة من القرن العشرين، نحو البيت الأبيض، وتكشف أسرار ثروتهم ونفوذهم السياسي والاقتصادي وبقية العوامل التي جعلت منهم أكثر الأسر إثارة للجدل في أقوى دولة في العالم. خطف جون جون، ابن جون كينيدي، الأنظار وكسب تعاطف الولاياتالمتحدةالأمريكية كلها حينما حيا جثمان والده بتحية عسكرية لحظة تحرك الموكب الجنائزي نحو كاثدرائية سان ماثيو في طريقه إلى المقبرة الوطنية «أرلنغتون» بمدينة واشنطن. لم يكن جون جون ابن رئيس الولاياتالمتحدة فقط، بل كان الأمريكيون يرون فيه نجل أكثر الأزواج جاذبية في البلاد كلها. وربما، لهذا السبب، ظل، طيلة حياته، «طفلا» في أعين أبناء شعبه. ظل الأمريكيون يرون فيه الطفل ذا الثلاث سنوات، الذي يلعب «كاش كاش» مع المصورين الصحافيين في المكتب الرئاسي لوالده وفي جميع فضاءات البيت الأبيض. وكانت نسبة غير يسيرة من الشعب الأمريكي شبه متيقنة من أن جون جون سيصبح يوما ما، لا محالة، رئيسا للولايات المتحدة لما ورثه عن أبويه من ذكاء وجاذبية، إلى درجة أن مجلة «تايم» الشهيرة لقبته ب«الأمير». ورغم أنه من البديهي أن يتحول اسم جون جون، بعد اغتيال والده، ليصبح «جون جونيور»، فإن كثيرين استمروا في مناداته ب«جون جون»، وكأنه لا يزال طفلا، حتى بعد أن بلغ العشرين سنة بحلول 25 نونبر 1980. كان ابن الرئيس كينيدي يريد أن يصبح ممثلا سينمائيا ونجما ساطعا في سماء هوليود، خصوصا وأنه كان، على مدى سنوات عديدة، هدفا لعدسات المصورين، وشكلت أخباره وصوره مادة دسمة لوسائل الإعلام الأمريكي بجميع أنواعه. غير أن فكرته قوبلت برفض شديد من لدن والدته جاكلين، رغم أنها أيقنت، متأخرة، أنها لن تستطيع حماية ابنيها جون جون وكارولين من فضول «الباباراتزي». امتثل جون جونيور، مرغما، لقرار والدته، وقرر أن يصبح محاميا. أخفق مرتين متتاليتين في نيل شهادة المحامي، لكن محاولته للمرة الثالثة كللت أخيرا بالنجاح، فعين نائبا للنائب العام بمدينة نيويورك. لم يأبه جون لخصوصيات عمله في سلك العدل، وواصل حياته على إيقاعات السفر والاستمتاع بالحياة. كان يمكن أن مصادفته في المنتزه المركزي، حيث يقطن مع أمه وأخته كارولين، أو مشاركته إحدى لعبه المفضلة أو تجاذب أطراف الحديث معه في الميترو. كان نجما استثنائيا يصر على أن يعيش بشكل عادي. لم ينجح في تحقيق هذا الحلم، لأن اسمه التصق بالمشاهير والنجوم، وصار ركض «الباباراتزي» خلفه لالتقاط صوره مع نجمات الغناء والسينما يزداد يوما بعد آخر. تصدرت صوره مع الممثلة داير حنا، ومادونا التي تعتبر الوريثة الشرعية لمارلين مونرو، وعارضة الأزياء الشهيرة سِيندي كراوفورد، اهتمامات الإعلام الأمريكي. لكنه، اختار في نهاية المطاف، أن يقترن بكارولين بيسيت، وهو ما أسعد كل أمريكا التي كانت تنتظر، منذ سنوات، حفيدا للرئيس كينيدي من ابنه جون. وفاجأ جون الجميع بقراره دخول غمار الممارسة الصحافية، وهو أحد صانعي الحدث في بلاد «العم سام». أسس مجلة «جورج»، فكانت البداية موفقة ومشجعة، لكن الأيام التالية لم تكن في مستوى البداية. وسرعان ما استعادت المجلة توازنها بعد أن قرر جون أن يكون الموضوع الرئيس لأحد أعدادها، أليس لصوره دور في نجاح كثير من العناوين الصحافية؟ غير أن فرحة أمه جاكي بهذا النجاح لم تدم طويلا، حيث سيعلن جون تحديا جديدا: قيادة الطائرات من أجل الطيران ومعانقة السحب في كبد السماء. ذرفت جاكي دموعا غزيرة لحظة علمها بالتحدي الجديد لابنها، ولا أحد استطاع أن يسألها عما إذا كانت تلك الدموع دموع حزن أو دموع أمّ عرفت، بحدسها الفطري، أن هذا التحدي سيتسبب في هلاك ابنها. تعلم جون قيادة الطائرات أحادية المحرك في ظرف قياسي، وصارت قيادة هذا النوع من الطائرات هوايته المفضلة، إلى أن هوت به إحداها يوم الجمعة 16 يوليوز 1999، وكان حينها في طريقه، رفقة زوجته وأختها، وجميعهم قتلوا في هذا الحادث، إلى مارثاز فينيارد بولاية «ماساشوسيتس»، لحضور زفاف إحدى قريباته. ويبدو أن كارولين، أخت جون جون، نجحت حيث فشل أخوها، ذلك أنها تمكنت من التواري خلف الأنظار ودافعت، بشراسة، عن «الحق في الحياة الخاصة»، عنوان أحد كتبها. وفيما كانت أخبار آل كينيدي تملأ صفحات «الأحداث» بالصحف والمجلات الأمريكية، وصور جون جون تتصدر صفحاتها الخاصة بالمشاهير، ألفت كارولين، التي صارت حقوقية مرموقة في بلدها، كتبا خاصة بالشباب، مع حضور متميز في عدد من المؤسسات والمنظمات، ولاسيما أن اسمها العائلي -الذي احتفظت به حتى بعد زواجها سنة 1986 من مصمم المعارض والأروقة، إدوين شلوسبيرغ- ظل يمكنها من اعتلاء مكانة متميزة في أي منظمة تنتمي إليها. بعد وفاة أخيها جون جون، باتت كارولين الوريثة الرئيسية لآل كينيدي، إلا أنها التزمت الصمت ولم تخرج عن دائرته إلا في سنة 2008 من أجل دعم باراك أوباما من خلال مقال نشرته في صفحة الرأي ب«نيويورك تايمز» تحت عنوان: «رئيس مثل أبي». كما أعلنت أواخر السنة نفسها عن ترشحها لتمثيل ولاية نيويورك في الكونغرس الأمريكي، وهو المنصب الذي شغله عمها روبير في ستينيات القرن الماضي، لكنها سحبت ترشيحها في 22 يناير 2009، ل«أسباب شخصية»، على حد تعبيرها. وتكاد كارولين تكون الوحيدة من آل كينيدي التي ينشر عنها الإعلام الأمريكي استطلاعات رأي سلبية، إلى جانب اتهامها بعدم وضوح أفكارها السياسية وترددها في اتخاذ الكثير من المواقف الحاسمة، بالإضافة إلى رفضها التصريح بحجم ثروتها التي تقدرها مصادر قريبة منها بمئات الملايين من الدولارات. فهل فقد آل كينيدي كثيرا من نفوذهم «السحري» في بلد صنعوا فيه الحدث طيلة النصف الثاني من القرن العشرين؟