كان رجال الدرك منهمكين في عملهم في عز حر الصيف في مركز المهدية الشاطئ، حينما أقبل عليهم شاب في مقتبل العمر، قبل يومين، وعلامات الارتباك والتوتر بادية على محياه، ألقى التحية والسلام، ثم صرح أمام الجميع «لقد قتلته، وما كنت لأبقيه حيا في كل الأحوال، إنه اغتصب شرفي ومرغ كرامتي في الطين». اندهش الدركيون لهذه الأقوال، وساد الاعتقاد في أول وهلة بأن صاحبها يعاني اضطرابا نفسيا، سيما أن شاطئ المهدية نادرا ما يعرف خلال هذه الفترة مثل هذه الجرائم، حيث تبقى أغلب القضايا المعروضة على المركز الأمني متعلقة بالسرقة والاتجار في المخدرات واعتراض سبيل المصطافين، قبل أن تؤخذ تصريحات الشاب »ش. ع.«، 27 سنة، على محمل الجد، بعدما ظل مصرا على أقواله، حيث ألقي عليه القبض في الحال للكشف عن المعطيات الأولية للقضية، قبل أن ينتقل الكل على متن سيارة المصلحة إلى مسرح الجريمة، بعد إشعار وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالقنيطرة، الذي أمر بوضع الظنين رهن الحراسة النظرية ريثما تتم معرفة صحة أقواله من عدمها. كان الجو يومها حاراً، والكل أخذ طريقه إلى البحر للاستجمام، قليلون هم من انتبهوا إلى وقوع جريمة قتل بشعة بالمنطقة، تحملق بضعة أشخاص حول جثة الضحية «م. ك.«، 56 سنة، أغلبهم زملاء للمقتول، يشتغلون معه في ورش بناء فيلا بمكان مجاور، وكانوا شهوداً على إزهاق روحه من طرف المتهم. لم تمر سوى دقائق معدودة، حتى أضحى المكان يعج بسيارات المسؤولين من السلطة والدرك، وبأشخاص آخرين غرباء دفعهم الفضول إلى الاقتراب أكثر من موقع الجريمة للتزود بمعلومات تشفي غليلهم قبل أن ينصرفوا إلى حال سبيلهم. بادر المحققون إلى معاينة مكان جريمة القتل، وقاموا بحجز عمود خشبي بوصفه الأداة التي يرجح أنها استعملت في ارتكاب الجريمة، إضافة إلى الاستماع في محاضر رسمية إلى إفادات الشهود الذين حضروا فصول هذه الواقعة، وأكدوا تعرض الضحية حتى الموت لسلسلة من الضربات على مستوى الرأس بواسطة عمود خشبي، دون أن تتوفر لديهم المعلومات التي قد تساعد على إزالة جزء من الغموض الذي ظل يكتنف الأسباب والدوافع الحقيقية التي كانت وراء وقوع هذه الجريمة. الظنين هو وحده فقط من تبين أنه يملك حقيقة ما وقع. ليتقرر بعد استجماع جميع المعطيات الضرورية من مسرح الجريمة استدعاء سيارة الإسعاف التي نقلت الضحية، الذي ينحدر من دوار »أولاد عبد الله« قيادة سيدي محمد لحمر إقليمالقنيطرة، إلى المستودع البلدي للأموات بالقنيطرة، في انتظار إخضاع الجثة للتشريح الطبي لمعرفة أسباب الوفاة، فيما أرجع المتهم بالقتل إلى المخفر لتعميق البحث معه، ولم يجد الدركيون أدنى صعوبة في الكشف عن خلفيات هذا الحادث، فسرعان ما شرع الظنين في إماطة اللثام عن دوافع ارتكابه لجريمته، وأسهب في ذكر التفاصيل المرتبطة بخجل كبير، وفي ظروف نفسية جد متدهورة. فصول هذه القضية انطلقت حينما حل الظنين بشاطئ المهدية قادما إليه من جماعة »عين الدفالي« إقليمسيدي قاسم، بحثا عن عمل يعينه على توفير لقمة العيش، قبل أن يلتقي بالضحية الذي وعده بتشغيله في ورش بناء فيلا، حيث يعمل هو أيضا، فتم الأمر وفق ذلك. تعرف المتهم على باقي أصدقائه في الورش، وكله أمل في أن ينخرط في اليوم الموالي في عمله الجديد، ليجني منه مالا يلبي احتياجاته الضرورية. ووفق ما كشف عنه المتهم خلال مرحلة البحث التمهيدي، فإن الضحية بادر إلى دس قرص مخدر في فاكهة »البطيخ الأحمر« وناولها إياه، حيث أكلها بنهم شديد، ولم تكد تمر سوى دقائق حتى أحس بأنه منخور القوى ومنهك الجسد، ليغط في سبات عميق، لم يستفق منه إلا على وقع الفضيحة، حسب تصريحاته في محاضر الدرك، التي كشف فيها أنه وجد نفسه عاريا من الأسفل، وآثار سائل أبيض لزج على تبانه، مما يشير إلى تعرضه لاعتداء جنسي حسب قوله، انتفض واقفا، ثم أسرع كالأحمق إلى خارج فناء الفيلا التي توجد في طور البناء، وغادر إلى مدينة سلا، خشية الفضيحة، قبل أن يعود إلى عين المكان، ونادى على الضحية، ثم انهال عليه حتى الموت بعمود خشبي يستعمل في عملية التسقيف، وترك جثته مضرجة في بركة من الدماء، قبل أن يتوجه إلى مركز الدرك معترفا بجريمته، وظل يصرخ بأعلى صوته من داخل زنزانته »حتى ولو بقي على قيد الحياة سأقتص منه وسأقتله إلى أن أشفي غليلي منه«.