هناك معارك وثورات مشهورة في التاريخ السياسي للمغرب، بعضها يعرفه أغلب المغاربة، ولكن معظم تلك المعارك وخلفياتها و حيثياتها تخفى على الكثيرين ابتداء من الحرب التي قادها القائد الأمازيغي يوغرطة ضد روما، مرورا بحروب وثورات وقعت في العصور الوسطى، وانتهاء بمعارك العصر الحديث. ومن خلال هذه الرحلة عبر عدد من المعارك والثورات، تتوخى «المساء» أن تلقي الضوء على تلك المعارك والثورات، شخصياتها، وقائعها، وبالأخص تأثيرها على المسار السياسي للمغرب. الصحراء لم تكن في يوم من الأيام أرضا خلاء، ولكن سكانها كانت لهم دائما علاقات ولاء مع السلطة المركزية المغربية. وعلاقات الولاء هاته لم تكن فقط ذات طبيعة دينية كما اعتقد حكماء المحكمة الدولية في منتصف السبعينيات عندما عرض عليهم مشكل الصحراء المغربية، بل ذات طابع سياسي أيضا، وهذا هو خطأ هؤلاء الحكماء الذين كانت لهم نظرة مركزية أوربية ولم يتعاملوا مع الأمر وفق القوانين الإسلامية السائدة في المغرب (انظر في هذا الصدد الكتاب الأخير للباحث السوسيولوجي المغربي محمد الشرقاوي الصادر في عدة لغات تحت عنوان «الصحراء: الروابط الاجتماعية والرهانات الإستراتيجية»). كانت الصحراء في الماضي ولازالت العمق الاستراتيجي للمغرب، وهناك عائلات وقبائل حكمت المغرب أتت من الصحراء، وهذه حقائق تاريخية لا جدال فيها. بدأ الصراع على الصحراء المغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر. كانت فرنسا وبريطانيا وإسبانيا تحاول أن تحصل على نصيبها في الصحراء. عمل السلطان المولى الحسن الأول على القيام بجميع المحاولات وعبأ كافة الإمكانيات المتاحة له كي يواجه التحديات الخارجية. حاولت بريطانيا أن تستولي على طرفاية، ولكن القبائل ثارت بناء على نداء من السلطان. وقامت إسبانيا بشراء أراض في وادي الذهب. عندما احتلت إسبانيا مدينة الداخلة عام 1884، لم تقبل السلطة المركزية المغربية بهذا الاحتلال، وثارت في وجهها، ومن أهم الثورات تلك التي قادها الشيخ ماء العينين، الذي كان يحظى بدعم مالي ومعنوي من السلطان المغربي، كما أنه كان يعترف بسلطة السلطان العلوي، بل شارك في حفل الولاء الذي أقيم بمناسبة تنصيب المولى عبد العزيز سلطانا على المغرب. ولد الشيخ محمد المصطفى، المعروف باسم بماء العينين والمنحدر من أسرة إدريسية، سنة 1931 م ببلاد الحوض بموريتانيا. وكان جد هذه العائلة الأكبر الشيخ الطالب المختار قد غادر شمال المغرب مهاجرا إلى بلاد توات بموريتانيا، إبان انهيار الدولة الإدريسية، وبالتالي هاجرت هذه الأسرة بعد ذلك إلى بلاد التكرور وشنقيط. عرف عن الشيخ ماء العينين أنه كان مقاوما، ولكن عرف عنه أيضا علمه وورعه وتواضعه. وقد خلف وراءه كتبا كثيرة، من بينها «دليل الرفاق على شمس الاتفاق»، و«نعت البدايات»، و«فاتق الرتق على راتق الفتق»، و«تبيين الغموض عن نعت العروض»، و«حزب البسملة»، و«المقاصد النورانية»، و«مفيد الحاضرة والبادية»، و«مظهر الدلالات»، و«المرافق على الموافق»، و«هداية من حار في أمر النصارى»، وغيرها من الكتب والمؤلفات. بفضل الأموال التي كان يرسلها السلطان المغربي إلى الشيخ ماء العينين، استطاع هذا الأخير أن يقف في وجه إسبانيا، وبفضل الدعم الذي كان يتلقاه أيضا استطاع أن يفرض نفوذه على مناطق شاسعة من الصحراء المغربية، وكان يديرها باسم السلطة المركزية المغربية، بل إن الشيخ ماء العينين استقبل السلطان بالسمارة بحضور ممثلين عن قبائل الركيبات وتكنة. وعندما عزل السلطان المولى عبد العزيز وتولى السلطة مكانه السلطان المولى عبد الحفيظ في شهر أكتوبر عام 1908، توجه الشيخ ماء العينين إلى فاس، التي كان السلطان الجديد محاصرا فيها من أجل مساعدته. إلا أنه اصطدم في الطريق بالجيش الفرنسي ودخل معه في حرب دامت شهرين (يونيو ويوليوز 1910)، ولكن الشيخ ماء العينين مني بهزيمة، وقد توفي في نفس العام بتزنيت وبها دفن، مخلفا ثروة هائلة من المؤلفات وذكرا حسنا في النفوس. ظلت إسبانيا في المناطق الساحلية ولم تتمكن من تطويع الصحراويين الذين ظلوا يقامون. ولم تتمكن إسبانيا من التغلل في الصحراء إلا بعد الاتفاق مع فرنسا وتحالفهما ضد ثورة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف, فتمكنت من احتلال السمارة سنة 1936 بعد صراع دام وطويل مع قبائل الركيبات.