سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد مفتاح: «تذرعت في رفض تثبيت قنبلة موقوتة في باخرة بعدم إتقاني السباحة».. اضطررتُ للسرقة رفقة باطما وبوجميع من فرط الجوع واكتشفنا أن المسروقات معلَّبات للكلاب!...
بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... بعد سنوات من التحاق الممثل الكبير محمد مفتاح بمسرح الطيب الصديقي، استقبل المسرح ذاته، ما بين 1968 و1969، بعض الأسماء المنتمية إلى فرقة «رواد الخشبة»، من بينهم عمر السيد، بوجميع والعربي باطما.. وأنتجت بعض المسرحيات الشهيرة، من بينها «الحراز»، وهي المسرحية التي عُرِضت في فرنساوالجزائر وكانت بداية مسار «الغيوان» الحقيقي... عن هذه المحطة، يقول الفنان محمد مفتاح: «في سنة 1970، اتجهنا إلى فرنسا لتقديم ثلاثة عروض اقترحتها منظمة اليونسكو، وفي الطريق حدثت طرفة مع عمر السيد، إذ حمل معه الأخير «باليزا ديال الحمّام» جمع فيها أغراضه، وحينما رآها بوجميع قال: «واش عارفْ بأننا غاديينْ لفرنسا ماشي للحمام؟!».. فعمد السيد إلى رمي «الباليزا» من نافذة القطار.. ومن طرائف الرحلة كذلك أننا دخلنا عبر الجزائر، وقرر الصديقي أن يعرض «الحراز» في عنابة، شرق الجزائر، وأظن أننا عرضنا على نفس الخشبة التي قتل فيها بوضياف، وأثناء العرض، وفي أحد المشاهد التي أقول فيها: «وعساكْ يا قاضي...»، كان من المفترَض أن يدفع عمر السيد وبوجميع العربة التي أجلس عليها إلى الأمام، إلا أنهما أعاداها إلى الخلف، وهذا ما جعلني أفقد توازني وأتهاوى، مما سبب لي كسرا في اليد اليمنى.. فرافقني الزوغي إلى المستشفى، إذ كان الزوغي رئيسا للفرقة في غياب الطيب الصديقي، إلى جانب أنه كان بمثابة الأخ الأكبر.. إضافة إلى كل ذلك، طبعت لقاءَنا مع بودية حكاية خطيرة ومهمة في مسار مسرح الصديقي وفي مسار الأغنية الغيوانية»... عن هذا اللقاء، يقول محمد مفتاح: «بعد عرضنا المسرحية المتفقَ عليها مع اليونسكو، اقترح علينا بودية -وهو فرنسي من أصل جزائري كان يشتغل لصالح منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا- أن نبقى في فرنسا، وكان بودية هو من شغَّل أحمد الناجي في مسرح «مالاكوف».. بعد هذا الاقتراح، أعطى بودية للعربي باطما العنوان الذي سيلتقيان فيه، كما منحني عنوانا آخر، وأتذكر أن العنوان كان (90، زنقة موزار)، حينما قصدت العنوان المذكور، فتحتْ بابَ الشقة شابة فاتنة الجمال.. كان جمالها من نوع لا يقاوم.. أتذكر أنني كنت أحمل «بْلاستيكا كْحلا»، فتناولتْها مني، وأدخلتني إلى الحمام وأكرمت وفادتي، بكل ما يفترض الظرف والفضاء.. وقضيت معها 9 أيام كاملة نتبادل فيها الحلو والمر، وبعد انقضاء المدة، التقينا بودية وسألني: «واش أنت مرتاح مع «شانطال؟» -اسم الشابة التي أقمت عندها- وحينما دخلت غرفة العربي، وجدته «مبرّْع» كذلك.. في تلك اللحظة، قال باطما: «ناري، كيفاشْ غادي نْخلّصوهْ»!؟.. بعد ذلك، أسَرَّ لنا بودية بما يخفيه وما يتطلب علينا فعله، فكانت المفاجأة أكبر من مفاجأة الإقامة وذلك «الاحتفاء» الأنثوي الجميل»... مفاجأة يقول عنها محمد مفتاح: «بعد أن تأكد بودية من أننا حظينا بإقامة ممتعة، ذكر أنه يود أن أقوم له بمهمة (mission)، وقال إن سيارة ستُقِلُّني إلى «مارسيليا» وتوصلني إلى الميناء، وفي الساعة التاسعة مساء، أضاف بودية، سيدلك شخص على باخرة، وستعمد إلى تثبيت «شيء» سيُسلَّم لك (قنبلة موقوتة) في إحدى جنبات الباخرة، وتعود، دون مشاكل، حسب تعبيره.. سألت عن موضع الباخرة، فقال إنها تبعد عن الرصيف بكيلومتر، وهذا معناه أن أسبح للوصول إليها وأسبح بعد ذلك للعودة، مما يعني أنني سأسبح مسافة كيلومترين كاملين.. أخبرته بأنه لا يمكنني أن أفعل ذلك، فقال إن الأمر يتعلق بعمل وطني وقومي لصالح فلسطين، فرددت عليه: «أنا مع القضية الفلسطينية، لكنني لا أستطيع السباحة كل هذه المسافة!».. بعدما سمع ردي، قال بسرعة ودون تردد: «au revoir».. قلت للعربي: أنا لن أقوم بهذه المهمة، فعبَّر بدوره عن رفضه تنفيذ المهمة، فغادرنا معا.. وحينما ذهبنا إلى حيث كنت أقيم مع «شانطال»، بدأت أطرق الباب، لكنها رفضت أن تفتحه، وهذا يعني، بشكل نهائي، أنني لن أتمكن من استرداد حاجياتي ومقتنَياتي الخاصة، وهذا مرتبط بموقفي رفض القيام بالمهمة التي كلفني بها بودية، فعدنا إلى بوجميع»... ويواصل محمد مفتاح النبش في ذكريات السفر الشهير إلى فرنسا قائلا: «عندما ذهبنا إلى بوجميع، وجدناه يأكل «جوج بيضات في أومليط».. تذكرت الأيام الجميلة في بيت «شانطال».. وتحت وطأة الجوع ، قررنا أن نذهب إلى «سِيبِّيرْ مارشي» لتدبُّر حالنا، وبمجرد ما دخلنا، شرعنا نبتلع «الفْرماج» والحليب.. كان هذا شيء مقبولا في تلك اللحظة، لأننا كنا نريد فقط أن نسكت جوعَنا.. أثناء المغادرة، بحثنا عن حيلةٍ لأخذ بعض الأكل معنا، وأتذكر أن أحد جيوب معطف (مونطو) العربي باطما كان كبيرا.. أخذنا ندخل فيه الأشياء التي سرقناها، ولحظة الخروج من «السّيبّيرْ مارْشي»، كنت أسير في جناح وعمر السيد في جناح، في الوقت الذي كان العربي باطما يتوسطنا، وبحكم أن «بْواطات» المسروقات كانت مدسوسةً في جيب المعطف السفلي، فلم تضبطها إشارة المراقبة التي كانت تركز، آنذاك، على الجانب العلوي من الجسد، وهو الشيء الذي خول لنا «خطف» العديد من المصبّرات والمعلَّبات التي كنا نأمل أن نُدبِّر بها أمرَنا لعدة أيام، ولكن الشيء الغريب أنه حينما قصدنا مقر إقامتنا وفتحنا المعلَّبات، اكتشفنا أنها خاصة بالكلاب والقطط!.. وبحكم قساوة الهجرة السرية (حْرْكنا).. بدأنا نبحث لأنفسنا عن حل لأزمتنا المالية. في تلك الفترة، قررنا، بحكم انتمائنا إلى الحي المحمدي، أن ننشط «حْلقة».. اتجهنا إلى مركز ل«الحْلاقي» في منطقة «تروكاديرو» في الدائرة ال16، وبدأنا ننشط الحلقة ونجني بعض الفرنكات.. كنت مكلفا ب«البْندير» وكان بوجميع يحمل الدعدوع، في الوقت الذي كان باطما ينقر على «الطام طام»، قبل أن نقرر العودة إلى المغرب، حاملين فكرة تأسيس مجموعة «ناس الغيوان»، التي عشنا إرهاصاتها الأولية في باريس!»... يتبع