للحدث السياسي دائما أكثر من وجه وأكثر من قراءة، وله أيضا أكثر من استعمال، إن لم نقل أكثر من استغلال. من هنا، فإذا كان إطلاق سراح الكولومبية الفرنسية إنغريد بيتانكور، المرشحة الرئاسية السابقة في كولومبيا، بعد ست سنوات من الأسر، بالنسبة إلى المراقبين السياسيين الدوليين، فرصة لدراسة تطور حركة «فارك» الثورية اليسارية في علاقتها الدموية بالحكومة الكولومبية، فإنه أيضا فرصة للظهور بالنسبة للبعض، والقلة القليلة فقط يكون الحدث بالنسبة إليها ذا دلالة حقيقية تمسها بشكل مباشر. الصحافيون مثلا، شكل حدث إطلاق سراح السيدة بيتانكور بالنسبة إليهم مناسبة لنفخ بعض الحرارة في صيف بارد إخباريا. وتنوع تناول وسائل الإعلام لحدث إطلاق سراح بيتانكور، فمنهم من ركز على خلفية إطلاق سراحها، ونقل الرواية الرسمية الكولومبية، ومنهم من شكك في الرواية الرسمية مثلما كتبت مجموعة من الصحف التي قالت إن بيتانكور لم تحرر إلا بعد دفع فدية قدرها عشرون مليون دولار، أدت فرنسا الجزء الأكبر منها، فيما اهتمت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتركيز على دور مزعوم لمستشارين إسرائيليين في التخطيط لعملية تحرير المرشحة الرئاسية السابقة في كولومبيا. وإذا كانت وسائل الإعلام قد استفادت من الحدث لإزاحة الملل والبرود عن نشرات أخبارها، فإن الطبقة السياسية الفرنسية خاصة استغلت الأمر كالعادة لتلميع صورتها. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، رجل التواصل بامتياز، استغل الفرصة وتأبط ذراع زوجته الحسناء كارلا للمرة المليون، وعجل الخطى نحو المطار حيث استقبلا مواطنتهما بيتانكور وقبلاها على الوجنتين كلتيهما تعبيرا عن فرحة الزوج الرئاسي بعودتها إلى فرنسا، بل أكثر من ذلك، أقام ساركوزي في اليوم التالي مأدبة عشاء على شرفها في الإيليزيه. وما كانت روح ساركوزي لتنعم بالسلام في جوفه لو لم يحقق تلك الخرجة الإعلامية الجديدة بعد سوء الطالع الذي التصق به عندما نقلت عدسات المصورين كيف انتحر جندي إسرائيلي أمام عينيه وهو يهم رفقة كارلا بركوب الطائرة عند عودته من زيارته الأخيرة لإسرائيل. عدد من السياسيين الفرنسيين أبوا إلا أن يدلوا بتصريحاتهم عقب تحرير بيتانكور. فمن جهتها، قالت المرشحة الرئاسية السابقة للحزب الاشتراكي الفرنسي سيغولين روايال: «لا يمكنني إلا أن أشارك إبني إنغريد فرحتهما وارتياحهما بإطلاق سراح والدتهما»، في حين قال رئيس الجمعية العامة الفرنسية بيرنار أكويي « أحيي التحركات الدائمة والعزيمة القوية للرئيس نيكولا ساركوزي والديبلومايسية الفرنسية، وجهود جميع الأطراف التي ساهمت في تحرير بيتانكور». وبعيدا عن عالم السياسة، لكن من قلب كولومبيا، أطلت المغنية الكولومبية ذات الشهرة العالمية شاكيرا برأسها من بين كل هؤلاء لكي تقول: «إنه يوم تاريخي لجميع الكولومبيين ولهذه الأمة التي عانت كثيرا، إلا أنها اليوم أمة تبكي من فرط التأثر والفرح وهي تجمعنا في حضنها الواسع». وأضافت المغنية الشهيرة، في بيان عممه مكتبها الإعلامي في العاصمة بوغوتا على عدد من وسائل الإعلام: «اليوم تقف كولومبيا شامخة على قدميها، وتنظر بأمل إلى مستقبل السلام الذي بات وشيكاً»، خاتمة البيان بأملها في تحرير بقية الرهائن الذين تحتجزهم حركة «فارك». تصريح واحد، جاء من فرنسا، لم يكن من الممكن إلا الإيمان به وليس فقط تصديقه، هو تصريح الرهينة الفرنسية السابقة في العراق، صحافية جريدة ليبراسيون فلورانس أوبينا، التي قضت في الأسر خمسة أشهر خلال عام 2005، بين أيدي جماعة متطرفة في العراق لها سمعة عالمية في قطع رؤوس رهائنها وبث شريط فيديو يستعرض لحظات ذبحهم على الأنترنيت، حيث قالت فلورانس والتأثير باد عليها «مثل هذا الخبر يبقى دائما صعب التصديق بالنسبة إلي، أخشى دائما أن لا يكون حقيقيا، لأنني ما كنت حتى لأجرؤ على تمني مثل تلك الأمنية»، ثم تبتسم فلورانس وتردف: «لكن دعنا نتحدث عنها وليس عن نفسي، لأن اليوم هو يومها هي، علي فقط أن أقول إنه إحساس رائع، هي هدية نويل، لكن في شهر يوليوز».