وليد الركراكي: المباراة أمام الغابون ستكون "مفتوحة وهجومية"    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة    معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل هناك مستقبل لإسرائيل؟
القنبلة الديمغرافية الزمنية ستحسم الصراع

أعلنت إسرائيل «استقلالها» عن بريطانيا في 14 ماي 1948. وهنا يتساءل الكاتب، بشك وريبة، عن إمكانية أن تحتفل إسرائيل بعيد «استقلالها»
رقم 100 في عام 2048، أي بعد 38 عاما فقط من الآن!!! ونرجو ملاحظة أننا غيرنا عنوان المقال الأصلي: «هل تعيش إسرائيل لتبلغ 100؟»
إلى «هل هناك مستقبل لإسرائيل؟» لأننا نجده أكثر تعبيرا عن رسالة المقال، من وجهة نظرنا.
منذ سنوات، بذلت منظمة التحرير الفلسطينية جهودا حثيثة لكبح جماح المتشددين الفلسطينيين، وكان هناك حديث وإشاعات مفادها أن إسرائيل قد تفرج عن سجناء فلسطينيين، ولكن التطور الأهم من هذا هو وجود تكتلات قوية في كلا الطرفين تبتهل إلى الله بصدق ليموت زعيمها بسرعة (محمود عباس وآرييل شارون). ولعل مفارقة وجود أشخاص متطرفين يحملون مثل تلك الأمنيات الخطيرة في كلا جانبي الصراع يعتبر أكبر حافز يجعل شارون وعباس يسعيان معا وبجدية إلى تحقيق السلام رغم وجود شواهد تعارض هذا التحليل، فدعونا لا ننسى أن شارون كان مسؤولا عن «مذبحة صبرا وشاتيلا» في لبنان، وأن الرئيس الفلسطيني عباس كتب رسالة دكتوراه أنكر فيها الهولوكوست!!!
ولكن الآن للأسف وحقا، فإن نفس الظروف التي دفعت الجانبين نحو «محاولة» التكيف مع مطالب كل منهما بدأت تعمل ضد السلام. في الواقع، إنها ظروف عصيبة تسير في اتجاه كارثة.
الصراع الديمغرافي
الصراع الفلسطيني-الصهيوني متجذر جدا، وتكمن إشكاليته الحقيقية في الأرض والديمغرافيا (السكان). مؤسسو الصهيونية قد يكونون بالفعل أطلقوا الشعار المثير والشهير «أرض بلا شعب لشعب بدون أرض»، ولكنهم في الحقيقة وعلى أرض الواقع أدركوا أن «تحويل» أراض «عربية» إلى دولة «يهودية» يحتاج إلى قلب الواقع الديمغرافي (السكاني) تماما، وذلك بزرع عدد ضخم من المهاجرين اليهود الأجانب، وفي نفس الوقت تحويل (ترانسفير)، بالطوع إن أمكن أو بالقوة عند الضرورة، أعداد كبيرة من سكان فلسطين الأصليين من تلك المناطق المخصصة للدولة اليهودية.
ومن جانبهم، رفض الفلسطينيون مقترحات لجنة بيلا Peel البريطانية التي صدرت عام 1937 (تعليق المترجم: وهي اللجنة البريطانية التي تشكلت لدراسة أسباب الانتفاضة الفلسطينية عام 1936 والتي أوصت لأول مرة بتقسيم فلسطين. انتهى تعليق المترجم). وكذلك رفضوا في 1947 قرار الأمم المتحدة رقم 181 بتقسيم فلسطين. رفض قيام أي دولة يهودية في فلسطين كان شعار الحركة الوطنية الفلسطينية منذ إنشائها في العشرينيات من القرن المنصرم على الأقل حتى التسعينيات منه، بل ويعتقد كثير من الإسرائيليين -بحق- أن نفس ذلك الرفض ما يزال يغذي الحركة الوطنية الفلسطينية بكافة توجهاتها حتى يومنا هذا.
يؤكد المفكران (الإسرائيلي) باروخ كيمرلينغ و(الأمريكي) جويل ميجدل في كتابهما التاريخي والسوسيولوجي الشامل والمذهل والمتعاطف مع الفلسطينيين «الفلسطينيون: صناعة شعب» أن المرتكز الأساسي للحركة الوطنية الفلسطينية لا يزال هو «حق العودة» لأولئك ال700.000 فلسطيني الذين طردوا من الأراضي الإسرائيلية في عام 1948 وما بعدها، وكذلك لجميع ذريتهم والذين قد يبلغ مجمل تعدادهم حاليا خمسة ملايين تقريبا. وهو «الحق» الذي لو تم تنفيذه فسوف يعني لا محالة نهاية الأغلبية الديمغرافية اليهودية في إسرائيل إلى الأبد.
ونظرا إلى مغادرة هؤلاء اللاجئين فلسطين من جهة، وفي نفس الوقت الهجرة الجماعية لليهود إلى فلسطين في أواخر الأربعينيات والخمسينيات، من جهة أخرى، شكل الفلسطينيون في البداية أقلية صغيرة من مجموع سكان الدولة اليهودية الكلي. ولكن، بطبيعة الحال، منذ حرب يونيو 1967 احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي أراض تقطنها أغلبية فلسطينية ساحقة. ولكن الأكثر أهمية، على المدى الطويل، هو ثبوت صدق القول المأثور لياسر عرفات، بل نبوءته المرعبة، بأن «أهم سلاح يملكه الفلسطينيون هو رحم المرأة». فمعدل المواليد في الأراضي المحتلة أعلى بكثير من إسرائيل، ولذلك سوف يصبح اليهود قريبا أقلية في الأراضي التي احتلوها (بعد عام 1967) أو يحكمونها من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، وتشير بعض الدراسات إلى أن هذا قد حدث بالفعل. ويتوقع بعض علماء الديمغرافيا أنه، خلال خمسة عشر عاما، سوف يشكل اليهود جالية صغيرة أو أقلية لا تزيد على 42 في المائة من السكان في هذه المنطقة.
ولهذا السبب، ناقش زعماء إسرائيل، لعدة عقود بعد حرب يونيو 1967، الحكمة والفائدة من ضم الأراضي المحتلة في تلك الحرب إلى دولتهم. وبعد تقريبا خمس سنوات من النقاش الفكري الشعبي والرسمي العام، حدث شبه توافق في الآراء في المؤسسات السياسية والعسكرية والمخابراتية على أن إسرائيل يجب أن «تنسحب»، أكرر نعم «تنسحب»، من «معظم» أو أساسا جميع تلك الأراضي المحتلة. وبالطبع، هناك فروقات جوهرية هامة بين مصطلحي «معظم الأراضي» أو «جميع الأراضي» بالنسبة إلى الفلسطينيين. وفي حالة وجود فرصة اختيار للعيش في ظل دولة ديمقراطية أو في دولة يهودية، فإن الفلسطينيين لن يختاروا، في الغالب، دولة مستقلة لهم فقط وهو ما يعرف ب«حل الدولتين»، بل سيختارون العيش مع اليهود في دولة واحدة «ثنائية القومية» يحكمها الأكثرية بطريقة «ديمقراطية» على أساس مبدأ «مواطن واحد، صوت واحد»، وهو ما يعرف ب«حل الدولة». وفي هذه الحالة، كما قال نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي (في عام 2005) إيهود أولمرت: «سنخسر كل شيء»!!
وخوفا من أن يعتقد المزيد والمزيد من الفلسطينيين أن الزمن يعمل لصالحهم، وأنهم، لهذا، سيسعون إلى حل «الدولة الواحدة»، قررت حكومة شارون القيام بانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة (حيث تبلغ نسبة الفلسطينيين بالنسبة إلى اليهود 150 ضعفا)، كما قامت ببناء «الجدار العازل» أو «الجدار الفاصل»، وهو عبارة عن حاجز طويل بنته إسرائيل في الضفة الغربية قرب الخط الأخضر لمنع دخول سكان الضفة الغربية الفلسطينيين إلى إسرائيل أو في المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الخط الأخضر. ورغم أن هذا الجدار الفاصل لا يتبع مسار الخط الأخضر، فإنه، أي «الجدار الفاصل»، يعزل جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية عن إسرائيل. هذا «الجدار الفاصل» قد تم تبريره ووصفه -كذبا- بكونه حاجزا ل«مكافحة الإرهاب». ولكن في الواقع كانت خطته قد وضعت بسبب «الخطر الديمغرافي القاتل» وقبل بداية حملة التفجيرات الاستشهادية (في النص الأصلي: الانتحارية) الفلسطينية، أي أنه كان وسيلة لفصل إسرائيل، سياسيا واقتصاديا، عن الديمغرافيا الفلسطينية المتزايدة بسرعة هائلة والفقيرة في نفس الوقت. بل حقا لقد وصف أهم عالم جغرافيا إسرائيلي، وهو البروفسور أرنون سوفير من جامعة حيفا هذا الجدار العازل بكونه «محاولة يائسة أخيرة لإنقاذ دولة إسرائيل». والمعروف أن سوفير يدعو باستمرار إلى التنازل عن القدس الشرقية، وكذلك عن المناطق ذات الأغلبية العربية داخل حدود إسرائيل ما قبل عام 1967 لنزع فتيل ما يسميه «القنبلة الديمغرافية الزمنية».
فك الارتباط
جهود شارون أحادية الجانب لفك الارتباط التي لولاها لبقي المزيد من المستوطنات اليهودية، ولمنح الفلسطينيين أراضي أقل من خطط السلام الحالية، مما سيخلق كيانا فلسطينيا مستقلا ولكن تقريبا «بدون» سيادة فلسطينية يتكون من كانتونات cantons (تعليق المترجم: الكانتون Canton: مصطلح سويسري في الأصل يعني مقاطعة أو منطقة إدارية صغيرة ومنفصلة، والمقصود من استعمال مصطلح كانتون هنا الانتقاص من السيادة الفلسطينية. انتهى تعليق المترجم).
جهود شارون أحادية الجانب هذه شجعت عباس على الدخول في مفاوضات. وهكذا وبدون أدنى شك، استنتجت القيادة الفلسطينية أنه من الأفضل لها أن تتفاوض بدلا من أن تضطر إلى مواجهة الحقائق التي ستفرضها إسرائيل على أرض الواقع. في تلك الحالة، لماذا لا يمكن أن نتوقع أن المشاكل السياسية الناجمة عن الديمغرافيا والأرض يمكن أن تؤدي إلى سلام ملزم ومرض للطرفين؟ الإجابة الأولى عن هذا التساؤل، وهي الأكثر وضوحا، أن «الفجوة» بين ما قد يتفق عليه «القادة السياسيون» للطرفين وبين ما سيوافق عليه «شعبيهم» -وهذا هو الأهم- حجمها ضخم جدا. كل شخص عاقل من اليسار أو اليمين في كلا المعسكرين يتفق على الخطوات المنطقية الضرورية للسلام، ولكن النظام السياسي الانتخابي الإسرائيلي والمزاج الوطني الإسرائيلي الذي يفرضه يبدو أنهما يجعلان هذه الخطوات مستحيلة التحقيق. فعلى سبيل المثال، بعد ما يقرب من أربعين عاما من بناء المستوطنات في الضفة الغربية، فإن المستوطنات القريبة من الخط الأخضر أصبحت لها جذور مجتمعية عميقة جدا، وربما تكون أصبحت جزءا لا يتجزأ مطلقا لكثير من الإسرائيليين لكي يوافقوا على مجرد مناقشة فكرة التخلي عنها، ربما بنية وخطة مقصودة. وهذا الأمر، بالطبع، لا يمكن مقارنته بالعقبات التي تواجه الفلسطينيين المعتدلين. فجماعات متطرفة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، والتي تسعى إلى تدمير إسرائيل، ليست هامشية بالتأكيد. كما يبدو أن الفلسطينيين يطالبون بحق العودة بإصرار، والإسرائيليون يعارضون ذلك بكل عناد. فتقريبا 98.7 في المائة من اللاجئين الذين شملهم استطلاع في عام 2001 رفضوا «التعويض المالي» بدلا من «حق العودة». وعندما أجري الاستطلاع نفسه لعينة فلسطينية مستقرة من غير اللاجئين، كانت نسبة رفض التعويض المالي تقريبا 93.1 في المائة (تعليق المترجم: مما يدل على الإجماع الفلسطيني على حق العودة، والحمد لله، لأنه السلاح الاستراتيجي الذي تخشاه إسرائيل). وبالنظر إلى أن عباس وعد بأن يقدم اتفاقية «وضع سلام نهائي» لاستفتاء شعبي فلسطيني في الأراضي المحتلة وعرضها كذلك على زعماء العالم العربي، وهو بالمناسبة وعد تجاهلته الصحافة الغربية، فإن فرص التوصل إلى سلام حقيقي، بعكس ما يصفه الفلسطينيون بهدنة أو هدنة تكتيكية، تبدو في الحقيقة ضئيلة أو منعدمة.
ولكن حتى مع افتراض أنه يمكن التوصل إلى تسوية شاملة، فإن مستقبل وجود إسرائيل على المدى الطويل يبدو قاتما. يروى عن القيادي الفلسطيني المعتدل والراحل فيصل الحسيني (رحمه الله)، والذي ينتمي إلى عائلة مقدسية عريقة، قوله الدقيق والمصيب: «أنا أقلق بخصوص اليوم، ولكن يتعين على الإسرائيليين القلق بشأن المستقبل». القضية الفلسطينية اليوم مهلهلة. ومن ناحية أخرى، إسرائيل تتفاوض من موقع القوة العسكرية التي لا يمكن منافستها فيها. لكن المشروع الصهيوني لم يستطع مطلقا تجاوز الحقائق الديمغرافية (السكانية) والجغرافية التي أزعجته منذ تأسيس إسرائيل. وبغض النظر عن الازدراء الأخلاقي الذي يمكن للمرء أن يشعر به تجاه تصلب أي من الطرفين، فإن بذور مشكلة اللاجئين الفلسطينيين زرعت عندما اعترفت إسرائيل في عام 1948 بأنه لا يمكنها الاستمرار في العيش مع تركيبة سكانية فلسطينية كبيرة ومعادية. في الواقع، حتى العدد القليل نسبيا من الفلسطينيين الذين بقوا في إسرائيل بعد حرب الاستقلال عاشوا تحت الحكم العسكري حتى عام 1966. اليوم، عرب إسرائيل، أي الفلسطينيون الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل ما قبل عام 1967 وفي القدس الشرقية، يملكون واحدا من أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، وعلى وجه التحديد فعرب إسرائيل في صحراء النقب هم الأعلى نسبة، ويشكلون الآن نحو 20 في المائة من سكان إسرائيل. علماء الديمغرافيا يتوقعون أنهم سوف يشكلون ما يقرب من ربع السكان بحلول عام 2020، وسيرتفعون إلى 30 في المائة بحلول عام 2050. هذه الأرقام لا تشمل حوالي 150.000 فلسطيني تقريبا لا يحملون جنسية إسرائيلية ولكنهم يعملون داخل إسرائيل بصورة غير شرعية. وجود هذه الأقلية الفلسطينية الكبيرة ذات السمة العدائية لإسرائيل خلق تاريخيا صراعا ومطالبة بثنائية قومية، مما سيؤدي إلى إضعاف الدولة اليهودية لا محالة.
والأكثر إزعاجا أن دولة فلسطينية مستقبلية محشورة بين الخط الأخضر والأردن وقطاع غزة ستكون ذات نمو فلكي للسكان. فعدد السكان في قطاع غزة يتضاعف الآن خلال فترة جيل واحد فقط (تعليق المترجم: معدل مدة الجيل، حسب بعض مراجع علم الأحياء، 33 سنة)، وهناك عودة مؤكدة لتدفق هائل من لاجئين سابقين كانوا يعيشون في جميع أنحاء العالم العربي، أغلبهم في الأردن وسوريا ولبنان، وهناك مشاكل مثل شح المياه، والظروف الاقتصادية القاسية. والمنفذ الأهم للعمالة الفلسطينية، أي إسرائيل، سوف يكون بالضرورة مغلقا بإحكام حتى لا يحدث زحف مرعب للهجرة مماثل لما واجهته الولايات المتحدة من جارتها المكسيك، مما يقوض الجهود الرامية إلى الحفاظ على هوية الدولة اليهودية. مجموعة كبيرة وواقعية من المراقبين الإسرائيليين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال غيورا إيلاند، يشكون في أن المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والأردن تحتوي على ما يكفي من أراض وموارد طبيعية لعيش دولتين، كل منهما ذات سيادة وقابلة للحياة بمعزل عن الأخرى.
هناك أماكن قليلة في العالم تطلبت فيها ظروف التاريخ والجغرافيا من شعبين متجاورين أكثر من تطوير علاقة تكافلية تعايشية ليعيشا في سلام. ولا يوجد أي مكان آخر في العالم تستحيل فيه فرص بناء مثل هذه العلاقة الإيجابية أكثر من المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط والأردن.
ومهما حدث من توافق في وجهات النظر بين الطرفين، يبدو من الحتمي، بالنظر إلى المستقبل الذي يواجه قيام دولة فلسطينية، أن تكون طاقتها التوسعية المستقبلية موجهة نحو إسرائيل، ثم إلى حد أقل الأردن. وعند ذلك المنعطف السياسي الحرج، وبدون أي شك، سيجادل -بحق- القادة الفلسطينيون الساعون إلى تنقيح وتعديل حدود دولتهم بأن الخط الأخضر يعتبر خط «وقف إطلاق النار» cease-fire، وليس خط «حدود دولية»، وأن هذا الخط نفسه منح إسرائيل أراضي بعدما انتصرت في الحرب (عام 1948)، والأهم أنه لا يمثل مطلقا حدود قرار الأمم المتحدة (رقم 181) لتقسيم فلسطين الذي تأسست عليه الدولة اليهودية.
في البداية، دعا ديفيد بن غوريون شعبه دائما إلى قبول أي دولة يهودية ممكنة في فلسطين مهما كانت صغيرة، وكانت حجته أن ذلك سيكون مثل زنبرك مرن وبمثابة نقطة انطلاق ممتازة للتوسع في المستقبل. كانت فكرته أن يستولي على فلسطين عبر مراحل صغيرة متتالية. والمفارقة العظيمة اليوم أن الإسرائيليين يخشون -بحق- هذا المفهوم بصورة عكسية، أي أنه عن طريق التخطيط أو استجابة لمقتضيات الواقع قد يسترد الفلسطينيون أراضيهم بنفس الطريقة المرحلية التدريجية.
فعلى مستوى ما، يدرك معظم الإسرائيليين العقلاء حقيقة هذه المخاطر المستقبلية الوجودية. في الواقع، في آخر زيارة قمت بها لإسرائيل، وخلال نقاشاتي مع الإنتلجنسيا الإسرائيلية، من كافة التوجهات (اليسار واليمين المعتدل، الأكاديمية، والعسكرية، والحكومة، والأجهزة الأمنية)، أدهشني جدا إدراكها القاتم أنها كشعب لن تذهب إلى أي مكان آخر. كما أدهشني أيضا تشاؤمها من مستقبل البلد الذي سوف يعيش أطفالها فيه.
خطأ صهيوني تاريخي
ولكن أعظم ما أدهشني وصعقني في نقاشاتي مع الإسرائيليين أثناء زيارتي مؤخرا، على الرغم من جميع ما سبق، هو كثرة تكرار هؤلاء الرجال والنساء الإسرائيليين (وجميعهم وطنيون مخلصون) قولهم بنبرة حزينة: «كان علينا أن نأخذ أوغندا بدلا من فلسطين» (تعليق المترجم: بل لا هذه ولا تلك لأن سكان أوغندا أحق بها، والحل العادل لليهود كان مواصلة العيش في بلدانهم الأصلية كغيرهم من الأقليات. انتهى تعليق المترجم). ومن المعروف تاريخيا أن بريطانيا عرضت على قيادة الحركة الصهيونية العالمية في عام 1903 اتخاذ أوغندا كوطن للدولة اليهودية، ولكنها رفضت العرض وطالبت بفلسطين. التاريخ يعلمنا أن الكثير من المشاكل ليس لها حل، ويبدو أن هذه الحقيقة البدهية لا يستوعبها القادة الأمريكيون. ومع ذلك، فإن الصراع المستمر منذ قرن بين الفلسطينيين والصهاينة هو قصة شعبين، يطالب كل منهما -بحق- بالأرض نفسها مع أدلة مقنعة للطرفين!!! وتقريبا كل جانب من جوانب هذه القصة يشير إلى أنه في نهاية المطاف، وبعد ضرر جسيم يصيب كلا الشعبين، والمنطقة، وربما العالم بأسره، فإن تطلعاتهما إلى الحل العادل ليست قابلة للتسوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.