سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السوسدي: «رفضنا اقتراح اللجوء السياسي في ألمانيا وانسحبنا من سهرة في ليبيا شاركت فيها البوليساريو» أحمد الدليمي أرسلنا إلى منطقة قريبة من «خط النار» لعدة أشهر للتخلص منا!..
من بين الأزقة الفقيرة لدرب الحي المحمدي تنبعث الذكريات الفنية التي أرخت للزمن الغيواني الأصيل، بين حي الكدية والسعادة، عاشت مواهب تعشق أن تعلن الانتماء إلى هذا الحي الشعبي. بين براريك كاريان سانطرال، تعايشت أحلام المقاومة في إعلان مغرب جديد انطلق من الحي المحمدي. من هنا مر بوجميع، باطما، عمر السيد، محمد مفتاح، عائشة ساجد، العربي الزاولي، الغزواني، خليفة، بوؤسا، عشيق... كل أعلن عن عشقه الخاص للحي، وهذه شهادات لأناس أحبهم المغاربة عبروا عن بعض حبهم للحي المحمدي... توزع مسار الفنان السوسدي بين التجربة المسرحية مع الطيب الصديقي ومعانقة سحر الأغنية مع مجموعتَي «الدقة» و«أهل الجودة»، قبل أن يخوض، رفقة العديد من الأسماء، تجربة فنية فريدة في المغرب والعالم العربي اسمها «لمشاهب»، التي وصل صداها إلى مختلف أرجاء العالم... بين الأمس واليوم، يواصل السوسدي مسلسل الحكي عن زمن البحث عن الشهرة والنجومية في ما بعد بالقول: «بعد أن أطلقنا الألبوم الأول وشاركنا في الحفل التأبيني لأخينا الراحل «بوجميع»، وبعد أن أتيحت لنا فرصة الغناء أمام الحسن الثاني وإعجابه بأغنية «بْغيت بْلادي» بقولته الشهيرة «هادا هو الغْنا»، والتي كانت البطاقةَ الوطنية الحقيقية للمجموعة.. بعد كل ذلك، قمنا بزيارة المناطق الجنوبية، ما بين سنتي 1978 و1979، في أوج الحرب مع جبهة البوليساريو. وقد أقمنا في نادي ضباط الطيران، في الوقت الذي كانت تُسمَع أصوات البنادق والدبابات.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الجنرال أحمد الدليمي هو من قرر أن يرسلنا إلى تلك المنطقة، ولا ندري ما إذا كان ذلك بغرض التخلص منا أم لا.. المهم أننا قضينا أوقاتاً صعبة هناك، وغنينا في السمارة، التي كانت تحت إشراف الكولونيل جبران، في بوكراع، العيون وبوجدور.. والحمد لله أن كل سهراتنا كانت تعرف نجاحا جماهيريا، لكنْ على المستوى المالي لم تكن الأمور على ما يرام، إذ إننا لم نستطع أن نحصل على مصاريف لتغطية نفقات عن تلك السهرات اليومية، باستثناء مداخيل سهرة واحدة أحييناها في سينما «النجاح».. وبعد عدة أشهر، عدنا من الصحراء، وفي الفترة الممتدة ما بين سنتي 1978 و1979 أردنا أن نشجع المسرح المغربي، محاولين إحياءَه، عبر دعم فرقة مسرحية، فأقمنا سهرة بمشاركة الفرقة المسرحية لمحمد العلوي التي عرضت مسرحية «بنت الجيران»، التي شارك فيها كل من عبد اللطيف هلال، محمد مجد، محمد الحبشي وخاتمة العلوي... وقررنا في الحفل ألا نتقاضى مقابلا، دعما للمسرح، قبل أن تدخل «لمشاهب» في مسار آخر»... مسار يقول عنه السوسدي: «في سنة 1981، سافر الراحل الأمراني إلى فرنسا وحاملا معه عقدا للاشتغال هناك وطلب منا أن نرافقه، وذلك ما كان، حيث سافرنا (محمد باطما، الشادلي، الأمراني وأنا) وسجلنا ألبوما يضم أغاني «العاقْل»، «إلى الأمام» و«فاتوني تعطل».. بعد ذلك، رفض باطما الاستمرار في الغربة، فقررنا -محمد باطما، حمادي وأنا- العودة إلى المغرب فأكملنا المسيرة هنا.. وأتذكر أنه أثناء تواجدنا في هولندا، اقترحت علينا منظمة ألمانية أن تمنحنا اللجوء السياسي فرفضنا ذلك، بشكل مطلق، وقلنا إننا نريد ندافع عن بلدنا من الداخل، وعلى هذا الأساس عدنا إلى المغرب.... وفي سنة 1982، سافرنا إلى لندن، للمشاركة في مهرجان بليغ حمدي، قبل أن تحل تجربة الاتحاد السوفياتي»... وعن هذه التجربة، يقول السوسدي: «ما بين 1986 و1987، ذهبتُ رفقة الراحل محمد باطما إلى المهرجان الثاني عشر للشباب والطلبة في موسكو. وقد أتاحت لي هذه التجربة فرصة اللقاء مع الشيخ إمام ومحمود درويش، كما كانت التجربة مهمة في مساري، لأنني فزت بجائزة أحسن صوت، وسط عدد كبير من الأصوات العالمية.. وأتذكر أننا نظمنا سهرة جمعت أغلب الوفود العربية في المهرجان، وبعد انتهاء مشاركتي، عانقني الراحل الشيخ إمام.. ومن جميل الأشياء أن الطباخين الروس قدموا طبقا من الكسكس المغربي مُعَدّ بشكل جيد، وحينما سألنا عن السر في ذلك، قالوا إن الفضل في ذلك يعود للكتب فقط»... ويواصل السوسدي النبش في تاريخ فرقة «لمشاهب» بالقول: «بعد عودتنا من موسكو، واصلنا العمل، وأخذتنا السهرات هنا وهناك.. في تلك الفترة، كان شباب «لمشاهب» الآخرون يشتغلون مع فرقة «ديسيدانتن» العالمية وتألقوا معها بشكل متميز مع مغنين ألمان هناك، وفازوا بجائزة أحسن جائزة للموسيقى في البرازيل.. وتألقوا في العديد من الأغاني، من بينها «هل تسمعون مناديا».. وفي سنة 1998، عاد الشباب واجتمعت الفرقة من جديد، وأطلقنا أغاني «في البحر والأمان»، «البوسنة»، «علاش تكدينا»، «تقول الكمرة فضة»... وبعد ثلاث سنوات، أي في سنة 1999، أبدى الأمراني رغبته في عدم الاستقرار في المغرب، فرحل إلى تونس، وفي سنة 2001، مات محمد باطما.. وبعد أقل من سنتين، توفي الأمراني كذلك، لتدخل «لمشاهب» مسارا فنيا آخر»... في مسار «لمشاهب» الكثير من الأحداث التاريخية والطريفة يقول عن بعضها السوسدي: «مسار المجموعة مليء بالأحداث.. أتذكر منها أننا سافرنا، سنة 1976، رفقة مجموعة «تكادة»، إلى ليبيا.. وحينما وصلنا إلى هناك، وجدنا البوليساريو حاضرين في السهرة!.. وبحكم أنه لم يكن للمغرب سفير في ليبيا في تلك الفترة وكان هناك سفير معتمَد في سفارة إسبانيا، فقد قصدناه، ولم يكن «التليكس» متوفرا آنذاك، فاعتمدنا على «الفاكس»، لبعث رسالة إلى الداخلية شرحنا فيها الوضعية، فقالوا لنا في ورقة كبيرة الحجم: «ارجعوا.. الانسحاب والدخول فورا، فورا، فورا، فورا، فورا، فورا..... فورا»، وملأت الورقة عن آخرها بكلمة «فورا»... وحينما قررنا العودة، خيَّرنا المسؤولون هناك بين البقاء أو المغادرة دون تضييق علينا فعدنا بالفعل... ومن الأشياء التي ما زلت أتذكرها أن الأمير مولاي رشيد كان يحب فرقة «لمشاهب»، وحينما حصل مولاي محمد -ولي العهد آنذاك- على شهادة الباكلوريا، كان الوزراء إذا أرادوا أن يقيموا احتفالا للأمير يدعوننا، رفقة بزيز وباز، لنحيي السهرة، وهذا ما كان يمحنا الفرصة للغناء أمام الأميرين معاً، حينذاك»...