صُدم المغاربة وهم يرون طفلتين توأمتين لا يتجاوز سنهما 14 سنة تخططان لتفجير نفسيهما داخل قبة البرلمان. يوم تفكيك الخلية، أواخر شهر شتنبر من سنة 2003، غطت صور سناء وإيمان لغريس على باقي أعضاء الشبكة، وتصدرتا عناوين الصحف المغربية والعالمية، واحتلتا الحيز الأكبر في نشرات أخبار التلفزيونات، لأنهما، بكل بساطة، أصغر «إرهابيتين» في العالم.. بيد أن الصحافيين والمحققين لم يبحثوا في الأسباب التي دفعت التوأم إلى اعتناق الفكر الإرهابي التكفيري، ولم يسبروا أغوار حياة أليمة عاشتها التوأمتان دون أب، مجهول الهوية، وبعيدا عن الأم. عاشتا اغتصاب الطفولة بمعناه الحقيقي بين فصل الدرس وعجوز الحي المجاور، وتدرجتا في خدمة بيوت أناس لا تعرفانهم حماية لنفسيهما من خطر الشارع، وتعرضتا إلى أبشع أنواع الاستغلال الجسدي والنفسي، إلى أن وجدتا نفسيهما بين أيدي متطرفين إرهابيين اعتبروا التوأم أفضل وسيلة لإغراق عاصمة المملكة في حمام دم واسع.. إليكم اعترافات سناء وإيمان، قصة التوأم من الاغتصاب إلى الإرهاب.. يوم الجمعة 20 غشت من سنة 2005، كانت سناء وإيمان تستعدان لمعانقة الحرية، من جديد، وهما في سن السادسة عشرة، حيث تلقيتا خبر العفو الملكي عنهما في تزامن مع عيد ميلادهما، فكان بمثابة هدية لهما بالمناسبة، بعد أن قضيتا سنتين كاملتين وراء القضبان. بيد أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهيه السفن، فبمجرد ما وقعت الحقوقية آسية الوديع على وثائق التزام وضمان لحسن سيرة وسلوك التوأمتين بعد المغادرة، لاعبة بذلك دور ولية أمر الطفلتين بعد أن تعذر على والدتهما الحضور ورفضت خالتهما تسلمهما، توجهت بهما مباشرة إلى مركز عبد السلام بناني لحماية الطفولة بمدينة الدارالبيضاء، وهو ما أثار استغراب التوأمتين اللتين كانتا تعتقدان أنهما ستعودان إلى العيش مع والدتهما. تقول سناء في هذا الصدد: «لم يعد للعفو الذي حظينا به من طعم عندما تم أخذنا إلى مركز عبد السلام بناني، لأننا شعرنا وكأن حريتنا تسلب منا من جديد مع أن الملك قرر العفو عنا»، وتضيف موضحة: «كنا نود أن نكمل حياتنا بعيدا عن الأنظمة الداخلية للمؤسسات الإصلاحية بعد التجربة المريرة التي عشناها داخل سجني «الزاكي» و«عكاشة». افتتحت الأبواب الكبرى للإصلاحية، المكان الغريب الذي ارتبط اسمه في ذهني التوأمتين ب«الخيرية» حيث يوجد الأطفال المتخلى عنهم والأمهات العازبات. وبمجرد ما وطئت أقدامهما المكان لم يتقبلا العيش فيه، فهما تتوقان إلى حياة الحرية بعيدا عن الأسوار العالية والأبواب الحديدية والحارسات... «كنا ننتظر قدوم والدتنا لتخرجنا من هذا المكان الذي دخلناه للتو، فلم يحدث أن كرهنا مكانا مثل كرهنا للإصلاحية، لأننا شعرنا بأنهم أتوا بنا إلى مكان حريتنا فيه مفقودة رغم أنه تم شملنا بعفو ملكي لنعانق الحرية وليس لنعيش في مكان آخر غير بيت والدتنا». في اليوم الموالي، ولمقابلة التوأمتين سناء وإيمان، تدفق عدد كبير من الصحافيين على إدارة الإصلاحية، التي كان يديرها آنذاك سعيد هبل (الذي سنعود بتفصيل في حلقة مقبلة إلى الحديث عن مرحلة إدارته للمركز)، حيث تم ترتيب لقاءات غير قانونية، دون موافقة المصالح القضائية، لفائدة عدد مهم من ممثلي وسائل الإعلام المحلية والدولية مع التوأمتين. استمر الوضع على المنوال نفسه لمدة خمسة أيام، حيث كان يتردد على المكان عدد من الصحافيين، في حين منعت قاضية صحافية إسبانية من محاورة التوأمتين على اعتبار أن ذلك ممنوع قانونيا دون الحصول على ترخيص من وزارة العدل، ولأن المعنيتين توجدان داخل مؤسسة عمومية. «عشنا الأوهام مع الصحافيين. وعندما خفتت أضواء الكاميرات وعدنا إلى الحياة الطبيعية داخل المركز، وجدنا نفسينا لوحدنا من دون أي سند نتكئ عليه»، تتذكر إيمان ثم تستطرد قائلة: «تسليط الأضواء علينا من جديد داخل المركز من طرف الصحافيين أنسانا، بعض الشيء، همنا الأول والمتمثل في انشغالنا بكيفية الخروج من هذا المكان، لأننا حصلنا على عفو ملكي وكان ينبغي بموجبه أن نعانق الحرية». ثارت التوأمتان داخل المركز وأصبحتا تطالبان بالخروج منه ولو في غياب والدتهما التي كانت لم تأت حتى ذلك الحين لتسلمهما. وحين أتت بعد مدة على إيداعهما المركز، أخبرتهما بأنه لا يمكنهما مغادرته إلا إذا أصبحتا راشدتين قانونيا بإكمالهما لسن ثماني عشرة سنة، لتعي التوأمتان بأن قعودهما في المركز مفروض وليس اختياريا. «كنا مستعدتين لأن نمثل أمام علماء دين أو أطباء نفسانيين إن كانت بعض الجهات تشك في كوننا سنعود إلى اعتناق الفكر التكفيري، شريطة أن يخرجونا من المركز لأنه أصبح مكانا لا يطاق وبتنا نرغب في استرجاع حريتنا والعيش بسلام»، تقول إيمان، فيما تؤكد سناء أنها أصبحت «أسأل نفسي باستمرار لماذا أعيش في هذا المكان رغم أن الملك أصدر عفوه عنا؟ وكل مرة كنت أجد فيها نفسي أمام مسؤول حقوقي أو ممثل جمعية قدم لزيارتنا كنت لا أتوانى في طرح نفس السؤال عليه». ممثلون وفنانون وحقوقيون كانوا يزورون التوأمتين باستمرار ويحصلون، في بعض الأحيان، على تصريحات قانونية لإخراجهما من المركز ومنحهما فرصة العيش بعيدا عن أسواره المنيعة، فالممثل حسن فلان قدم ذات يوم وأخذ التوأمتين في جولة بالرباط قبل أن يأخذهما إلى إحدى الحفلات الساخرة، رغبة منه في إخراجهما من عزلتهما. وبنفس الرغبة، تم تكليف التوأمتين بمهام داخل إدارة المركز، وهكذا أسندت إلى سناء مهمة تدبير المكتبة، بينما تم تكليف إيمان بملفات القاطنات، فكانت الطفلتان تقومان بهذه المهام لشغل وقتهما. «المشكل الحقيقي الذي واجهناه هو أنه كانت لدينا ثقافة واهتمامات أكبر من تلك التي كانت لدى بقية القاطنات في المركز، وهو ما كان يجعلنا نشعر وكأننا في مكان معزول عن المحيط الذي كنا نود أن نكون فيه»، تعلق سناء على وضعهما في المركز.