سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبد السلام أبودرار: هناك أشخاص نافذون يَعتزُّون بقدرتهم على إيقاف الأحكام الصادرة في حقهم! رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة للمساء «خرق القانون أصبح «ثقافة» سارية المفعول في القضايا الكبرى والصغرى..»
أكد عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة، أن هناك أشخاصا نافذين يَعتزُّون بقدرتهم على الوقوف ضد تنفيذ الأحكام القضائية!.. وتحدث أبو درار عن حتمية اعتماد منظور متطور لمساءلة الوزراء وللحصانة البرلمانية وللامتيازات القضائية، يستجيب لمتطلبات سيادة القانون وتحقيق العدالة ومساواة الجميع أمام القضاء، كما أشار إلى أن القانون يُغفِل محاولة الإرشاء ولا يُجرِّم إلا الفعل، إضافة إلى أن بعض الأطراف لم ترد في القانون، مثل الموظفين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية... - قدمتم، مؤخرا، التقرير السنوي للهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، غير أن السؤال المطروح هو: ماذا بعد التقرير؟ يشكل التقرير السنوي أرضية أولية للعمل مع الحكومة ومع كافة الفاعلين المهتمين بمحاربة الرشوة، وسيلي التقريرَ تقديمُ العديد من العناصر التفصيلية للمقترحات التي وردت في التقرير إلى الحكومة وإلى كل من يهمه الأمر، حتى تصير هذه المقترحات عملية ملموسة، فعلى سبيل المثال، عندما نحث على إيجاد حماية للمبلغين وضحايا الرشوة، فنحن لدينا مشروع قانون متكامل سنطرحه على الحكومة لتتدارسه ولتُطعِّمه، كي يحال على البرلمان.. إضافة إلى هذا، سنستخرج من التقرير السنوي مَواطنَ الضعف التي رصدناها في السياسات العمومية، والتي تهم خاصة غياب رؤية استراتيجية متكاملة، ولدينا آراء في هذا المجال سوف نمد بها الحكومة. ولا بد من الإشارة إلى أننا لا نقول إن ما جاء به التقرير هو الحقيقة المطلقة، بل هي آراء قابلة للنقاش، كي تؤسس أرضية للحكومة للعمل معها، ومع المجتمع المدني والأحزاب السياسية، خاصة أن هناك اقتراحات وتوصيات تخص هذه الأخيرة. عموما، نحن نعتبر التقرير أرضية عمل للمستقبل، فهو يتضمن إما عناصر مدققة أو أفكارا سنقوم بتدقيقها، حتى تصبح بمثابة برنامج عمل لنا خلال الأسابيع والشهور المقبلة. - تحدثتم عن محدودية التدبير المالي والإداري للهيئة، ماذا تقصدون بالضبط، وما هي أهم الاختلالات في هذا الباب؟ نقصد أن المشرع ألقى على عاتق الهيئة مهام جسيمة، منها مساعدة الحكومة على إيجاد استراتيجية وبرامج عمل وإجراءات، ثم الإشراف على الإنجاز في هذه المجالات، إضافة إلى تقييم السياسيات والإنجازات والتنسيق بين الفاعلين، على المستوى الوطني، أو الجهات الأممية العاملة في المجال. هذه مهام جمة تتطلب أن تُرصَد لها إمكانيات مادية وبشرية تناسب حجم المسؤولية، هذا ما نقوله... إن بإمكاننا أن نعمل بالإمكانيات المرصودة لنا، والمتمثلة في ميزانية قدرها 15 مليون درهم للتسيير سنويا، لكن هذا قليل لا يتيح إلا القيام ببعض الدراسات والمبادرات. إضافة إلى ذلك، ندعو إلى تمكين الهيئة من مساطر مبسَّطة تُمكِّن من العمل بكل سلاسة ولا تُثبِّط من عزيمتها، عبر إبقاء مساطر ذات طابع بيروقراطي تؤدي إلى تأخير العمل، مثل مساطر الصرف واستقطاب الكفاءات. وللتوضيح أكثر، فليست أمامنا عراقيل من نوع سياسي أو محاولة هيمنة. - لماذا تحدثتم عن التخصص القضائي في وقت انتهى زمن المحاكم الاستثنائية؟ إن محكمة العدل الخاصة كانت قضاء استثنائيا، حيث لم يكن الحق إلا لوزير العدل كي يحرك المتابعات، وكان وجيها إلغاؤها، لكن ما لوحظ هو أنه بعد إلغاء محكمة العدل الخاصة، أحيلت قضايا الرشوة على المحاكم العادية، دون أن تكون لديها الخبرة ولا الدراية ولا المعرفة بالمجال، خاصة وأن ملفات الرشوة هي قضايا شائكة، نظرا إلى صعوبة الإثبات والتحري.. وما نقول به هو أنه يجب أن يكون لدينا قضاء متخصص مكون في هذا المجال، كما في المجال الإداري أو المالي، ويجب أن تأخذ ملفات الرشوة طريقها، كما حال سائر الملفات الأخرى، ويجب أن يتم تتبع المسطرة العادية وليس الاستثنائية، شرط أن يكون للقضاة والأعوان والمحامين وكل من يساهم في هذا المجال تكوين متخصص في التحري والمتابعة. - هل هناك ميز بين المواطنين العاديين والمسؤولين في قضايا الفساد المالي؟ نعم هناك ميز، وإن كان لا يجب أن يكون أي أحد فوق القانون، غير أن المُشرِّع ارتأى أن تكون لمتابعة الوزراء والبرلمانيين وبعض الموظفين السامين مسطرة خاصة. وهو من خلال إرسائه هذه المسطرةَ الخاصة إنما توخى المشروع صون هيبة هذه الوظائف وتمكين مزاوليها من التعبير، بكل حرية، عن مواقفهم وتحصينهم من مختلف الضغوط وأنواع الابتزاز السياسي، دون أن تتحول إلى وسيلة للإفلات من المحاسبة والعقاب. وهذا التفسير القانوني هو الذي حذا بالتقرير إلى تبني مقترح يؤكد على حتمية اعتماد منظور متطور لمساءلة الوزراء وللحصانة البرلمانية وللامتيازات القضائية، يستجيب لمتطلبات سيادة القانون وتحقيق العدالة ومساواة الجميع أمام القضاء، خصوصا عندما يتعلق الأمر بجرائم لا يُستساغ إخضاعها تلقائيا للاستثناء أو للحصانة أو للامتياز، كجرائم الفساد. ولهذا، فما علينا القيام به هو أن تكون جميع القوانين وجيهة والنصوص التطبيقية المتعلقة بها موجودة، حتى لا نؤجل، إلى ما لا نهاية، إمكانيةَ محاسبة جميع أصناف المسؤولين على المستوى الجنحي والجنائي. نحن نتحدث عن تطبيق القانون ويجب ألا تكون هناك عرقلة مسطرية أو إجرائية لمحاسبة المسؤولين، أينما كانوا... - هل هناك مشروع لتعديل قانون محاسبة الوزراء والبرلمانيين؟ سوف نعمل في هذا المجال، وأظن أن الحكومة ستفكر في هذا الاتجاه، خاصة في ما يتعلق بتفعيل المحكمة العليا وتوضيح مجال حصانة البرلماني، أي هل ستحصنهم في العمل السياسي أم ستحصنهم في أعمالهم التجارية وفي تصرفاتهم المدنية؟ - ذكرتكم توسيع دائرة أطراف الرشوة بالنسبة إلى الأجانب والعاملين في المنظمات الدولية، ماذا تقصدون بذلك؟ إن القانون يغفل محاولة الإرشاء ولا يُجرِّم إلا الفعل، فإذا حاول أحدهم الإرشاء أو الارتشاء وكانت هناك قرائن، فإنه لا يتابَع. نحن نسعى إلى تجريم المحاولة حتى لا نخول لأحد أن يقوم بهذا العمل الشنيع، أما بخصوص الأطراف التي لم يَرِد بعضها في القانون، مثل الموظفين الأجانب وموظفي المنظمات الدولية، فيمكن توضيحه من خلال إعطاء مثل نظري يتمثل في أنه بإمكان مقاول مغربي أن يرشي موظفا أجنبيا، للحصول على صفقات في بلد آخر، دون أن يكون خاضعا للمتابعة، رغم أن هذا محظور دوليا. ومن الأطراف الأخرى التي لم يَنُصَّ عليها القانون ولم ترد في سؤالك، الأشخاص المعنويون، مقاولة أو مؤسسة عمومية، لأنه من الممكن أن تقوم مؤسسة بالإرشاء، لذلك لا بد من متابعتها، قانونيا. لدينا اقتراحات في كل نقطة، لدينا شبه كتيب حول الموضوع، وليست فقط مشاريع قوانين، بل تعديلات سوف نخضعها للنظر النقدي لاختصاصيين وفقهاء القانون، وكلما نضجت فكرة نمد بها الحكومة، علما بأننا أحلْنا عليها مجموعة من المقترَحات التي وردت في التقرير في وقتها، خصوصا خلال إعداد مشروع برنامج عمل لمحاربة الرشوة. - ما مدى مصداقية التقارير الدولية وترتيب المغرب من حيث انتشار الرشوة؟ في غياب مؤشرات أخرى، تظل هذه المؤشرات هي المرجعية الوحيدة، ويجب العمل بها وكأنها تصف الحقيقة كما هي، بالرغم من أنها لا تُعبِّر سوى عن الانطباع لدى مجموعة من المستطلَعة آراؤهم، فعلى الصعيد الدولي هناك تفكير في إعادة النظر في هذه المعايير، خصوصا في معيار مؤشر إدراك الرشوة، هناك مؤسسات لا تخفي انتقادها لهذا المؤشر، لأنه ربما يعطي أهمية أقوى للرشوة الصغيرة، مقابل إغفال الرشوة الكبيرة، لأن الأولى عندما تكون معمَّمة تعطي انطباعا بأنها متفشية، في حين نجد حالات دول تنتشر فيها الرشوة الكبيرة وليست فيها رشوة صغيرة، ولكنها لا ترد في مؤخرة الدول، لأن الذين يرشون على مستوى عالٍ لا يُصرِّحون ولا يقولون إنهم مستعدون لدفع رشاوى مقابل الحصول على صفقات. وعلى سبيل المثال، في قطاع التجارة العالمية، هل نظن أن الذين يقومون بدفع الرشوة مقابل الحصول على صفقات الأسلحة أو صفقات الطائرات، بعمولة، يصرحون بذلك؟ في المقابل، نجد مستثمرا صغيرا يقول إنه كان مرغما على دفع الرشوة ويُصرِّح بها. - إلى أي حد تشخص التقارير المنجَزة واقع الرشوة في المغرب؟ هناك استحالة للتشخيص العلمي للقضايا المجتمعية، لأننا لسنا في مجال العلوم الدقيقة، بل في العلوم التقريبية، فنعتمد على مسوح واستطلاعات وتصريحات، ولكن هذا غير كافٍ، لكننا نتقي شر الواقع النسبي لهذه المقاربات، عبر القيام بأنواع مختلفة من البحوث. - كيف ترون تنفيذ الأحكام المتعلقة بمجال اهتماماتكم؟ هناك صعوبة جمة في تنفيذ الأحكام القضائية، خصوصا إذا كان الطرف المحكوم عليه ذا سلطة، فهناك إدارات لا تطبق الأحكام الصادرة في حقها، وهناك مقاولات وأشخاص نافذون لا يطبقونها ويَعْتزُّون بقدرتهم على الوقوف ضد التنفيذ، حتى تتقادم وتتلاشى، وهذا يقلص من قوة القانون... - وعلى من تقع مسؤولية ذلك؟ على أطراف كثيرة، لأن خرق القانون أصبح «ثقافة» وأضحى ساريَّ المفعول في القضايا الكبرى والصغرى على السواء، حتى في تطبيق قانون السير على الطرقات.. ويكون التساهل في التعامل بالرشوة أو غض الطرف عن «الشخصيات» أو عن الذين يَبْدون من ذوي النفوذ.. وكل هذا يجعل القانون مجردَ «ديكور» وليس قانونا صارما يُطبَّق على الكل، هكذا تُخلَق هذه الثقافة المتساهلة مع القوانين. - في رأيكم، ما هي أهم الحلول لمحاربة الرشوة والفساد المالي؟ أعتبر أن سيادة القانون هي أول شيء ينبغي العمل به، ولكن قبل ذلك ينبغي أن يكون القانون عادلا وتكون الصرامة في الزجر أثناء تطبيقه، ثم الشفافية والتبسيط، لأنه كلما كانت الأمور معقدة كلما كان هناك تبرير للرشوة، إضافة إلى التربية، فمثلا إذا كنا في بيوتنا متسامحين مع الكذب، فإن الطفل يعتبره مسألة عادية وجائزة، وإذا كنا صارمين بخصوصه، فإنه سيعتبر أن الكذب غيرُ مباح. وإذا دخلنا في التفاصيل، فإننا نحتاج إلى بناء منظومة وطنية للنزاهة، وهي عبارة عن بناء متكامل أساسه الإصلاحات الكبرى والقضاء والحد من الاحتكارات وضبطها، والحد من السلطات التقديرية، أينما كانت، وتبسيط المساطر وإصلاح القضاء ككل.. وقد يأتي هذا في جميع برامج الأحزاب السياسية والمجتمع المدني، لكن هناك برامج عينية تخص كل عماد من أعمدة هذا الصرح، فالعماد الأول هو أنه على السلطة التنفيذية أن تبرهن على إرادة سياسية وأن تكون لديها استراتيجية وبرامج طويلة النفَس وليس برامج موسمية، وينبغي أن يلاحظ الكل أن هناك إرادة تُطبَّق سنويا، وهذا من شأنه أن يُحسِّن مرتبة المغرب في مؤشر إدراك الرشوة، كما على البرلمان أن يقوم بكامل دوره، لمحاسبة الحكومة، سواء في صرفها أو تحصيلها للمالية أو في إنجازها برامجَها ويكون حريصا على المال العام، ثم أجهزة المراقبة، كل حسب اختصاصاته.. وحتى تكون الفعالية كاملة، ينبغي أن ينخرط القطاع الخاص والصحافة والمجتمع المدني في هذا الميدان، كل من جهته، وحتى إن كانت للحكومة مسؤوليةٌ أكبر من المجتمع المدني، فإن على الجميع أن يعمل بنفس الوتيرة... - لكنْ، ما جدوى التقارير في وقت قدم المجلس الأعلى للحسابات تقريرَه وتحدث وزير العدل عن عدم توصله بالوثائق من أجل تحريك المتابعة؟... يجب في هذا المجال أن نتحلى بالحيطة والحذر، ونعرف عن أي سؤال أجاب وزير العدل، وماذا قال.. أظن أن ما قيل يفسر أن المتابعة هي مسألة وقت، لأن القضايا التي يمكن أن تكون ذات طابع جنائي تتطلب من المجلس الأعلى للحسابات، الذي وقف على مجموعة من الاختلالات، أن يهيئ ملفات قابلة للإحالة، وهذا يأخذ بعض الوقت، فهناك فرق بين أن نقف على اختلالات وبين تأسيس ملف، بالحجج، يُبيِّن أن هناك مخالفة ذات طابع جنحي أو جنائي، لدي الثقة في أن الجميع يقوم بمهامه وفي أن المجلس يقوم بدوره كاملا، بما يخوله له الدستور، وسيكون مضطرا إلى تعزيز وسائله المالية والبشرية، لأنه مقبل على تحمل مسؤولية تتبع التصريح بالممتلكات.