خلف الابتسامة التي عاد بها القاضي بنسامي من جلسة المداولة في ملف بليرج في ساعة متأخرة من ليلة الجمعة الماضي، اختفت أحكام جعلت قاعة المحكمة تهتز باحتجاجات صاخبة وسط إغماء عدد من الحاضرين، بعد أن قررت المحكمة تأييد حكم المؤبد الصادر في حق عبد القادر بليرج مع إجراء تعديل على مقاس واحد للحكم الصادر في حق خمسة معتقلين سياسيين، الذي قلص إلى عشر سنوات، فيما قررت الهيئة تأييد الأحكام الصادرة في حق الباقين. الكلمة الأخيرة للمتهمين، البالغ عددهم 35 شخصا، والذين توبعوا بتهم «تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف، والقتل العمد ومحاولة القتل بواسطة أسلحة نارية مع سبق الإصرار والترصد، ونقل وحيازة أسلحة نارية وذخيرة بغرض استعمالها في تنفيذ مخططات إرهابية، وتزييف وتزوير وثائق رسمية وانتحال هوية، وتقديم وجمع أموال وممتلكات وقيم منقولة بنية استغلالها في تنفيذ مشاريع إرهابية، وتعدد السرقات وتبييض الأموال»، كل حسب ما نسب إليه، عرفت بعض المفاجآت التي بقيت لغزا، إذ سلم مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري المنحل، ورقة صغيرة مطوية بعناية للقاضي بنسامي تتضمن اسم شخصية طلب منه الاتصال بها، للوقوف على حقيقة الملف، وهي نفس الورقة التي اطلع القاضي على مضمونها قبل أن يسلمها للدفاع، الذي رفض الكشف عن طبيعة الاسم المدون بها بمبرر السر المهني. وكان المعتصم قد احتج بشدة في كلمته الأخيرة على الأوصاف التي وردت في مرافعة النيابة العامة في حق المتهمين بعد أن شبههم ب«الحوثيين». وأصر المعتصم على إتمام كلامه بعد أن قاطعه القاضي مرات متعددة، وطلب منه أن يبتعد عن السياسة، غير أن المعتصم واصل كلامه واعتبر أن هذا الملف تقف وراءه جهات تريد إقحام المؤسسة الملكية في صراع مع الإسلاميين، وأن الأمر «مرتبط بمخطط يصنع في تل أبيب»، وهو كلام لم يرق للقاضي بنسامي، الذي ثارت حفيظته، وطلب من كاتب الضبط عدم تسجل هذه الجملة قبل أن يتوجه إلى باقي المعتقلين السياسيين ويسألهم بلهجة غاضبة «باقي عندكم ما تگولو؟»، ودون أن ينتظر ردهم، رفع الجلسة للمداولة. عبد القادر بليرج، المتهم الرئيسي في هذا الملف، لم تتح له الفرصة لقراءة كلمة طويلة بعد أن طلب منه القاضي أن لا يعيد تكرار ما ورد في مرافعات الدفاع، وأن يأتي بشيء جديد، ليؤكد بليرج أن الأحكام الابتدائية صدرت بدون ملف، كما تم إخفاء عدد من الوثائق، منها المحاضر المتعلقة بالتحقيق الذي تم إجراؤه في سجن سلا. وبخصوص جرائم الاغتيال المنسوبة إليه في بلجيكا، قال بليرج «لو كانت هناك معلومات لاستعملها البلجيكيون ضدي». باقي المتهمين طالبوا ببراءتهم، فيما أشار آخرون إلى أنه ليس لديهم ما يضيفونه قبل أن تختلي الهيئة للمداولة التي امتدت خمس ساعات، ليعود القاضي بنسامي ويصدر أحكاما تمكنت هيئة الدفاع وحدها من سماعها بعد عطل غامض أصاب الميكرفون، حيث قضت المحكمة بتثبيت السجن المؤبد في حق عبد القادر بليرج وتأييد الأحكام الصادرة في حق باقي المتهمين، مع تخفيض العقوبة الصادرة في حق مصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري المنحل، ومحمد المرواني، الأمين العام لحزب الأمة غير المرخص له، ومحمد أمين الركالة، الذين أدانتهم المحكمة الابتدائية ب25 سنة، إلى عشر سنوات. كما قضت بتخفيض العقوبة الصادرة في حق مراسل قناة «المنار» عبد الحفيظ السريتي وعضو حزب العدالة والتنمية ماء العينين العبادلة من عشرين سنة إلى 10 سنوات. كما استفاد شقيق عبد القادر بليرج من تخفيض الحكم بعد أن قررت غرفة الجنايات الاستئنافية المكلفة بقضايا الإرهاب في ملحقة محكمة الاستئناف بسلا خفض العقوبة الصادرة في حق صلاح بليرج من ثمان سنوات إلى خمس سنوات، فيما احتفظ عدد من المتهمين بعقوبات وصلت إلى ثلاثين سنة سجنا نافذا. خلفت الأحكام حالة من الصدمة لدى هيئة الدفاع والمتهمين وعائلاتهم حيث شوهد مصطفى المعتصم في حالة عصبية، في حين أصيب أحد المتهمين بهياج عصبي حاد، قبل أن يتدخل بعض رجال الأمن لمساعدته على مغادرة القفص الزجاجي، في الوقت الذي ردد الحاضرون عدة شعارات تندد بالأحكام وسط حالة من الأجواء المشحونة أجبرت رجال الأمن على الإسراع بإفراغ قاعة المحاكمة ليتم بعد ذلك تنظيم وقفة احتجاجية أمام البوابة الحديدية للمحكمة. وأكد محمد الصبار عن هيئة الدفاع أن الأحكام شكلت صدمة بعد أن قامت محكمة الاستئناف «بتثبيت الأحكام الابتدائية جملة وتفصيلا، مع تعديل جزئي كان الهدف منه هو إيهام الرأي العام والمتتبعين بأن مرحلة الاستئناف راجعت الأحكام الابتدائية»، وأضاف أن هذه الأحكام «لا تتناسب مع الاتجاه الذي ينبغي أن تسير فيه البلاد». من جانبه، قال خالد السفياني إنه نبه في آخر مرافعته إلى أن المطروح ليس هو تخفيض العقوبة، بل الحكم ببراءة السياسيين. وأضاف بأنه نبه إلى ذلك لأنه توقع هذا السيناريو. وأضاف أن هيئة الدفاع مقتنعة ببراءة موكليها، وأن الحكم الصادر أضر بالمغرب، وقال: «نريد قضاء مستقلا ونزيها يخاف الله وليس العبد أيا كان».