بعد كابوس مجموعة من الرحلات الجوية التي فاتتْه وصعوبة الحصول على بطاقات الصعود إلى الطائرة وكذلك إيداع الحقائب والأمتعة، ظل الصحافي الاسترالي أندرو داربي يشكر الله ألف مرة على أن المطارات في أستراليا «مازالت تعمل ضمن دائرة العقل والمنطق وليست كالمطارات في المغرب». «لا توجد تذاكر لدبي! ولا حتى للإمارات! لقد تم إغلاق باب الحجز» .. هذه العبارة التي لم نكن نريد أن نسمعها في مطار الدارالبيضاء. لقد كانت هذه عبارة أحد موظفي مكتب «الترانزيت»، بينما كنا نتابع الطائرة المتوجهة إلى دبي، على بعد 50 مترا فقط، وهي تفلت من بين أيدينا... لقد تحولت لحظات السفر هذه إلى أسوأ تجربة مررت بها. وبقدر ما تسعفني به الكلمات، كان هذا مجرد يوم آخر في أحدى المطارات المغربية. وبينما تتذمر -أيها المواطن الأسترالي- بشأن طوابير الانتظار في مطار «تولامارين» أو «ماسكوت»، استمع إلى هذه القصة الصغيرة، وإنني متأكد من أنك بعد أن تقرأها ستكون ممتنا لأن مطاراتنا «جنة» من التعقل والكفاءة، مقارنة بمطارات أخرى. عند عودتنا من العمل في تغطية فعاليات اجتماع اللجنة الدولية لصيد الحيتان في جنوب المغرب، ظننا -نحن المجموعة الصغيرة من الأستراليين، مشاركين وصحافيين- أننا كنا بمأمن، لأننا وصلنا قبل ساعتين من موعد إقلاع الطائرة من مطار أكادير... لم يكن المنظر مشجِّعاً بالمرة. عندما وصلت إلى مكتب إيداع الحقائب وجدت الموظفة هناك وقد دفنت رأسها بين كفيها وبدأت تنتحب وتبكي. فقد استغرق الأمر 90 دقيقة لتمرير حقائب 30 شخصا قبلي، ويبدو أن حماس الموظفة قد فتُر بشكل واضح في ذلك الوقت. وكجميع المغاربة الذين التقيتهم، لم تُرِد الموظفة أن تُخيِّب أملي وترجعني خائبا، وكانت مهذَّبة معي. بل وحاولت رسم ابتسامة شجاعة، غير أنها قالت لي إنه على الرغم من أنه يمكنني أن أرسل حقيبتي إلى «ملبورن» في أستراليا، فإنه لن يمكنني أنا شخصيا أن أذهب إلا إلى الدارالبيضاء في الوقت الحالي... فكرت في أن أي طائرة يمكنني الصعود على متنها هي عصفور في اليد لا يجب أن أفلته، خاصة مع مرور الوقت وقرب انطلاق الطائرة وإجراءات الأمن التي علي الخضوع لها أولا. المشكلة التالية كانت الأمن: لم يكن لدي بطاقة لصعود الطائرة بعد الدارالبيضاء، لذا فقد أشار علي رجل الأمن بالعودة إلى الوراء. اعترضت على هذا الأمر، وفي نفس الوقت صاح بي أحد زملائي المسافرين الذين تمكنوا من المرور: «أندرو، عليك الإصرار على المرور»!... وكان هذا الهتاف في المغرب، حيث العديد من المعاملات العادية غالبا ما تنطوي على مناقشات ساخنة، كافيا لطمأنة حارس الأمن الذي أومأ لي مرة أخرى بالمرور... ثم جاء وقت الانتظار، للحصول على طابع إدارة الجوازات والحدود. كان من المقرَّر أن تُقلع الطائرة من أكادير إلى الدارالبيضاء في غضون دقائق، وقد كنا في غاية القلق، حتى اتصل صديق من صالة المغادرة ليقول إن الطائرة لم تصل بعد فعلا. كنا نظن أن هذه أخبار جيدة. وكم كنا أغبياء! بعد أن اقتنع مسؤول نزق في إدارة المطار من خلال تذكرة حقيبتي بأنني كنت ذاهبا إلى «ملبورن»، ولجتُ بهو المطار، أملا في أن أجد لي مكانا على «طيران الإمارات»، عن طريق دبي نحو استراليا. وأخيرا، وبعد انتظار طويل وصلت طائرة متهالكة تابعة للخطوط الجوية الملكية المغربية من طراز «بوينغ 747». وكنا قد جلسنا على مدرج المطار لمدة ساعة قبل الإقلاع، علما بأن الأمر استغرق نصف ساعة فقط للوصول إلى الدارالبيضاء!.. وما إن وصلنا حتى هرعنا بأقصى سرعة للحصول على تذاكر لصعود الطائرة نحو دبي، ومنها إلى استراليا. غير أن مجموعة من المسافرين من جنسيات مختلفة كانت تفصل بيننا وبين مكتب طيران الإمارات. كانت المجموعة مشكَّلة من ألوان ومشاربَ مختلفة من رجال الأعمال الأفارقة إلى المشرقيين، ذوي الجلابيب البيضاء المميزة. للحصول على صورة كاملة، لا تفكروا في طابور اعتيادي أو إعلان أو حتى يافطة، بل تخيلوا مكتبا للطيران، فيه إشارة تحمل لغات عدة وثلاثة موظفين منغمسين في تلبية طلبات 100 شخص منفعل. لقد كان الأمر كما لو كنا نتنافس على بطاقات صعود الطائرة الأخيرة من الدارالبيضاء، لذا وبعد تلك العبارة «لا توجد تذاكر إلى دبي»، استسلمنا وجررْنا ذيول الخيبة للحصول على تذاكر جديدة مرة أخرى. ولعلكم تعتقدون أن ذلك الأمر تم على الفور؟ لكنني أخشى عليكم من القول إن الأمر لم يكن كذلك البتة. فمن خلال عملية تكرار الرفض الرسمي لدخولنا، وجدنا أن الطريقة الوحيدة للوصول إلى مكتب طيران الإمارات وإعادة حجز تذاكر نحو أستراليا هي إلغاء طابع الخروج من المغرب والعودة مرة أخرى إلى أراضي المملكة. وعندما وجدنا المكتب الجانبي الصغير لإتمام هذا الأمر، كان هناك حشد من الناس أيضا ينتظرون... وفيما كان الآخرون يتدافعون للحصول على إلغاء طابع الخروج، بدأت مشاعر القلق تراودنا من فقدان خياراتنا المتاحة لإعادة الحجز، لذا فقد قمنا بشبك أكفنا ببعضها البعض، لتشكيل حلقة بشرية فلم يدخل أو يخرج أي شخص حتى حصلنا على إلغاء طوابعنا. وبعد مناقشات حادة إضافية والمرور على عدد من المكاتب لوضع الأختام مرة أخرى، هرعنا راكضين من جديد نحو مكتب طيران الإمارات في قاعة المغادرة، لنشكل طابورا آخر، لإعادة حجز التذاكر نحو أستراليا. في تلك اللحظة، لم تكن الأخبار سيئة. فقد تمكنا جميعا من إيجاد مكان لنا على متن رحلة تربط بين الدارالبيضاءودبي في اليوم التالي، وقد حصل بعضنا على المقاعد الأخيرة في رحلة أولى نحو دبي، فيما تم تأجيل سفر البعض الآخر حتى رحلة كان من المقرَّر أن تقلع في منتصف اليوم الموالي. بعد ذلك، قضى بعضنا ساعات لاسترداد أمتعتهم. أما أنا فقد قررت أن أدع حقائبي تغادر وتجرب حظها في الوصول إلى أستراليا... وقد حجزت لنا الخطوط الجوية الملكية المغربية ليلة على حسابها في فندق المطار الذي كان يعج بعشرات المسافرين المنهَكين مثلنا.. غير أننا عدنا في وقت مبكر جدا في اليوم التالي للوقوف في طابور الصعود إلى الطائرة وإيداع الحقائب. وبشكل مثير للدهشة، قابلت حقائبي بعد ثلاثة أيام من تركها في أكادير، في ملبورن. وقد كلفتني أخطاء الخطوط الجوية الملكية المغربية غير المبرَّرة مئات من الدولارات من بين السفريات المتقطعة ومصاريف الإقامة. لكنني تمكنت أخيرا من الفرار بجلدي، فالحياة صعبة جدا في ذلك الجزء من العالم!... تتوفر بعض المطارات على كفاءة مذهلة، فمطار دبي، على سبيل المثال، هو بمثابة عش للنمل مليء بالحركة وسط ساعة سويسرية عملاقة ولكنها تسير بدقة متناهية. فأعداد مهولة من البشر تمر يوميا عبر قاعاتها الصقيلة لتصل طائرتها في الوقت المحدَّد. دول أخرى، مثل المغرب، تنهار تحت وطأة ازدهار السفر الجوي العالمي. فالطريقة المغربية لإنجاز هذه الأمور والبنية التحتية الأكثر فقرا، أشبه بالغرق في مستنقع من المشاكل! لحسن الحظ بالنسبة إلينا في أستراليا أن طرق العمل في المطارات هي أشبه بنظيرتها في دبي وليس بما هو عليه الحال في الدارالبيضاء!...