صُدم المغاربة وهم يرون طفلتين توأمتين لا يتجاوز سنهما 14 سنة تخططان لتفجير نفسيهما داخل قبة البرلمان. يوم تفكيك الخلية، أواخر شهر شتنبر من سنة 2003، غطت صور سناء وإيمان لغريس على باقي أعضاء الشبكة، وتصدرتا عناوين الصحف المغربية والعالمية، واحتلتا الحيز الأكبر في نشرات أخبار التلفزيونات، لأنهما، بكل بساطة، أصغر «إرهابيتين» في العالم.. بيد أن الصحافيين والمحققين لم يبحثوا في الأسباب التي دفعت التوأم إلى اعتناق الفكر الإرهابي التكفيري، ولم يسبروا أغوار حياة أليمة عاشتها التوأمتان دون أب، مجهول الهوية، وبعيدا عن الأم. عاشتا اغتصاب الطفولة بمعناه الحقيقي بين فصل الدرس وعجوز الحي المجاور، وتدرجتا في خدمة بيوت أناس لا تعرفانهم حماية لنفسيهما من خطر الشارع، وتعرضتا إلى أبشع أنواع الاستغلال الجسدي والنفسي، إلى أن وجدتا نفسيهما بين أيدي متطرفين إرهابيين اعتبروا التوأم أفضل وسيلة لإغراق عاصمة المملكة في حمام دم واسع.. إليكم اعترافات سناء وإيمان، قصة التوأم من الاغتصاب إلى الإرهاب.. خلف السؤال الذي وجهته التوأمتان إلى إمام المسجد حول جواز تفجير محل لبيع الخمور صدمة كبيرة وسط المصلين ممن حضروا درس ذلك اليوم. استشاط الإمام رشيد غضبا وهو يقرأ السؤال علانية، ويتوعد في الآن نفسه صاحب السؤال بجهنم إن أقدم على قتل أرواح بريئة في مركز تجاري. وناشد المصليات التحدث إلى هذه الفتاة التي تبلغ من العمر 13 سنة وتريد تفجير مركز تجاري بدعوى أن الخمور تباع بداخله. «لم نقتنع بجواب الإمام، لأننا كنا مصرتين على فعل ما يخالجنا»، تقول إيمان، وتضيف: «زادت الفكرة ترسخا لأننا اعتقدنا أن الإمام شدد من لهجته المتوعدة لدى إجابته عن السؤال فقط خوفا من رجال البوليس، الذين يكونون عادة مندسين بين المصلين في المساجد، ولأننا كذلك كنا حينها طفلتين لم نتجاوز الثالثة عشرة من العمر، حيث كنا نعتبر أي شخص يخالفنا الرأي حول الأفكار الجهادية بمثابة خائف وجبان». حينما كانت التوأمتان تختليان ببعضيهما في الغرفة الضيقة، فوق سطح ذلك البيت الواقع بجبل الرايسي، تخوضان في الحديث عن الجهاد والتغيير، فتجدان نفسيهما تتقاسمان الأفكار والمواقف ذاتها، وحالما تلج أمهما البيت تغيران أسلوب التواصل بينهما، إذ تلجآن إلى الكتابة على دفتر، وتشرعان في تبادله بين قول ورد أو تعقيب أو تكملة أو طرح جديد، مواصلتين حديثهما دون أن تشعرا والدتهما بأن نقاشا يدور بينهما فبالأحرى أن تشعراها بطبيعة الموضوع الذي تخوضان فيه. كان هاجس الإعداد اللوجستيكي لتنفيذ خطة التفجير حاضرا بقوة في تفكير التوأمتين. وتتذكر سناء في هذا الإطار أنهما أصبحتا تبحثان «عن جهات لتدعيمنا من أجل تنفيذ المخطط -تقول سناء- وتحولنا فيما بعد، أمام عجزنا عن الحصول على الإمكانيات اللوجستيكية التي من شأنها أن تتيح لنا ترجمة ما عقدنا عليه العزم على أرض الواقع، إلى القيام بعمليات تهديد وتوعد عبر الهاتف لإدارات عمومية ومصالح دبلوماسية أجنبية في المغرب»، حيث اتصلتا، انطلاقا من هواتف عمومية في الشارع، بوزارتي الداخلية والخارجية وبولاية الأمن والسفارة الأمريكية تهددانها جميعا بالتفجير. «كنا نعمد إلى الاتصال من أماكن بعيدة عن بيتنا للتمويه على الأمن»، تتحدث إيمان مبتسمة. وعن طريق حسن «كشك»، الذي كان يستقبل في مكتبته العديد من الملتحين، التقت التوأمتان سناء وإيمان بالعديد من «الإخوة» الذين كان بعضهم ضد فكرة تقرب التوأم منهم، خوفا على أنفسهم من الاعتقال، خصوصا وأن الحي الذي كان يجتمع فيه هؤلاء كان تحت المراقبة نظرا إلى الحركة الغريبة التي كانوا يحدثونها بتوافد عدد كبير منهم على مكتبة «كشك» وكذا بعقدهم بشكل متواصل لاجتماعات في أحد البيوت.. وهم، للإشارة، يتبنون المذهب التكفيري الجهادي. في تلك الفترة، بلغت علاقة التوتر بين إيمان ووالدتها مستوى لم يعد ممكنا معه استمرار التعايش بينهما، ولاسيما بعد اختلافهما حول زواج شقيقتها سناء التي لم يكن سنها يتجاوز 13 سنة من أحد الملتحين، حيث رفضت الأم رفضا قاطعا فكرة زواج ابنتها سناء لحداثة سنها، مما جعلها تصطدم بشكل مباشر بابنتها إيمان التي أرادت لشقيقتها ال«انعتاق» من الظروف الاجتماعية القاسية التي كن يعشنها ثلاثتهن رغم أن سنها لم يكن يتجاوز ال13. في تلك الليلة الباردة، طردت الأم ابنتها إيمان من الغرفة. «قضيت الليل في الشارع إلى حدود الساعة الثانية صباحا.. عندها رأيت طفلا وأباه قادمين في اتجاهي...»، تتذكر إيمان تفاصيل تلك الليلة وتضيف: «قدم في اتجاهي الابن في الوهلة الأولى يسألني عن سبب وجودي في ذلك المكان المظلم، قبل أن يأتي والده ليعرض عليّ المساعدة قائلا: هذا ابني، وزوجتي في البيت، هيا لتقضي الليلة معنا». دخلت إيمان بيت فاعل الخير وابنه، فوجدت من زوجة الرجل عناقا وترحيبا وكرما، فقضت ليلتها الأولى، بعد الطرد من الغرفة الضيقة، في البيت الفسيح لفاعل الخير. كان فاعل الخير رجلا ملتحيا، ذا شعر ناعم قد غزاه الشيب، كان يبدو إنسانا عاديا من النظرة الأولى، لكنه كان يخفي وراءه تاريخا من السجن بسبب عملية إرهابية سابقة، كان قد شارك فيها. فاعل الخير هذا كان يدعى عبد القادر لبصير، أحد المتورطين في قضية الهجوم على فندق «أطلس أسني» بمدينة مراكش خلال أواسط التسعينيات، حيث كان من المشاركين في إدخال الأسلحة إلى المغرب من الجزائر. في الليلة الأولى، لم يتوان عبد القادر في تكفير الجميع، بدءا ممن وضعوا القانون من المشرعين ومن حرموا الزواج في سن مبكرة، وصولا إلى المجتمع بكل مكوناته، من رجال الأمن إلى رجال التعليم، وبطبيعة الحال النظام السياسي القائم، لأنه لا يحكم «بالقرآن والسنة»، كما يقول عبد القادر الذي ذهب إلى أبعد من ذلك حين أفتى الطفلة بعدم أداء الصلاة في المساجد لأنها تضم أناسا مختلطين، من بينهم كفار. طال حديث التكفير بين الرجل والطفلة، التي كشفت له عن عملياتها مع شقيقتها التوأم، من صياغة وتوزيع المنشورات إلى إرسال تهديدات إلى السفارة الأمريكية، وهو ما أثار إعجاب عبد القادر، فتبادلا الحديث عن أسامة بن لادن وعن «المجاهدين في أفغانستان وباكستان» وعن أمريكا وبوش والمغرب والإسلام... إلى أن بشرها بالفرقة الناجية، من بين جميع الفرق الموجودة على وجه الأرض.. الناجية، طبعا، من جهنم والفائزة بنعيم الجنة. حين تذكرت التوأمتان هذا الكلام وهما في مقر جريدة «المساء» انفجرتا بالضحك وهما ترددان : «إن العالم بأسره سيذهب إلى جهنم باستثناء الفرقة الناجية التي تضم عبد القادر وسناء وإيمان»، هكذا كان يوهمهما عبد القادر عند لقائه الأول بهما.