صُدم المغاربة وهم يرون طفلتين توأمتين لا يتجاوز سنهما 14 سنة تخططان لتفجير نفسيهما داخل قبة البرلمان. يوم تفكيك الخلية، أواخر شهر شتنبر من سنة 2003، غطت صور سناء وإيمان لغريس على باقي أعضاء الشبكة، وتصدرتا عناوين الصحف المغربية والعالمية، واحتلتا الحيز الأكبر في نشرات أخبار التلفزيونات، لأنهما، بكل بساطة، أصغر «إرهابيتين» في العالم.. بيد أن الصحافيين والمحققين لم يبحثوا في الأسباب التي دفعت التوأم إلى اعتناق الفكر الإرهابي التكفيري، ولم يسبروا أغوار حياة أليمة عاشتها التوأمتان دون أب، مجهول الهوية، وبعيدا عن الأم. عاشتا اغتصاب الطفولة بمعناه الحقيقي بين فصل الدرس وعجوز الحي المجاور، وتدرجتا في خدمة بيوت أناس لا تعرفانهم حماية لنفسيهما من خطر الشارع، وتعرضتا إلى أبشع أنواع الاستغلال الجسدي والنفسي، إلى أن وجدتا نفسيهما بين أيدي متطرفين إرهابيين اعتبروا التوأم أفضل وسيلة لإغراق عاصمة المملكة في حمام دم واسع.. إليكم اعترافات سناء وإيمان، قصة التوأم من الاغتصاب إلى الإرهاب.. عندما حطت إيمان رحالها في بيت خالتها بمنطقة غيغو، بإقليم بولمان، كانت تعتقد أنها ستتخلص من حياة الشقاء التي عاشتها في بيت خالها في الغرفة الضيقة مع جدها. خلال مرحلة المقام بغيغو، قدمت سناء بمظهر جديد، حيث كانت ترتدي خمارا يغطي شعرها وسائر جسدها، وبتغيير داخلي سببه تحول ديني قلب ممارسات ومعاملات هذه الصغيرة، التي لم يكن يتجاوز سنها الثانية عشرة، رأسا على عقب. فسرت لشقيقتها سبب التغيير، ووجدتا نفسيهما تناقشان وضع الأمة العربية بتعقيداته.. كانتا تعطيان تفسيرات بسيطة لقضايا كبيرة ومعقدة جدا، غير أنهما أكدتا أن أكبر ما أثر فيهما في تلك الفترة هو صورة الشهيد محمد الذرة، الطفل الشهير الذي قضى نحبه بين يدي والده عندما اخترقت جسده الصغير رصاصات غادرة من الجيش الصهيوني. عادت إيمان، من جديد، إلى مدينة الرباط بعد خلاف مع العائلة هناك في غيغو، لأنهم «كانوا يحملونني قدرا من الأشغال المنزلية يتجاوز طاقتة تحملي»، تفسر إيمان سبب مغادرتها لإقليم بولمان. تصمت قليلا، ترتب أفكارها، ثم تشرع في الإفصاح عما يجول في دواخلها متحدثة بصوت خافت: «كنت أعتقد أنني سأواجه الأفضل عند خالتي بالرباط، بعد أن رفضت والدتي أن أقطن معها، لكن شيئا من ذلك لم يحدث، كنت أبكي كثيرا خفية بسبب الضغط الذي كان ممارسا علي، مع علمي بأنه لا يمكنني اختيار المكان الذي أريد أن أعيش فيه». في هذا الوقت، كانت سناء قد التحقت بأحد البيوت بمنطقة تواركة للعمل فيه كخادمة، بعد أن ضاقت بها السبل وأصبحت تنفر من «مهنة» التسول إلى جانب والدتها. تقول سناء: «اشتغلت في بيت زوجة حارس شخصي سابق للملك الراحل محمد الخامس»، وتضيف: «تسللت إلى غرفة كانت المرأة العجوز تمنعني من الولوج إليها. وفي غفلة منها، وجدت العديد من صورها إلى جانب أميرات من العائلة الملكية». ترسم سناء ابتسامة بريئة على محياها قبل أن تردف: «كنت أعتني ب»مّي عايشة» كما يجب، أقوم بغسل جسدها وأعد لها الطعام إلى جانب باقي الخادمات، وكانت بدورها لا تحرمنا من الأكل، وتعطينا المال كل ليلة جمعة..». تتوقف عن الحديث وهي تبتسم ابتسامة عريضة، كما لو أنها تذكرت شيئا طريفا، وتقول: «كنت آكل المربى بالملعقة وليس بالخبز كما يفعل الجميع، وعشقت «ليبتون» الذي تذوقت طعمه بالحليب لأول مرة في حياتي في بيت «مّي عايشة»»، قبل أن تضيف: «كنت أحكي لها تفاصيل حلقات مسلسل كانت تبثه إحدى القنوات، كانت تستمتع بذلك، وأتذكر أن المسلسل المصري كان يحمل عنوان «وتاهت بعد عمر طويل»..». تاهت الطفلة سناء وعادت إلى التسول من جديد، بعد أن قدمت أمها إلى بيت «مّي عايشة» تريد استرجاعها، مدعية أنها وجدت لها عملا آخر. تعلق سناء قائلة: «شهر واحد فقط قضيته عند «مّي عايشة».. أنا لا أفهم، لماذا تأتي أمي، كل مرة يعجبني فيها مكان يسوقني القدر لأقطن به، لتأخذني منه؟». كان بيت «ثورية»، صديقة الأم، المحطة التالية في رحلة بحث سناء عن مكان يحميها من شر الشارع. «ثورية»، وهي أرملة وأم لثلاثة أبناء وتنتمي إلى طبقة متوسطة، أمنت للطفلة سناء مصاريف التمدرس والمأكل والملبس دون مقابل، فقط رأفة بالطفلة وحماية لها. هنا في هذا البيت تعلمت سناء آداب الصلاة، وواظبت على أدائها في وقتها. تتذكر أنها في أحد الأيام وبينما كانت واقفة إلى جانب والدتها في أحد الأسواق الشعبية بالعاصمة، اخترقت مسامعها آيات بينات من الذكر الحكيم لم تستطع معها الطفلة الصغيرة كبح دموعها التي انهمرت من عينيها الواسعتين. «لا أعرف لماذا، ربما كان ذلك تخشعا»، تقول سناء، قبل أن تضيف: «دخلت حينها إلى المسجد، أديت الصلاة، وعند الخروج نزعت الحجاب من على رأسي. لمحني إمام المسجد، وقال لي: ارتديه يا ابنتي ففيه سترة لك، فرددت عليه بالقول: إنني نزعته بسبب حرارة الصيف، فزاد قائلا: «إنها ليست كحرارة جهنم». «منذ ذلك الحين لم أنزعه أبدا»، تؤكد سناء. أما إيمان فكانت قد قررت الهروب من بيت الخالة في اتجاه غرفة تكتريها والدتها فوق سطح أحد منازل جبل الرايسي بالرباط. لم يكن اللقاء بين الأم وابنتها على نحو جيد، فقد تعرضت إيمان لتوبيخ شديد من والدتها التي أكدت أنه ليس بمقدورها إعالتها وأختها معا، «كانت تطردني في كل مرة يقع فيها خلاف بيننا لأسباب تافهة»، تقول إيمان، وتضيف: «خلال الموسم الدراسي للسنة الأولى إعدادي، عشت حالة لااستقرار مع والدتي إلى أن انقطعت نهائيا عن الدراسة شهرين فقط بعد بداية الموسم»، تماما كما فعلت سناء عندما عادت إلى بيت والدتها قادمة من بيت «ثورية». «في ظل الفراغ الذي كنا نعيشه، أصبحنا نهتم أكثر بما يقع في العالم. كنا مبهورتين بما وقع في أحداث الحادي عشر من شتنبر، واعتبرناه نصرا للإسلام»، تؤكد إيمان، قبل أن تضيف: «في طريقنا إلى المسجد، وجدنا ورقة مرمية في الشارع كُتب عليها أن أحداث نيويورك في 11 شتنبر قد أنبأ بها القرآن الكريم في سورة «التوبة»، فقررنا نسخ عدد منها طلبا للأجر».