رغم أن مهمة الصحافة المغربية منذ بداياتها كانت وما تزال هي تسجيل الحدث وتدوينه، من خلال الإخبار به، إلا أن تاريخ هذه الصحافة ظل دون تدوين، ما عدا محاولات قليلة جدا ومحدودة ومتفرقة حصلت قبل أكثر من عقدين من الزمن. في هذه الحلقات نحاول أن نستعيد تاريخ الصحافة المغربية من خلال نماذج من الصحف التي صدرت بالمغرب منذ بداية القرن العشرين إلى اليوم، والأدوار السياسية والاجتماعية التي لعبتها، على اعتبار أن كتابة تاريخ الصحافة المغربية هي إعادة كتابة لتاريخ المغرب، وأن هذه الصحف اليوم تشكل وثائق مهمة تساعدنا على قراءة تاريخنا الحديث. كانت مدينة تطوان في النصف الأول من القرن العشرين تعج بالصحف الوطنية وبحركة الطبع والنشر، حتى إنها لقبت ب«قاهرة المغرب» مقارنة لها بالعاصمة المصرية. وقد ازدادت أهمية مدينة تطوان بالنسبة للحركة الصحافية والفكرية بالأخص بعد زيارة الأمير شكيب أرسلان لها في الثلاثينيات من القرن الماضي، والدور الذي قام به في إذكاء الروح القومية وربط المشرق بالمغرب في النضال من أجل التحرر والاستقلال. في هذا المناخ أنشئت جريدة «الأخبار» من طرف المؤرخ والفقيه محمد داود، صاحب «تاريخ تطوان» الشهير، الذي دخل عالم الصحافة مبكرا، وأسس المطبعة المهدية وانتخب رئيسا لمجلس إدارتها، فكانت أول مطبعة عربية وطنية كبرى ساهمت في نشر الثقافة حيث طبعت فيها الصحف الوطنية والمؤلفات العربية، وعملت في حقل النضال الوطني في شمال المغرب. كان الفقيه محمد داود قد أصدر في عام 1933 مجلة أطلق عليها اسم «السلام»، بعد انتخابه عضوا و مقررا في اللجنة العلمية المكَوَّنة لدراسة قانون تنظيم محاكم العدلية المخزنية، عقب زيارة أرسلان لتطوان، وجعل شعارا لها: «الإسلام، العروبة والمغرب»، فكانت لسان حال العاملين في حقل الوطنية شمالا و جنوبا. لكن السلطة الاستعمارية الفرنسية تضايقت من وجود هذه المجلة، فأصدرت قرارا بمنعها في المنطقة الجنوبية من المغرب، فتوقفت المجلة بعد صدور عشرة أعداد منها، وذلك سنة 1934، السنة التي صدر فيها قرار رسمي بعدم السماح له بالدخول إلى منطقة طنجة الدولية وبإخراجه من المنطقة السلطانية وعدم السماح له بدخولها، لكونه يمثل في نظرها خطرا على الرأي العام. وبعد عامين من ذلك التاريخ قرر الرجوع إلى الإعلام والصحافة، فأنشأ جريدة «الأخبار» التي كانت «جريدة وطنية جامعة تصدر مرة في الأسبوع مؤقتا»، وكان مقرها بزنقة الزاوية بتطوان. استطاعت «الأخبار» أن تستقطب اهتمام الاستعمار في الشمال والجنوب، خصوصا بعدما نجحت في ضم العديد من الوطنيين إليها، إذ كان محمد داود أحد قادة هيئة العمل الوطني بشمال المغرب وعضوا عاملا في لجنة المطالب الوطنية الأولى التي قدمها شمال المغرب للجمهورية الإسبانية، كما كان بعد ذلك أمينا لكتلة العمل الوطني بشمال المغرب وأحد الأعضاء النشطين داخل الكتلة الوطنية بالمغرب عامة، الأمر الذي جعل الاستعمار الإسباني والفرنسي يسلط عليه الأضواء كخطر على الوضع الاستعماري. جاء في افتتاحية العدد الأول من الجريدة يوم 15 مارس 1936 التي كانت تحت عنوان «إخلاص» ما يلي:«بسم الله القوي العزيز نبتدي... أما بعد فإننا نتقدم إلى أمتنا العزيزة بجريدة الأخبار وبرنامجنا خال من كثرة العهود والوعود، إذ إن كثرة الأقوال قد تؤدي إلى قلة الأعمال، وإذا كان هناك شيء يستحق أن نلفت إليه أنظار قرائنا الكرام فذلك أن خطتنا إنما هي بناء لا تهديم، وأن عملنا مصحوب بالاجتهاد والتجديد، لا بالجمود والتقليد، وإذا كان لنا رائد في كفاحنا فإنما هو الإخلاص، الإخلاص غير المشوب لا بسمعة ولا برياء الإخلاص المجرد من الأنانية والادعاء، الإخلاص لديننا الحنيف، بالمحافظة التامة على مبائده السامية ونشر فضائله العلياء والدفاع عنه ضد كل من يريد مس شيء من مقدساتناّ». ويضيف محمد داود في الافتتاحية، محاولا الرد على ما كان يقال عن المغاربة وقتها:«نتقدم إلى ميدان العمل ولدينا من ثبات العقيدة وقوة العزيمة ما نعتقد أنه خير معين لنا على السير بصحيفتنا هذه نحو الكمال المنشود، حتى نمحو العار الذي يراد تسجيله علينا ونزيل التهمة التي يحاول إلصاقها بنا، وهي أننا نحن المغربيين أقل الناس اعتناء بتعميم الثقافة والعلوم وأن طبقة المثقفين منا أرغب الطبقات عن التضلع بأعباء الصحافة التي تعد لسان الأمم وترجمان الشعوب». كانت جريدة «الأخبار» تتابع الشأن الوطني وقضايا المنطقة الخليفية إلى جانب الأحداث الدولية المرتبطة بالسباق بين الدول الأوروبية بما كان يعنيه ذلك من تأثير على الاستعمار الفرنسي والإسباني للمغرب بسبب تأثر التوازن الأوروبي بتلك الأحداث. ومن بين القضايا التي تعرضت لها الجريدة قضية التعليم في المنطقة الشمالية، مثلما ورد في العدد الثالث في الصفحة الأولى تحت عنوان«الحل الوحيد لمشكلة التعليم»، حيث جاء في المقال:«ولكن على الرغم من كل ما بذل لا زالت المشكلة قائمة كما كانت من قبل، وعسى أن يكون في الانقلاب الأخير الذي وقع في إسبانيا، والذي لا شك في ظهور أثره بهذه الجهة، فرصة جديدة لإعادة النظر في قضية التعليم».