الذين يتابعون مباريات مونديال جنوب إفريقيا أكيد أنهم يصابون بالدهشة من تلك الملاعب المدهشة التي تجري فيها المباريات، وهي ملاعب تتفوق على كثير من الملاعب الأوروبية. ما يجري بجنوب إفريقيا يهم المغرب كثيرا، لأن البلدين كانا يتنافسان من أجل احتضان مونديال 2010، وها هي السنوات مرت سريعا وجاءت سنة 2010، التي كان كثيرون يعتقدونها بعيدة جدا، وها هي جنوب إفريقيا تحتضن المونديال الذي حلمت به طويلا، وها هي ملاعبها ومرافقها تعطي صورة واضحة عن أن العمل الجدي هو الذي يبقى في النهاية، وأن محاولة استضافة المونديال بواسطة صور الملاعب على الورق لن تجدي نفعا أبدا. جنوب إفريقيا تفوقت على المغرب في سباق تنظيم المونديال بصوت واحد، وكثير من المغاربة عضّوا أصابعهم حسرة وهم يأسفون على ذلك الصوت الواحد، مع أن الذين يعرفون الفيفا وطريقة اشتغالها كانوا متأكدين من أن المغرب مجرد كومبارس، وأن جنوب إفريقيا هي التي ستنظم المونديال، لأسباب كثيرة، أولها اسم نيلسون مانديلا، وآخرها قدرة البلاد الفائقة على إنجاز ما تعد به. بعد أن فازت جنوب إفريقيا بتنظيم المونديال، سرى حديث في المغرب يقول إن المغرب لن يتخلى عن التحدي، وأن الملاعب التي كان مقررا لها أن تحتضن المونديال سيتم إنشاؤها في الموعد المطلوب، وسيربح المغرب «موندياله» الخاص. الذين سمعوا هذا الكلام الرومانسي اعتقدوا أن المسؤولين المغاربة استفاقوا أخيرا من سباتهم الطويل، وأنهم استفادوا من الأخطاء السابقة حين ترشحوا عدة مرات لاحتضان المونديال على ملاعب من ورق، لكن ها هو مونديال جنوب إفريقيا يوشك على النهاية، بينما المدن المغربية، التي كانت مرشحة لاحتضان مباريات المونديال، لا تزال تنتظر ملاعبها الجديدة، التي كان مقررا لها أن تنتهي سنة 2009، وها هو المغرب يعطي من جديد صورة غريبة عن نفسه، وهي أنه بلد لا يفي بالتزاماته، ليس مع الأطراف الخارجية فقط، بل مع نفسه أيضا. الملعب الجديد لمدينة فاس، مثلا، الذي كان مقررا أن يحتضن مباريات دولية في حال فوز المغرب بتنظيم المونديال، لا يمكن مقارنته بأصغر ملعب في جنوب إفريقيا. وفي طنجة، التي كانت تعتبر واجهة البلاد على العالم، ومنها سيطل الكون على «مونديال المغرب»، توقفت الأشغال في ملعب «الزياتن» لشهور، ثم تحول تصميمه بشكل درامي وأصبح ملعبا صغيرا، وفوق هذا وذاك لن يرى النور قبل سنة 2012. ما لم يدركه المسؤولون المغاربة هو أن الفيفا تتخذ قرارا سياسيا مائة في المائة عندما تقرر منح تنظيم المونديال لبلد من البلدان. إنها تمنحه للبلدان التي تجدها جادة جدا في مسارها الاقتصادي والسياسي. فالمكسيك تم منحها تنظيم مونديالين، الأول سنة 1970 والثاني سنة 1986، والسبب هو أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا لا تريدان أن تكون بوابتهما الجنوبية فقيرة جدا ومعدمة وتصدر إليهما الفقر والمهاجرين والكوكايين، بل تريدان دولة قائمة الذات اقتصاديا، لذلك ساندتاها بقوة من أجل احتضان المونديال لمرتين متتاليتين، وأثبتت المكسيك أيضا أنها جادة في كل شيء، وهي اليوم تحتضن استثمارات عالمية ضخمة، وبها يوجد أغنى أغنياء العالم هو كارلوس سليم، الذي تقدر ثروته بأزيد من 70 مليار دولار، والتي يضعها في خدمة بلده ولا يهربها للأبناك الأجنبية. كما تضم المكسيك عشرة من بين أوائل المليارديرات في العالم. ومنحت الفيفا جنوب إفريقيا حق تنظيم المونديال بعد عقود من نظام الميز العنصري واضطهاد السود، فكان ذلك مكافأة على التخلي عن نظام الميز العنصري ودمقرطة البلاد، وأيضا مكافأة على النجاح الاقتصادي للبلاد. وفي إسبانيا، تم تنظيم المونديال سنة 1982 بضع سنوات بعد خروج البلاد من دكتاتورية طويلة، وكان ذلك مناسبة لانطلاق البلاد في مسلسل اقتصادي وديمقراطي مزدهر. من المؤسف حقا أن المغاربة شربوا الكثير من «كؤوس» العالم الوهمية حتى ثملوا، ولم يدركوا بعد أن الفوز بتنظيم كأس العالم لا يتأتى عبر اصطياد أصوات شاردة في الكواليس، بل تمنحه جهات عالمية قوية جدا للبلدان الملتزمة مع نفسها ومع الآخرين اقتصاديا وسياسيا.