في طنجة هذه الأيام لا تسمع من المسؤولين والمنتخبين سوى عبارة واحدة «أنا مشغول دابا.. أنا مع سيدْنا». هذه العبارة يرددها المقدم والقايد، كما يرددها البرلماني والمستشار وكل موظفي الولاية والمستشارين الجماعيين ومن شابههم. الملك محمد السادس يزور طنجة هذه الأيام لهدف واحد، هو أنه يشتغل، ويتنقل من منطقة لأخرى، بما فيها مناطق نائية لا يصلها مسؤولو المدينة بالمرة، بينما الموظفون والمسؤولون يعطلون مصالح الناس ويتركون مكاتبهم خاوية بدعوى أنهم مع الملك، وكان من الأفضل لهم أن يبقوا في أمكنتهم ومكاتبهم ليقضوا مصالح الناس عوض أن يتظاهروا بالعمل. قبل بضعة أيام توقفت جلسة خاصة بالجماعة الحضرية بعد أن ابتدأت ببضع دقائق، والسبب هو أن المجتمعين قالوا إن الاجتماع لا يصح لأن هناك زيارة ملكية، مع أنه لا مكان لهم إطلاقا في الأنشطة التي يقوم بها الملك في المدينة. والغريب أن عددا من المسؤولين والمنتخبين يفضلون الجلوس في المقاهي أو التسكع بسيارات الدولة، وهي سيارات الشعب في الأصل، وحين يتصل بهم أحد يقولون له إنهم مع الملك. الذين يتذرعون بالزيارات الملكية من أجل الغياب وإقفال مكاتبهم عادة ما تجدهم في المقاهي أو يحملون أسرهم نحو الشواطئ، وعندما يتصل بهم أحد في الهاتف يتصنعون نبرة جدية وغاية في الصرامة وهم يرددون عبارة «شوفْ أخويا.. حنا مع الملك دابا.. اتصل بيا من بعد». ويحكي رجل كيف أنه ظل ثلاثة أيام يتردد على إدارة في عمالة فحص أنجرة. في اليوم الأول قالوا له إن الملك قادم إلى المدينة، لذلك لا يوجد أحد. وعاد في اليوم الثاني فقيل له إن الملك في المدينة، لذلك فإن الموظفين مشغولون بالزيارة، وفي اليوم الثالث دخل إلى الإدارة ولم يجد أحدا، لكنه لم يسأل لأنه يعرف مسبقا طبيعة الجواب. في الماضي كان تغيب المسؤولين والموظفين عن مكاتبهم مسألة شبه مفهومة خلال الزيارات الملكية لأنها كانت قليلة، لذلك فإن الهلع الذي كان يصيب الموظفين يمكن فهمه، لكن اليوم تبدو الأشياء مختلفة، فالملك يزور طنجة، ومعها كل مدن ومناطق الشمال لمدد طويلة، وهو يتخلى عن البروتوكولات الرسمية في الكثير من تحركاته، لذلك فإن تحجج المسؤولين والمنتخبين بالزيارات الملكية من أجل الغياب يبدو غير منطقي إطلاقا. في كثير من الأحيان يكون الموكب الملكي متوجها نحو جهة ما، وفي ملتقى طرق يمكن أن تعثر على عشرة قياد وثلاثين مقدما وما بينهما من رجال السلطة، ولا أحد يعرف ماذا يفعلون كلهم في نفس المكان، مع أنه كان من الممكن أن يوجد ربعهم فقط، أو حتى أقل من ذلك، لأنه لا ضرورة لوجودهم على الإطلاق، ولو أنهم كانوا فقط يحملون بعض الماء البارد والعصير لأفراد الأمن والدرك المنتشرين على الطرقات لكان ذلك أفضل. ما يحدث في طنجة يحدث أيضا في مدن مغربية كثيرة، حيث يستغل موظفون ومسؤولون ومنتخبون الزيارات الملكية لكي يتظاهروا بأنهم مشغولون جدا، ويقفلون أبواب مكاتبهم ويشمعونها بالشمع الأحمر لأنهم يعرفون أن لا أحد يلومهم لأنهم «في خدمة الملك»، مع أنهم يقومون بدور معاكس تماما. ما يجري خلال الزيارات الملكية يجري في مناسبات أخرى، حيث يتذرع موظفون ومسؤولون بأي شيء لكي يتغيبوا أو يتأخروا. ومن النادر اليوم أن يتوجه المواطنون إلى الإدارات يوم الجمعة لأنهم تعودوا ألا يجدوا أحدا. ففي الصباح يقال لهم إن الموظفين والقياد والمقدمين ذهبوا إلى المسجد للصلاة، مع أن الصلاة هي صلاة الظهر وليست صلاة الصبح، وفي المساء لا يأتي أحد لأنهم ينشغلون بالكسكس والزيارات العائلية، وأيضا لأنه يتم إشراك مساء الجمعة مع السبت والأحد، فتكون العطلة ثلاثة أيام عوض يومين. هذه السلوكات تبين أن هناك مشكلة حقيقية في المغرب، وهي مشكلة تتعلق بعقلية الكثيرين الذين يسيرون الشأن العام في البلاد، والذين يعتقدون أنهم يقومون بعمل خيري تجاه الناس.