كشف محمد أكضيض، عميد الأمن الممتاز السابق، أنه «ليس متاحا لكل الأجهزة الاستخباراتية استعمال تقنية التصنت على الهواتف» وأن «لا أحد يعلم أين توجد مراكز التسجيل وهل لها فروع في مناطق من المملكة». وتحدث أكضيض عن شبكة عملاء الاستعلامات العامة والمخابرات، وكيف تتم مكافأتهم على المعلومات التي يقدمونها، وعن التجاوزات التي تقع أثناء اختراق المجموعات المعارضة للنظام. - ما هي أبرز وسائل التجسس والمراقبة التي تعتمدها الاستعلامات العامة لتتبع أنشطة المواطنين، سواء منهم المنظمون في أحزاب أو المشتبه في تورطهم في أعمال يجرمها القانون؟ < أولا يجب استبعاد التجسس، لأن التجسس هو مفهوم يرتبط بتسريب معلومات أو وثائق، كما هو متعارف عليه، إلى دولة أخرى، تقوم بنشاطات ضد الدولة المعنية في ما يخص جمع المعلومات حول المواطنين أو التنظيمات السياسية أو ما يتعلق بالإرهاب، يجب أولا وضع مرحلتين استخباريتين في الحساب: مرحلة ماقبل 11 شتنبر و16 ماي في المغرب، ومرحلة ما بعد هذين التاريخين. ففي المرحلة الأولى يمكن القول إن وسائل جمع المعلومات كانت تقليدية، تتجلى في أعوان السلطة، الذين كانوا يتكلفون بجمع المعلومات حول النشطاء والمواطنين، من بينهم نشطاء الأحزاب، في إطار عملهم العادي، وهنا يجب التذكير بأنه كانت هناك العديد من التجاوزات في علاقة بما يسمى بسنوات الرصاص، والتي كانت تتمثل في اختراق رجال الاستعلامات مجموعة من التنظيمات، وتتبع نشاطها، حيث كان يتم الاتصال ببعض الأشخاص الذين يكونون منخرطين داخل بعض التنظيمات السياسية ويتم استغلالهم بطريقة أو بأخرى للتعاون ولمد الاستعلامات العامة أو إدارة مراقبة التراب الوطني بما يحدث في الداخل، كما أن عناصر الاستعلامات العامة كانت تتوصل باستمرار بكل ما يحدث داخل التنظيمات السرية أو العلنية، إما عن طريق الإبلاغ الرسمي الذي تتوصل به أو عن طريق مخبريها التقليديين، كما أنهم يقومون بتغطية كل الاجتماعات، حتى السرية منها. - ماذا تغير إذن بعد 11 شتنبر و16 ماي؟ < ما بين 11 شتنبر و 16 ماي ظهر ما يسمى ب«محاربة الإرهاب»، وهنا بدأ التعاون الدولي بين المغرب والعديد من الدول على رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأصبحت هذه التفجيرات التي وقعت في عدة مناطق من العالم وفي المغرب تفرض على جميع أجهزة الأمن المغربية أن تطور أسلوبها وتقنياتها، وأول ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد هو دخول آخر التقنيات للتصنت على الهواتف، وهذه التقنية لا نعلم في المغرب أين يوجد مكانها، أو مركز معالجة المواد المسجلة، ومن يشتغل فيها ومن يراقبها، وأطرح السؤال هل قانون الإرهاب ينص صراحة، في هذا الصدد، على أخذ الإذن من النيابة العامة، ومن الوكيل العام للتصنت على الشخص المراد تتبع مساره في إطار عملية محاربة الإرهاب، أو في نطاق محاربة المخدرات، وهل هناك أي من الوكلاء العامين بالمملكة استطاع أن يقوم ولو بزيارة إلى مراكز التصنت، هل يعلمون شيئا عن آليات التصنت. إذن هنا يجب الإشارة كذلك على أننا في حياتنا العادية، نجد أن كثيرا من الأطر الوطنية التي تشتغل داخل الإدارات العمومية أصبحت تتفادى الحديث عبر الهواتف، وليس الأمر مقتصرا على الناس العاديين، بل حتى رجال الأمن من أعلى المستويات صاروا يرفضون الحديث عبر الهاتف إلا في الأمور الهامشية، لأن الجميع يخاف من التصنت الآن، حتى المسؤولون الأمنيون أنفسهم، دون أن يتمكن أحد من مراقبة هذه العملية، لذلك يجب أن يخضع التصنت لسلطة المؤسسة التشريعية، وأن يخضع للقانون. - في هذا الصدد هل هناك أكثر من إدارة وأكثر من جهاز في الاستعلامات المغربية يتاح لها استخدام آلية التصنت أم هي محصورة في جهاز معين؟ < حسب علمي فهذه التكنولوجيا ليست متاحة لأي كان، ويمكن أن أقول من الآن، دون أن أجزم، إن مصلحة الاستعلامات لا تتوفر على مراكز التصنت، والشؤون العامة لاتتوفر بتاتا على آلية التجسس، بل وحدها إدارة مراقبة التراب الوطني هي من يملك هذه التكنولوجيا، ولها آليات متطورة ومراكز للتصنت، يوجد فيها مختصون مكلفون بالسهر على هذه المهمة. - في هذا الصدد أيضا من يتصنت على من؟ ومن يراقب من؟ < يجب أن نقر الآن بكون العلاقات بين الأفراد والمواطنين داخل المجتمع هي مهزوزة، وفقط لتقريب الصورة أكثر فمن يتحكمون في عمليات التصنت هم أنفسهم صاروا عرضة للتصنت والمراقبة، وبالتالي فالجميع هو عرضة لأن يكون هاتفه تحت المراقبة من أكبر مسؤول أمني إلى أصغر مواطن، في النهاية الجميع يتصنت على الجميع. على البرلمان أن يتدخل للتحقيق ولمراقبة إجراء التصنت على الناس. - هل معنى هذا أن الديستي هي الرائد في التصنت على المواطنين؟ < بالتأكيد الديستي هي غول التصنت على المواطنين، وهي أكبر جهة تقوم بهذا النوع من العمليات. - وماذا بخصوص هؤلاء العملاء كيف يتم استقطابهم، أو صرف أجورهم...؟ < لا يمكن أن نسميهم بالعملاء، لأنهم ليسوا كذلك بالضبط ولا يشبهون عملاء البلدان المتقدمة، الذين لهم اختصاص ولهم مهام مضبوطة. وفي كل الأحوال فإن من يعيدون تركيب تلك المعلومات هم عناصر متخصصة من الاستعلامات العامة، كما يمكن لعنصر من هؤلاء إذا أراد معلومة ما أن يتصل مباشرة بالتنظيم الرسمي لأخذ المعلومة، كما يمكنه أن يتوجه إلى حارس الحي أو مقدم الحي أو مخبر ما ليأخد معلومات عن شخص ما وعن تحركاته ونشاطه وأوقات خروجه ودخوله. وهنا لا بد من الرجوع إلى سنوات الرصاص التي لعب فيها أعوان السلطة، والاستعلامات العامة ورجال مراقبة التراب الوطني، دورا كبيرا في تهييء بعض مناضلي الأحزاب ثم الجز بهم في السجون فيما بعد وقد كانت هناك تجاوزات كبيرة واختراقات كبيرة. وفي الحقيقة يجب التمييز بين أنواع المخبرين اليوم، هناك من يتعاونون مع الشرطة القضائية مثلا مقابل غض النظر عن بعض الممارسات غير القانونية التي يمارسها أولئك المخبرون، مثلا بعض المخبرين يكونون من باعة الخمور المهربة «الكرابة»، بكميات ضئيلة، وفي مقابل تركهم يمارسون هذا العمل فهم يقدمون معلومات للشرطة القضائية لأنه يكون من بين زبنائهم بعض المجرمين، ويستعمل هذا الشخص عدة استعمالات ويتعاون مع معظم الأجهزة، كما أن هناك بعض المخبرين يتقاضون بعض الأجور عما يقدمونه من معلومات. هكذا فإن استقطاب المخبرين يخضع لتوفقات وإكراهات يعرفها المخبر والجهاز لا غير، وتتجلى في منطق الوعد والوعيد، كما أن أغلب المؤسسات العمومية تسلم المعلومات إلى إدارة مراقبة التراب الوطني كلما طلب منها هذا الأمر ولا أحد يستطيع أن يرفض، أو أن يمتنع عن إعطاء المعلومات، والسلطة المحلية نفسها، فعندما يتوجه رجال «الديستي» إلى قواد المقاطعات من أجل طلب معلومات فهؤلاء يمنحونهم كل شيء، وهو مجبر على تسليم كل ما يطلب منه من معلومات وجدادات إلى رجال الاستعلامات.