يسافر المفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي في مؤلفه «حوار مع الفكر الفرنسي» صوب رافد من روافد الفلسفة الغربية، ألا وهو الفكر الفرنسي الذي استطاع بفضل أعمال فلاسفته أن يفتح دروبا فلسفية جديدة في الثقافة الغربية عبر النقد والشك والحفر والتفكيك والخلخلة...، ولهذا كان لزاما الانخراط في حوار مع هذا الفكر من أجل فهم واستيعاب الفلسفة المعاصرة. يقول بنعبد العالي: «بفضل قراءتنا لسارتر وألتوسير وغولدمان وفوكو وباشلار وبارت ودريدا وجدنا أنفسنا نعيد قراءة هيجل وماركس وفرويد وهايدجر من غير أن نكون قد أتممنا بعد قراءاتنا الأولى...». إن هذا الوعي بضرورة المرور عبر الفكر الفرنسي - نحو الفكر المعاصر- هو ما حدا بالمفكر بنعبد العالي إلى الدخول في حوار مع أبرز أعلامه الذين وسموا تاريخ الفكر الفلسفي بأفكارهم النيرة، واحتلوا بفضلها مكانة مرموقة في قلب النقاش الفلسفي المعاصر. وبالنسبة ل»بنعبد العالي»، لا يمكن الحديث عن الفلسفة الفرنسية دون ذكر أب الفلسفة الحديثة وفيلسوف البداهة والوضوح روني ديكارت الذي دعا إلى تحرير العقل من سلطة المرجعيات عن طريق الشك الموصل إلى الحقيقة وفق مبدأ البداهة العقلية، مؤسسا بذلك اتجاها فلسفيا متكاملا سيتعرض لضربات شديدة فيما بعد من طرف كانط ونيتشه وفرويد، وهو ما سينجم عنه تصدع الأنا الديكارتي، تصدع لن ينتقص من المكاسب التي قدمها هذا الفيلسوف من أجل إرساء فلسفة تناصب العداء لكل ما هو تراثي وتقليدي. ولا يمكن كذلك، حسب المؤلف، التأريخ للفكر المعاصر دون استحضار سارتر الذي استطاع أن يسرق الأضواء من الفلاسفة الذين عاصروه بفضل مواقفه الفلسفية والسياسية. لقد صنع هذا المفكر الفيلسوف إطارا دار في فلكه مثقفون في العالم إبان الحرب العالمية الثانية وبعدها على مدى الحرب الباردة. وفتح الفلسفة الفرنسية التي كانت غارقة في البرغسونية والكانطية الجديدة على مكتسبات التحليل الفينومينولوجي انطلاقا من الأهمية التي أولاها لمفهوم المشروع والارتماء في المستقبل في تحديدة لزمنية الوجود من أجل ذاته. لكن رغم كل هذا، فقد تعرض للنقد الشديد من طرف الفيلسوف الماركسي ألتوسير الذي أحيى من جديد و باسم الماركسية فكرة الفلسفة الخالدة، وقدم تصورا جديدا لمفهوم الايديولوجيا، حيث اعتبرها بمثابة نسيج كل تشكيلة اجتماعية، والإسمنت الذي يشد أحجار المجتمع بعضها إلى بعض، إنها إنتاج لعلاقات الإنتاج. ولم يقف المفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي عند هؤلاء الفلاسفة الفرنسيين فحسب بل تحدث كذلك عن إسهامات كل من فوكو و دولوز ودريدا، الذين حاولوا إعادة كتابة تاريخ الفلسفة وفق منهج جديد وبطريقة فلسفية - مستوعبة أشد الاستيعاب الدرس النيتشوي والهايدجري اللذين حطما جدار الميتافيزيقا - وتمكنوا من إقامة فكر اختلافي متحرر من فلسفات التصور والتمثل والجدل. وفي الأخير، يمكن أن نستجمع الكلام ونقول عن هذا المؤلف إنه رؤية فلسفية خلاقة للفكر الفلسفي الفرنسي الذي يعد قنطرة أساسية لفهم وإدراك الفكر الغربي المعاصر. * حوار مع الفكر الفرنسي، عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، ط 1، 2008