من أطرف ردود الفعل التي صدرت عن مواطنين مغاربيين بسبب «التغيير» المفاجىء لشفرة الباقة الفرنسية «تي بي إس» (سابقا) تعليق بعث به مشاهد متذمر إلى أحد مواقع الإنترنيت يقول فيه إن الله انتقم من فرنسا التي «حرمتنا من متابعة كأس الأمم الأوروبية على القنوات الفرنسية، فألحق بمنتخبها الوطني هزيمة نكراء على يد المنتخب الهولندي». ليس رد الفعل هذا معزولا عن سياق عام، حيث تعود مواطنو المغرب العربي، ولمدة تقارب سبع سنوات، على مشاهدة الباقة الفرنسية المشفرة (والمؤدى عنها بفرنسا) مجانا، وذلك بفضل قراصنة «مجهولين» يتفضلون بوضعها على الشبكة العنكبوتية، فيتيحون، بذلك، لملايين الراغبين إمكانية مشاهدة العديد من القنوات الفرنسية العامة والمتخصصة. لذلك كان هذا «الفطام» المفاجىء صعبا، خاصة أن التوقيت الذي اختاره المالكون الجدد لباقة «تي بي إس» (أصحاب باقة «كنال ساتليت») كان مدروسا بعناية، ليتزامن مع انطلاق مباريات كأس الأمم الأوروبية التي يتابعها ملايين المشاهدين داخل أوروبا وخارجها بشغف شديد. وإذا كان بعض المتفائلين، من مبحري الإنترنيت، يعتبرون التشفير الجديد للباقة الفرنسية (والذي تعذر فكّه لحد الآن) مؤقتا، وأن هذه ستعود إلى تشفيرها القديم بمجرد الانتهاء من مباريات كرة القدم الأوروبية، فإن هذا لا يمنع من التذكير بجملة من الحقائق المحيطة بهذا الواقع الجديد. أولها أن التشفير الجديد كان منتظرا منذ فترة، خاصة أن المشترين الجدد للباقة الفرنسية أعلنوا منذ حوالي سنة عن مخططهم لدمج الباقتين اعتمادا على برنامج مضبوط يحدد بالشهر وباليوم تاريخ حذف قنوات ودمج أخرى وانتقال الكل، ابتداء من مطلع خريف هذا العام على أكثر تقدير، إلى القمر «أسطرا» (19 درجة شرقا)، مع اعتماد تشفير موحد، كان يعتقد أنه سيكا (أو ميديا غراد) إلى أن تبين أن «كنال ساتليت» تفضل الجمع بينه وبين صيغة متطورة لنظام «فياكسس» (بالنسبة إلى المشتركين الذين يفضلون شراء البطاقة لوحدها، دون كراء جهاز الاستقبال). الحقيقة الثانية هي أن الباقة الفرنسية، ورغم بثها انطلاقا من قمر صناعي يغطي مجمل أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط، هي باقة خاصة بفرنسا وحدها، وذلك اعتمادا على أن مالكيها يشترون حقوق التأليف الخاصة بما يقدمونه من أفلام وبرامج لفرنسا وحدها دون غيرها من البلدان (بما في ذلك الناطقة جزئيا بالفرنسية مثل سويسرا وبلجيكا)؛ وهو خيار اعتمده هؤلاء بسبب انخفاض كلفته المالية مقارنة مع غيره من الخيارات (دفع قيمة الحقوق اعتمادا على عدد المشتركين، مثلا). يضاف إلى ذلك أن كل المحاولات التي بذلتها شركة «كنال ساتليت» للانفتاح باتجاه «حوض البلدان الفرانكوفونية» عن طريق بعض التفريعات لعرضها الأصلي سرعان ما كانت تمنى بالفشل، انطلاقا من «كنال أوريزون» وانتهاء ب»كنال بلوس فاميلي» التي مازالت عاجزة إلى حد الآن عن فتح منافذ لها خارج البلد الأم (صعوبة تصريفها في المغرب، مثلا، عن طريق عرض «اتصالات المغرب»، بسبب غلائه وتخلف تجهيزات البث بواسطة الإنترنيت وضعف الصبيب وانقطاعه في كثير من الأحيان). إلا أن الحقيقتين السابقتين سرعان ما تنفيهما حقيقة ثالثة تقول إن الحكومة الفرنسية كثيرا ما كانت تدفع باتجاه غض الطرف عن «المشاهدة المغاربية» للباقة الفرنسية الراحلة خارج كل اشتراك رسمي، وذلك انطلاقا من مساهمة ذلك في تدعيم الحضور الفرنكوفوني ببلدان المغرب العربي؛ مثلما غضت حكومات هذه الأخيرة الطرف بدورها عن ذلك اعتقادا منها أن الحضور الثقافي واللغوي الفرنسي ببلدانها من شأنه أن يساهم في «محاربة التطرف». لذلك لا يستبعد أن يتم «العثور» قريبا على حل لهذا الغياب المفاجىء (من الخيارات التي طرحت في الشهور الأخيرة العمل على توفير صيغة اشتراك خاصة ببلدان المغرب العربي ببطاقة اشتراك لا تتعدى 10 أورو في الشهر، تتيح مشاهدة حوالي 40 قناة فرنسية أو ناطقة بالفرنسية)؛ كما أن هناك احتمالا آخر (يعود الفضل فيه إلى التطور المتسارع لآليات الاستقبال الرقمي) يتمثل في إمكانية التقاط القنوات الرقمية الأرضية المبثوثة فضائيا عن طريق أجهزة استقبال متطورة (يستطيع المتوفر منها حاليا في السوق التقاط القنوات الإسبانية الأرضية المبثوثة رقميا على «هيباسات»، وقريبا سيتم تعميم ذلك ليشمل القنوات الفرنسية على أتلانتيك بيرد 3 -5 درجات غربا-)؛ وهو أمر سيطمئن المشاهدين المدمنين على الفرجة شبه المجانية، إلا أنه سيطرح، ومن جديد، سؤالا كبيرا يتعلق بتأهيل قنواتنا وبقدرتها على المنافسة أمام هذا الغزو القادم من الفضاء والذي خلق له، عندنا، كثيرا من «الأتباع» و«المريدين».